بايدن أخطأ؛ السياسة الأميركية خطِرة وغير نزيهة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

  • سأحاول شرح سبب خيبة الأمل بسياسة الرئيس بايدن حيال إسرائيل. لقد أخطأت الولايات المتحدة في تعامُلها مع ميزتين مركزيتين للحرب في غزة. الميزة الأولى هي "الرواية". تقارن الولايات المتحدة حرب إسرائيل ضد "حماس" في غزة بحربها ضد "داعش"، التنظيم الإرهابي الذي خرج من بغداد واحتل مناطق في العراق وسورية، وفرض سيطرته ضد إرادة السكان.
  • ما جرى في غزة مختلف تماماً: "حماس" هي الزعامة الحقيقية للسكان في القطاع، وفازت في انتخابات ديمقراطية في سنة 2006، وتحظى بتأييد كامل من الناس. عندما يقول بايدن إن أغلبية سكان غزة ضد "حماس"، فهذا ليس له أيّ صلة بما يحدث. بدءاً من سنة 2007، فعلت "حماس" في غزة ما فعله النازيون في ألمانيا، لقد وحّدت كل الأجهزة المدنية، وحشدت تأييد السكان تحت قيادتها، ومع أيديولوجيتها.
  • لقد تحولت غزة إلى دولة أمر واقع، مع كل الصفات التي تميزها: حدود واضحة، حُكم مركزي فاعل، سياسة خارجية مستقلة، وجيش. لذلك، ما جرى في 7 تشرين الأول/أكتوبر، أن دولة غزة شنّت حرباً ضد دولة إسرائيل. إنها حرب شاملة بين شعبين، وليست صراعاً ضد تنظيم "إرهابي" يجري على حساب المواطنين "المساكين" في غزة.
  • الصفة الثانية، هي الجانب العسكري. يقول الأميركيون لنا "افعلوا ما فعلناه في الموصل". لكن لا مجال للمقارنة. من الناحية العسكرية، كان تنظيم "داعش" مزحة، بضعة آلاف من مثيري الشغب يهاجمون ببنادق الكلاشينكوف في الشوارع، وعلى الرغم من ذلك، فإن الأميركيين أمضوا 9 أشهر للانتصار في الموصل فقط، وقتلوا هناك 11 ألف مواطن.
  • في المقابل، غزة هي الهدف الأكثر تحصيناً وتسليحاً واكتظاظاً في التاريخ. لقد أصبحت على هذه الصورة بفضل قدرة الحكم على تعبئة كل المجتمع المدني، لذلك، لا توجد مدرسة، أو مستشفى، لا تُستخدم مخزناً للسلاح، أو مصنعاً لإنتاج السلاح. كما توجد الآلاف من فتحات الأنفاق في المنازل السكنية.
  • إذا كان هناك معركة في التاريخ الأميركي تذكّر بغزة، فإنها معركة أوكيناوا في سنة 1945، فمن أجل الانتصار على 20 ألف ياباني، قتلت القوات الأميركية نحو 100 ألف مواطن، وتكبّدت، هي نفسها، 50 ألف إصابة. وليس غريباً ألّا ينتقد أيّ جنرال اميركي الطريقة "المهنية والأخلاقية" التي يعمل بها الجيش الإسرائيلي في غزة، لكن هذا لم يمنع الرئيس الأميركي ووزير خارجيته من إطلاق الانتقادات المهينة.
  • ارتكبت إسرائيل خطأين كبيرَين منذ نشوب الحرب. الأول، معارضتها لكل مبادرة إلى دخول قوات السلطة الفلسطينية إلى غزة، بمساعدة فاعلة من الدول العربية والولايات المتحدة، بينما لا يوجد بديل من سلطة "حماس"، ولا يوجد ضغط حقيقي يؤدي إلى سقوط حُكمها، الذي يشكل الهدف الأول للحرب. الخطأ الثاني يتعلق بإدخال المساعدات إلى غزة. لقد وافقت "حماس" على الصفقة الأولى للمخطوفين، خوفاً من حدوث مجاعة في القطاع. لا يخاف الطغاة من الضغط العسكري، ومن أعداد القتلى، بل يخافون من شعب جائع وغاضب، انظروا إلى ما جرى في "الربيع العربي". ومن اللحظة التي وافقت فيها إسرائيل، تحت الضغط الأميركي، على زيادة المساعدات، فإنها خسرت الأمل باستعادة مزيد من المخطوفين إلى الأبد. والضغط على إسرائيل بشأن موضوع المساعدات كان بمثابة صدور حُكم بالموت على المخطوفين الإسرائيليين.
  • علاوةً على ذلك، تتقاسم الولايات المتحدة و"حماس" ثلاث مصالح: لا لاحتلال رفح؛ نعم لزيادة المساعدات "الإنسانية"؛ والأكثر أهميةً، نعم لإنهاء الحرب. الاستخدام غير النزيه لوقف إمدادات السلاح هو وسيلة تحاول الولايات المتحدة من خلالها حشرنا في الزاوية. والأمر الذي لا يقلّ إثارةً للقلق هو التوجه الأميركي حيال جبهة الشمال. إن الأمر الوحيد الذي يردع حزب الله هو مهاجمة البنى التحتية في لبنان وتدمير بيروت التي يمكن أن تصبح مثل غزة. هذه هي الطريقة الوحيدة لدفع حزب الله إلى الموافقة على اتفاق معقول، وإذا لم ينجح ذلك، فننهي الحرب ضده في وقت معقول.
  • لا تريد الولايات المتحدة أن تفهم ذلك. وحتى لو وافقت على أن "من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها"، فإنها سمحت لنا فقط بمهاجمة أهداف عسكرية لحزب الله، وهذه وصفة أكيدة لهزيمة إسرائيل. وعندما يُسأل بايدن عمّا إذا كان يدين التظاهرات "المعادية للسامية" في الجامعات، فيردّ أنه يدين ذلك، لكن يجب أن نتفهم المعاناة في غزة. عفواً! ما علاقة الأمرين؟ وتشبه تصريحاته، في لهجتها، تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، والتي أدلى بها في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وقال إنه يدين "حماس"، لكن الهجوم "الوحشي" لم يأتِ من فراغ.
  • صحيح أن نتنياهو يتحمل مسؤولية الوضع الناشىء أكثر من بايدن، وأنا آخر شخص يؤيد ما يفعله نتنياهو. لكن يجب أن ننظر إلى الواقع الحالي، وألّا نتأثر كثيراً بكلام الرئيس الأميركي عن المحرقة، وعن معاناة المخطوفين.
  • عملياً، السياسة الأميركية خطِرة، والولايات المتحدة تدرك أن إسرائيل فقدت وجهتها، وتحاول إنقاذنا من أنفسنا، لكنها في هذه الأثناء، ترتكب أخطاء صعبة، وتُلحق الضرر، ليس فقط بإسرائيل، بل بمصالحها أيضاً.