الأزمة العلنية مع مصر يمكن أن تدفع إلى دخول السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- الأزمة بين إسرائيل ومصر تتعمّق، وتهدد العلاقات بين الدولتين. خلال الأسبوع الماضي، خرجت هذه الأزمة من الغرف المغلقة إلى العلن. ولإزالة الشكوك، لم تخرج بصيغة "تسريبات"، أو تحليلات. فنشرت صحيفة "القاهرة الإخبارية"، "التابعة للاستخبارات المصرية"، بيانَ رفضِ مصر التنسيق مع إسرائيل بشأن دخول المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح.
- الآن، الموقف المصري الذي بقي خلف الكواليس لمنع تدهور العلاقات، لدرجة إلحاق الضرر باتفاقيات "كامب دايفيد"، تحول إلى موقف رسمي وعلني. الغضب المصري لم يكن مفاجئاً للولايات المتحدة، ولا يجب أن يكون مفاجئاً لإسرائيل. فعلى مدار أسابيع كثيرة، مرّرت القاهرة رسائل تحذير، وطلبت من واشنطن، بحدة، منع إسرائيل من اجتياح رفح والمعبر الحدودي.
- التخوف المصري من قيام مئات الآلاف من الفلسطينيين باختراق الحدود من غزة ليس جديداً. لقد حذّرت مصر من ذلك منذ بداية الحرب، لكنها استمرت في التنسيق مع إسرائيل حيال كلّ ما يخص المساعدات الإنسانية. وبعكس الأردن وتركيا، لم تستدعِ مصر سفيرها من تل أبيب، وحافظت على علاقات وطيدة مع قيادتَي الاستخبارات والجيش في إسرائيل في الوقت الذي تم إغلاق قنوات التواصل المباشرة مع مكتب رئيس الحكومة. الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أوضح منذ بداية الحرب أن اتفاقيات كامب دايفيد غير مطروحة للنقاش، وهذا كان مضمون الرسائل الإعلامية في الدولة.
- خلال الأسبوع الماضي، جرى تحوُّل. إذ بدأ مسؤولون مصريون سابقون بالحديث عن "احتمال مواجهة عسكرية مع إسرائيل"، في حال اخترق الجيش الحدود إلى سيناء، وأن مصر لا تستطيع تجاهُل هذا الأمر، في حال تم إلحاق الضرر بسيادتها. القرار بشأن وقف التنسيق مع إسرائيل في قضايا المساعدات الإنسانية بشكل خاص ليس استثنائياً فقط، بل أيضاً يشير إلى استعداد القاهرة لاتخاذ خطوات مهمة قد تؤدي إلى أزمة سياسية. صحيح أن الخبر الذي صدر أمس بشأن انضمام مصر إلى دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية في لاهاي هو خطوة إعلانية فقط، لكنه يشير إلى أن مصر بدأت بتبنّي نهج مختلف، بعد أن انتظرت نحو 8 أشهر، وبعد ظهور حجم الأزمة.
- منذ اللحظة الأولى، تبنّت مصر التنسيق الكامل مع إسرائيل، على الرغم من أنها كانت تستطيع فتح معبر رفح بسهولة والسماح لقوافل المساعدات الإنسانية بالدخول إلى غزة، من دون إزعاج. لقد تحوّل مطار العريش إلى مكان لتجميع وتجهيز المساعدات التي وصلت من دول كثيرة في العالم، وتم الحفاظ على معايير الفحص والتفتيش التي وضعتها إسرائيل.
- لطالما كانت سيطرة مصر على معبر رفح أداة ضغط مركزية على "حماس"، أهم من المساعدات القطرية التي حصلت عليها الحركة، لأن المعبر كان الشريان المركزي الاقتصادي الذي استعملته "حماس" كأداة لإدارة الحياة المدنية في القطاع. لكن في اللحظة التي سيطرت إسرائيل عليه لم يعد مهماً، وتغيّر التوجه. الآن، أصبح معبر رفح أداة ضغط مصرية على إسرائيل، وليس على "حماس"، ويُستعمل من أجل وقف استمرار العملية في رفح وإعادة المعبر إلى مكانته السابقة.
- أدّت هذه الخطوة إلى تدنّي عدد الشاحنات التي تدخل إلى غزة بشكل دراماتيكي، والافتراض المصري هو أن الضغط الدولي، والأميركي بصورة خاصة، يمكن أن يدفع إسرائيل إلى إعادة التفكير في احتلال رفح. نظرياً، تستطيع إسرائيل فتح كل المعابر البرية بينها وبين القطاع لجعل معبر رفح غير ذي أهمية، وهو ما قد يؤدي إلى فتحها جبهة ضد الدول الغربية والعربية التي تتعاون معها، والتي سترفض التنسيق معها في خطوة كهذه.
- النتيجة الآن هي أن الخطوة المصرية والتهديد الأميركي بتأجيل إرسال الأسلحة الهجومية جعلا الدولتين قادرتين على صوغ مستقبل الحرب في غزة، بافتراض أن إسرائيل لن تتبنى التصريحات الهجومية التي صدرت عن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ولن تقرر "القتال بالأظافر" ضد مصر أيضاً. الخطوة المصرية تعيد ترتيب سلّم الأولويات الاستراتيجي بشأن الإدارة الفلسطينية التي من المتوقع أن تعمل على المعبر، ومن دون انتظار تحقيق الشعار السحري الذي يسمى "اليوم التالي للحرب".
- معادلة نتنياهو التالية "يجب أن يكون هناك حكومة مدنية فلسطينية لا تلتزم إبادتنا. وآمل أن يحدث هذا بمساعدة الإمارات والسعودية، وهما دولتان تريدان السلام والاستقرار"، بحسب أقواله. وزير خارجية الإمارات محمد بن زايد تخلى عن الدبلوماسية، وقال: "نحن ندين تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن دعوة الدولة إلى المشاركة في إدارة القطاع مدنياً، وهو تحت الاحتلال الإسرائيلي".
- الإمارات تشدد على أن رئيس الحكومة الإسرائيلي لا يملك أيّ صلاحية قانونية للقيام بهذه الخطوة. هذا بالإضافة إلى أن الدولة ترفض الانجرار خلف خطة، هدفها التغطية على الوجود الإسرائيلي في قطاع غزة. لا يمكن أن يكون هناك تصريحات أكثر وضوحاً ومباشرة. والأمر نفسه بالنسبة إلى قطر ومصر. الأفكار الواهمة التي يسوّقها مسؤولون إسرائيليون بشأن إمكان إنشاء ائتلاف عربي يدير غزة هي غير واقعية. الائتلاف العربي الوحيد الموجود هو ائتلاف يطالب إسرائيل بوقف الحرب وعدم توسيع احتلال رفح.
- السلطة الفلسطينية أيضاً لا تسارع إلى تحمُّل المسؤولية عن غزة، وخصوصاً في إطار هيكلية، يبدو أنها تعمل وفقها تحت أوامر الجيش، ومن دون سيطرة وإدارة ملائمة يمكن أن تؤسس حكمها. محمود عباس ابن الـ88 عاماً، الذي أجرى يوم أمس فحوصات طبية في المستشفى، وضع القواعد الأساسية لإدارة غزة، وبحسبها، يجب أن يكون ذلك في إطار صفقة سياسية واسعة تضمن حلاً سياسياً للقضية الفلسطينية.
- قرار الأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، بشأن تعزيز مكانة فلسطين في الأمم المتحدة ومجلس الأمن وإعادة فحص مكانتها وطلب فلسطين بالانضمام كعضو كامل في الأمم المتحدة، أمور كلها لا تستجيب لمطالب عباس، حتى لو اعترف بعض الدول بدولة فلسطينية في الأسابيع المقبلة، فلن يكون لهذا الأمر أهمية عملية ما دامت الولايات المتحدة ملتزمة بموقفها الذي ينص على أن "الاعتراف بدولة فلسطينية الآن لن يساعد على الدفع بحلّ الدولتين". لذلك، فإن كل اقتراح كهذا سيواجه فيتو أميركياً. إلّا إن واشنطن نفسها أيضاً لا تملك أيّ خطة سياسية أُخرى غير المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لأنها تعلم جيداً أنه لا يوجد أيّ احتمال لنجاح هذه المفاوضات.
- قبل عدة أشهر، اقترح عباس على الولايات المتحدة والدول الأوروبية تنظيم مؤتمر دولي لمناقشة خطة تطبيق حلّ الدولتين عملياً، حتى إنه أوضح أن هذا المؤتمر يمكن أن يشكل، على الأقل في المرحلة الأولى، الشرط السياسي لدخول السلطة الفلسطينية إلى غزة. لكن الولايات المتحدة ترفض أيضاً مجرد الحديث عن هذا المؤتمر، ولن تبادر إليه. وفي الوقت نفسه، هناك توقعات أميركية أن تقوم السلطة بإجراء إصلاحات تستجيب لمطالبة الرئيس بايدن بـ"سلطة مجددة" يمكنها أن تتمتع بدعم أميركي لإدارة قطاع غزة، لكن هذه التوقعات لا تتحقق.
- قام عباس بتعيين الاقتصادي محمد مصطفى رئيساً للحكومة. في آذار/ مارس؛ صحيح أنه مرّ فقط شهران، لكن خطة الإصلاحات لا تزال على الورق. يبدو أنه بسبب التطورات في غزة، والانتقادات من طرف الجيش لانعدام وجود خطة سياسية تضمن الإبقاء على النجاحات العسكرية، وهو ما يضع حياة الجنود في خطر، والضغوط الأميركية ضد عملية رفح، والخطوة المصرية الخطِرة، لن يكون هناك مهرب للولايات المتحدة من تبنّي "مرونة استراتيجية"، وهو مصطلح مأخوذ من قاموس مصطلحات المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي، والموافقة على دخول السلطة إلى غزة من دون إصلاحات حقيقية.
- لكن حتى لو تمت إزالة العوائق على الطريق، لا يبدو من الواضح، حتى الآن، كيف يمكن للسلطة الفلسطينية القيام بدورها، في ظلّ حاجتها إلى أكثر من بضع مركبات مصفحة وسلاح خفيف. صحيح أنه يوجد لدى السلطة بضعة آلاف من الموظفين الذين يحصلون على رواتب في غزة، ويمكنهم البدء بإعادة ترميم البنى المدنية، لكنها لا تملك قوات شرطة كافية، ولا ما يكفي من الأدوات للتعامل مع التحديات والحفاظ على النظام. قوات الشرطة الفلسطينية تحصل على تدريبات عسكرية، بعضها في أريحا، وبعضها الآخر في الأردن، لكنها لا تزال غير قادرة على الاستجابة للتحديات القائمة في غزة.
- لن يكون مطلوباً من السلطة إدارة معارك ضد "حماس"، هذه مهمة الجيش، ومن الممكن أيضاً قوة دولية توافق على الدخول، إذا كانت السلطة هي المسؤولة. وفي الوقت نفسه، هي بحاجة إلى تمويل كبير يصل إلى مليارات الدولارات من أجل دفع الرواتب، وفي الأساس، ترميم البنى الضرورية، كالماء والكهرباء والصحة. وبعكس الوضع القائم اليوم، إذ ترفض الدول الخليجية مساعدة إسرائيل على السيطرة على غزة، يمكن الافتراض أن هذه المساعدات ستصل، وستمرَّر الأموال إلى السلطة، وليس عبر إسرائيل.
- هل ستوافق إسرائيل على ترتيبات كهذه؟ هل ستحرّر أموال الضرائب الخاصة بالسلطة، وضمنها الأموال المخصصة لغزة، والمجمدة الآن في النرويج؟ الجواب لدى وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وهو المسؤول عن ميزانية السلطة الفلسطينية أكثر من نتنياهو. لا حاجة إلى تخمين موقف سموتريتش، موقفه هو أنه يجب أن تكون كل خطة سياسية في غزة مشروطة بـ"خطة سياسية" تجعلها ممكنة. ما دامت البنية السياسية في إسرائيل لا تزال تقف في حقل ألغام يهدد وجودها، فإن البحث في إمكان وقدرة إدارة السلطة الفلسطينية لغزة هو أمر غير وارد.