لماذا نعترف بدولة فلسطين
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

  • إلى جانب إسبانيا والنرويج، قرّرت أيرلندا هذا الأسبوع الاعتراف رسمياً بدولة فلسطين، والهدف من هذا القرار الذي نتشاركه مع أغلبية المجتمع الدولي هو أن يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون بسلام وأمن واحترام، وذلك عبر حل الدولتين الذي يمنحهما الحق في تقرير المصير بالتساوي. ونحن نؤمن بأنه لا يمكن أن يكون هناك حل مستدام للأزمة الحالية من دون مسار سياسي واضح لا يُمكن عكسه، ويقود إلى هذا الحل.
  • أنا أتفهّم أنه، وفي السياق الحالي، يمكن أن يُسمع هذا بالنسبة إلى الإسرائيليين على أنه ساذج في أفضل الأحوال، وهدّام وخطِر في أسوئها، لكن الأمور ليست كذلك. أنا أعيش هنا، وأعرف حجم الصدمة والمعاناة والخوف الذي سببته "الفظائع" التي نفذتها حركة "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وأرى أيضاً أن كثيرين ممن يعيشون خارج إسرائيل يواجهون صعوبة في فهم عُمق تأثير هذا كله، وإلى أي درجة غيّر المزاجَ العام في إسرائيل، وضِمنه الاستعداد العملي لحل الدولتَين. منذ أكثر من 7 أشهر والعائلات والمجتمع في إسرائيل في حالة حداد على أكثر من 1200 قتيل، ولا تزال عائلات الرهائن تعيش في حالة انتظار لسماع أخبارهم.
  • وفي أيرلندا، وأيضاً حول العالم، هناك قلق عميق بشأن مصير الرهائن، وهناك أيضاً اشمئزاز عميق إزاء "الوحشية" التي ميّزت هجوم "حماس" "الإرهابي". ومنذ اللحظة الأولى، طالبت الحكومة الأيرلندية بتحرير الرهائن فوراً ومن دون شروط، وعملت في سبيل ذلك. وهناك قلق عميق في أيرلندا وأيضاً في العالم من صور الموت والدمار والجوع التي نراها كُل يوم في غزة، ومع الأسف، هناك فجوة عميقة بين هذا الواقع الذي يراه العالم، وبين ما يُعرض في إسرائيل.
  • إن القول بوضوح "إن الوضع في غزة لا يمكن قبوله" لا يقلل من خطورة "الجرائم" التي نفذتها "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر، إنما هو يشير عملياً إلى مبدأ كوني، وهو أن حياة المدنيين غالية في كُل مكان، وجميعهم يستحقون حياة كريمة، ويستحقون حمايتهم بالتساوي في إطار القانون الدولي الإنساني.
  • إن الاعتراف بدولة فلسطينية ليس جائزة "للإرهاب"، إنما العكس هو الصحيح؛ فهو تبنٍّ لرؤية حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وبحسبه، فإن فلسطين المستقلة ستحصل على حقوقها، وأيضاً ستكون مُلزَمة بواجباتها كدولة، وضمن ذلك الالتزام الكامل بميثاق الأمم المتحدة، والسعي لتحقيق أهدافها بالطرق السياسية والدبلوماسية فقط.
  • إن موقف أيرلندا نابع من التزامها العميق بالقانون الدولي والدفاع المتساوي عن حياة المدنيين، وهذه المبادئ الأساسية ضرورية لنجاعة النظام الدولي. نحن نؤمن في أن الاعتراف بدولة فلسطينية وقبول فلسطين كعضو في الأمم المتحدة هي خطوات جدية في اتجاه السلام الإقليمي الشامل الذي يستند إلى حل الدولتين، وسيناريو بحسبه ستعلن جميع الدول في الأمم المتحدة ذلك، الواحدة تلو الأُخرى، وهو مستقبل سيحصل فيه الفلسطينيون والإسرائيليون على الاعتراف الشامل.
  • لقد طلبت إسرائيل نفسها الاعتراف من المجتمع الدولي منذ وقت طويل، وهذا الاعتراف هو الأساس لجهود السلام الإسرائيلية في المنطقة خلال الأعوام الماضية، ويجب على التطبيع الكامل في الشرق الأوسط أن يتضمن حق تقرير المصير للفلسطينيين، وقد أوضح جيران إسرائيل ذلك بصورة واضحة وحاسمة.
  • إن أيرلندا لا تتوهم أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية أو العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة سيحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أو يدفع إلى وقف "الإرهاب" وينهي دائرة العنف، لكننا نؤمن في أنه من دون حل سياسي مقبول للإسرائيليين والفلسطينيين، يضمن الحق بالسلام والأمن والاحترام للجميع، فإن هذه الأهداف ستغدو غير ممكنة.
  • إن المفاوضات السياسية ومسارات السلام ليست سهلة، ونحن في أيرلندا جرّبنا هذه التحدّيات والتنازلات المؤلمة، ومن الواضح لنا أننا لا نملك جميع الحلول، وأن الخيارات التي قامت بها القيادات الأيرلندية، وأدّت إلى وقف العنف، لا يمكن أن تُطَبَّقَ بصورة تلقائية على الإسرائيليين والفلسطينيين. وعلى الرغم من ذلك، فمن الواضح لنا أيضاً أنه، ومن دون حل سياسي، أو قبول الحق في السعي من أجل الحق في تقرير المصير بِطُرُقٍ سِلْمِيَّة، فإن الأيديولوجيات العنيفة والكراهية ستزدهر، وتؤدي إلى نزع الإنسانية والموت. هذا هو السبب في أننا دائماً ندعم الحل السياسي الذي يقود إلى حل الدولتين والعيش معاً بسلام وأمان. وحتى لو كانت هذه الرؤية تبدو غير ممكنة في الأوضاع الحالية، فإنه لا يوجد بديل لها.
  • وكسفيرة أيرلندا في إسرائيل، أود أن أقول بصورة حاسمة إن أيرلندا تتبنّى هذا الموقف، ليس لأنها تعادي دولة إسرائيل، إنما بسبب رغبتها في المساهمة في مستقبل يعيش فيه الإسرائيليون والفلسطينيون بأمان واحترام، ونحن نقوم بهذا بإخلاص وإيمان عميق، وسنستمر في احترام علاقتنا دائماً، وتقديرنا لعلاقاتنا مع إسرائيل وفلسطين على حد سواء.