الخطوة التي ستمثل كابوساً للسنوار، وتفرّغ "خزان الإرهاب"
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • التطورات التي أعقبت وفاة إبراهيم رئيسي لا تغيّر تماماً تعقيد المعركة الجارية في القطاع... وربما ستُدخل إيران في أزمة "اليوم التالي"، ونشهد فيها صراعاً على المنصب، بعد وفاة رئيسي الذي كان المرشح الأهم للحلول محل خامنئي حين تأتي ساعته. ومهما يكن من أمر، فما يهمنا إدراكه أكثر، اليوم، هو الحالة التي نعيشها على الجبهة الجنوبية، الآن، بعد وفاة الرجل.
  • أثيرت مسألة "اليوم التالي" في الأيام القليلة الماضية، وهي القضية نفسها التي تم استهلاكها في خطاب لا يتوقف، لكن لم يتم الحسم بشأنها، على الرغم من أنها لم تعد تحتمل التأجيل. لقد عادت هذه القضية إلى الواجهة، بعد أن صرّح وزير الدفاع يوآف غالانت أنه يجب اتخاذ قرار بهذا الشأن في أسرع وقت ممكن، مضيفاً أن عدم البت في هذه المسألة سيفضي إلى عودة "حماس" إلى السلطة (وما يعنيه ذلك من هزيمة عسكرية لنا). في المقابل، هناك ادعاءات بشأن انعدام الحاجة إلى الحسم فيما يتعلق بالسلطة البديلة من "حماس" في هذه المرحلة. وقد لاقى تصريح غالانت ردات فعل عديدة (أغلبيتها بدافع المصالح السياسية الداخلية)، لكن الردود المهنية من ضمنها هي التالية:
  •  عدم قدرة السلطة الفلسطينية على العودة إلى حُكم القطاع، وفي خلفية هذا الجدل ادعاء عدم وجود فارق حقيقي بين السلطة و"حماس".
  • من دون إضعاف "حماس"، لن يكون هناك فرصة لأيّ جهة بديلة منها، لكي تتمكن من ترسيخ نفسها، لأن "حماس" ستقصيها كما فعلت بالسلطة الفلسطينية في سنة 2007، ولذا، قبل كل شيء، يجب القضاء على "حماس"، ثم مناقشة هوية مَن يحلّ محلها.

لماذا علينا المسارعة إلى الحسم الآن؟

  • هذه الادعاءات تتجاهل طريقة عمل "منظومة المقاومة" الفلسطينية في غزة، والنظام الفلسطيني عموماً. إذا وافقنا على هذه الادعاءات، وأجّلنا البت في القضية، كما نفعل منذ أكثر من سبعة أشهر، فسنضمن تحقيق هزيمة استراتيجية لإسرائيل، وعدم قدرتها على تحقيق أهداف الحرب، وسنخلّد سلطة "حماس"في القطاع.
  • حين ننظر إلى قطاع غزة في "اليوم التالي"، يتحتم علينا أن نولي تعزيز السلطة المدنية البديلة أهمية كبرى، في موازاة العمل العسكري، للأسباب الأربعة التالية:
  • إن نقل الصلاحيات المدنية المتعلقة بسكان غزة، يمثل كابوساً لزعيم "حماس" في القطاع يحيى السنوار، ويُعتبر هزيمة سياسية لحركته، ولقطر.
  • إن وجود بديل مدني سيعفي إسرائيل من المسؤولية عن الاهتمام بالحاجات الأساسية لمليونين من سكان القطاع، صحيح أن هذا لن يعفيها من المسؤولية من الناحية القضائية، لكنه سيخفف عنها كثيراً من الناحية العملانية.
  • من دون توفُّر عنوان مدني مسؤول عن توزيع المساعدات الإنسانية، ستظل "حماس" هي الجهة التي تتولى الأمر. بهذه الطريقة، تعزز الحركة سلطتها أمام الجمهور الفلسطيني، وتخلق رواية "النصر الكامل" على إسرائيل.
  • تستند "حماس" إلى "فكرة المقاومة". ولكي نتمكن من إلحاق الهزيمة بها، علينا تفكيكها، عبر هجمة عسكرية، وفي الوقت نفسه، إضعاف دعم هذه الفكرة من خلال إيجاد عنوان مدني بديل يقوّض قاعدة الدعم الشعبية لحركة "حماس".

مصدر تجدُّد "حماس"

  • تتكون منظومة المقاومة الفلسطينية في غزة من طبقتين: العليا هي الذراع العسكرية لحركة "حماس"، المحور العسكري للحركة: وهو تنظيم يبلغ قوامه نحو 30 ألفاً من المقاتلين المنظمين في خمسة ألوية و24 كتيبة. هذه المنظمة العسكرية تستمد قوتها من السكان المدنيين. أمّا الطبقة السفلى، فهي التي توفر لها الحاضنة الشعبية ومصدر تجديد صفوف مقاتليها.
  • ما دام الحافز قائماً لدى الشباب الفلسطيني على مقاومة إسرائيل، فسنجد في مقابل كل مقاتل يُقتل من كتائب القسّام عدة متطوعين للحلول مكانه: علينا ألّا ننسى أن الأغلبية الساحقة من سكان غزة هي من الشباب. فنحو 40% من سكانها، الذين يبلغ عددهم  مليونَي نسمة، هم تحت سن الـ 14 عاماً، وتقريباً 30% تتراوح أعمارهم ما بين 15 و29 عاماً (وفقاً لبيانات CIA – The World Factbook). ولنفترض، جدلاً، أن نصف هؤلاء فقط هم من مؤيدي "حماس"، فلن تجد الحركة مصاعب في تجنيد نحو 15 ألف مقاتل جديد خلال نصف عام، وهذا المعدل يمثل معدل الاستنزاف الذي تمكن الجيش الإسرائيلي من تحقيقه في صفوف مقاتلي الحركة حتى الآن.
  • إن فكرة المقاومة هي الفكرة الوحيدة السائدة في غزة اليوم، كما يتضح من استطلاعات الرأي المحدّثة التي أجراها معهد الشقاقي، والتي تشير إلى دعم واسع للحركة والكفاح المسلح ضد إسرائيل. مثل هذا الدعم هو مصدر قوة "حماس"، وهو ما يمكّنها من البقاء.

الانتفاضة الثانية نموذجاً

  • خلال الانتفاضة الثانية، كنت أتولى قيادة لواء إقليمي في الضفة الغربية. كان عدد المقاتلين الفلسطينيين الذين قمنا بتصفيتهم هائلاً، لكن طالما ظل عرفات في الحكم ودفع في اتجاه فكرة المقاومة، فإن "ينبوع" المقاتلين واصل التدفق وملء الخزان بوتيرة تزيد عن الوتيرة التي كنا نحاول إفراغه بها. وفي بعض الأحيان، كان عملنا يبدو سيزيفياً، وكنا نفترض أنه "ما من قاع لخزان الإرهاب". 
  • حدثت الانعطافة بعد وفاة عرفات وجلوس أبو مازن على الكرسي، إذ طرح الأخير فكرة بديلة من المقاومة المسلحة، وهي "المقاومة اللاعنفية"، ولاحقاً، فكرة بناء الأمة ومؤسساتها". لقد أتاحت هذه الأفكار لكثير من الشبان التعبير عن اعتزازهم الوطني ونضالهم ضد إسرائيل، عبر مسارات أُخرى، وشكّلوا خطاً منافساً لفكرة المقاومة المسلحة. لقد تجنّد كثيرون من الشبان  في قوات الأمن الفلسطينية، وبذل آخرون جهودهم في موارد بناء مدينة فلسطينية، وبعضهم يعمل حتى اليوم في محاولات السيطرة على مناطق C، إلخ.
  • هكذا، وعبر عملية استمرت نحو عامين، انقلبت الآية، وبدأنا ننجح في "إفراغ خزان الإرهاب". إن معدل استنزاف الإرهاب الذي مارسه الجيش الإسرائيلي، والذي واصل العمل بكامل طاقته ضد الإرهاب، كان أعلى من قدرة تجنيد المقاتلين الفلسطينيين على يد منظمات المقاومة المسلحة. وهذا بالذات ما ينقصنا اليوم في القطاع.

الاستنتاج:

  • يمكننا العودة عشرات المرات إلى جباليا والشجاعية والزيتون في عمليات عسكرية جسورة ومهنية، وأن نقتل في كل مرة مئات المقاتلين. لكن من دون توفُّر بديل رؤيوي لفكرة "المقاومة"، فإن إنجازاتنا ستظل موقتة، وسوف "نُباغت" حين نكتشف أن قوة "حماس" العسكرية تجددت. لو كانت الحكومة الإسرائيلية اتخذت قراراً بإدخال عنوان مدني بديل إلى القطاع، على هيئة سلطة فلسطينية اجتازت عملية إصلاح بنيوي برعاية ورقابة من الدول العربية المعتدلة، لكنّا قادرين على وضع بديل منافس من فكرة المقاومة التي تنتهجها "حماس".
  • للأسف الشديد، نحن لا نقوم بذلك. إننا نواصل تقويض الطبقة العسكرية التابعة لحركة "حماس"، بينما نتيح لها التجدد، المرة تلو الأُخرى، بالاعتماد على الطبقة المدنية. صحيح أن السلطة الفلسطينية "فاسدة" وتعمل ضد إسرائيل، وصحيح أنها أضعف من أن تهزم "حماس"، وأنها لن تتمكن من مواجهتها عسكرياً، لكن هذه العملية طويلة الأمد، ستستمر أعواماً طويلة، وفي إطارها، سنواجه جميع مظاهر المقاومة الفلسطينية، وسنعالج حتى هذه القضايا.
  • في موازاة ذلك، ينبغي لنا الانتباه إلى الأمل الذي توفره المبادرة الخليجية لإسرائيل.
  • ستخضع السلطة الفلسطينية لإصلاحات كبيرة تحت قيادة وسيطرة تحالُف دولي، يتكون من الولايات المتحدة والدول العربية: مثل الإمارات العربية المتحدة، ومصر، والأردن، والبحرين.
  • وستكون الإصلاحات متنوعة، بدءاً بتغيير المناهج المدرسية، وانتهاءً بتعيين مسؤولين آخرين على رأس السلطة.
  • وسيكون حافز التغيير جعل الأموال المخصصة لإعادة إعمار قطاع غزة مشروطة بتنفيذ الإصلاحات. 
  • وستقوم السلطة الفلسطينية بتوزيع المساعدات الإنسانية، بدلاً من "حماس"، وبالتالي تبدأ ببسط حُكمها، تحت رعاية التحالف العربي الذي سيمول وينشر قوات لحفظ القانون والنظام (ونعم: بما في ذلك محاربة المنظمات "الإرهابية" من خلال شركات الأمن المدنية).
  • ستكتشف "حماس" أن أجزاء من القطاع لم تعد تحت سيطرتها، وأنها فقدت سيادتها التي لطالما افتخرت بها على مدار السنوات الماضية.
  • سيكون أمام الناس في غزة خيار بديل، يتمثل في إعادة إعمار القطاع.
  • سيواصل الجيش الإسرائيلي العمل ضد قادة الجناح العسكري لحركة "حماس"، بالتنسيق الجزئي مع السلطة الفلسطينية المتجددة في غزة، تماماً كما يحدث دائماً في الضفة الغربية.

ماذا عن فرض حُكم عسكري؟

  • لقد صدق مَن يدّعي أن فرض الحكم العسكري هو حلّ أفضل من انعدام الحسم، ومن الوضع القائم الآن. إن فرض حُكم عسكري سيحسن قدرتنا على العمل ضد الذراع العسكرية للحركة، وسيشكل بديلاً وظيفياً للجوانب المدنية المتعلقة بحياة السكان. لكن المشكلة أن هذا الحل لن يشكل بديلاً نظرياً، وتجربة الماضي تثبت أنه لا يمكن إنهاء حُكم عسكري من دون مواجهة عسكرية إضافية على شاكلة الانتفاضة الأولى، أو سيرورة سياسية تفضي إلى نقل الصلاحيات إلى سلطة فلسطينية مجددة، على غرار التفاهم الذي تم التوصل إليه في أعقاب الانتفاضة الثانية.
  • مهما يكن من أمر، فإن مثل هذا الحل سيتطلب كثيراً من الوقت والموارد، ومن شأن ذلك التقليل من قدرة الجيش الإسرائيلي على العمل في ساحات أُخرى. فقد نجد أننا نمدّ الغطاء القصير لنغطي غزة، على حساب تحديات أمنية ملحّة أُخرى، وكل ذلك في ظل تفاقُم عزلة إسرائيل الدولية، فضلاً عن الأثمان الداخلية: المدنية، والاقتصادية، والاجتماعية، التي ستُكبدها إدارة القطاع، عسكرياً، للمجتمع الإسرائيلي، وهذا شأن يجب أيضاً أن نأخذه في الحسبان.

الخلاصة:

  • لا يوجد أمامنا وقت. كان يتعين علينا حسم قرارنا منذ ستة أشهر. فعملية بلورة مثل هذا الحل ستكون طويلة ومعقدة، ويجب أن نبدأ بها بسرعة. ومن دون عمل تزامني ضد البنية التحتية العقائدية لـ"حماس"، على المستوى المدني، بالإضافة إلى العمل ضد قدراتها العسكرية، فإننا لن نتمكن من هزيمتها، حتى لو استمرت هذه الحرب أعواماًعديدة أُخرى.
  • لا بد من مبادرة إسرائيلية تقبل وتتبنى رغبة الدول الخليجية في  تحمّل المسؤولية أيضاً عن "اليوم التالي للحرب" في غزة. ولو كان الثمن موافقة إسرائيلية على إرساء سلطة فلسطينية محسّنة في القطاع، فعلينا الموافقة على هذه المخاطرة.
  • إن صفقة كبيرة لتبادل الأسرى، هي أمر مصيري، وتلائم تماماً ترويج وجود عنوان بديل من "حماس": يجب علينا أن نقترح صفقة شاملة، "جميع الأسرى في مقابل جميع الأسرى"، وأن تُنفّذ هذه الصفقة عبر نبضة واحدة. أمّا وقف القتال الذي ستلتزم به إسرائيل، فسيسرّع قبول المقترح المطروح من جانب الطبقة المدنية في غزة، أمّا من ناحية الطبقة العسكرية، فإن طريقة العمل الإسرائيلية ستنتقل من مرحلة الحرب على "الإرهاب"، إلى مرحلة قتال "الإرهاب"، بمعنى: نشاطات متواصلة مستندة إلى معلومات استخباراتية دقيقة، تهدف، إمّا إلى اعتقال المقاتلين داخل الأراضي الفلسطينية، وإمّا تصفيتهم.
 

المزيد ضمن العدد