هم يجعلونهم يشعرون بالسأم
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- ثمانية أشهر طويلة من القصف اليومي، وصافرات الإنذار، هي فترة طويلة بما فيه الكفاية من أجل القول إن سكان الشمال يجعلون دولة إسرائيل والحكومة و"الكابينيت" يشعرون بالسأم.
- حاولوا أن تفكروا في المرة الأخيرة التي رأيتم فيها على شاشة التلفزيون القائمة الطويلة من المستوطنات التي أُطلقت فيها صافرات الإنذار، وما هو الوقت الذي فكّرتم فيه في الواقع الذي يعيشه هؤلاء الناس. المشكلة ليست في القارىء العادي لهذا المقال، بل المسألة لها علاقة بكل الجهات المسؤولة عن الشمال. أين الجيش الذي يسمح بنشوء منطقة حرب في داخل حدود إسرائيل من دون أي تغيير في الأفق؟ أين وزراء الحكومة الذين قلما يزورون المستوطنات ليشاهدوا السكان الذين يدافعون عن الحدود من أجل الجميع؟ ومتى سيُتخذ القرار لوقف هذه الكارثة التي يعيشها سكان هذا البلد كلهم؟
- المشكلة في الشمال أنه على الرغم من الأحداث الدراماتيكية والتاريخية التي تحدث، فإن المنطقة كلها تقع على هامش جدول الأعمال. "المذبحة" المريعة في مستوطنات "غلاف غزة"، وفي النقب الغربي، واستمرار القتال في غزة، الذي يحصد عدداً كبيراً من الضحايا، والقلق الذي يضغط على نفوسنا جميعاً بسبب المخطوفين لدى "حماس"، كل هذا لا يترك مجالاً، تقريباً، لمعاجلة موضوعات أُخرى. ومع ذلك، مَن لا ينظر إلى ما يجري الآن في الجليل، يمكن أن يُفاجأ في نهاية الحرب، حين تنهار المنطقة كلها، اجتماعياً واقتصادياً.
- لقد اتخذت حكومة إسرائيل قرار إجلاء نحو 60 ألف مواطن عن 40 مستوطنة، بهدف الحفاظ على أمنهم. ومن حق كل مواطن من هؤلاء الحصول على تعويض مالي سخي طوال تلك الفترة. وهكذا نشأ وضع نقلت فيه عائلات حياتها، عملياً، إلى مناطق أُخرى في البلد، وحاولت التأقلم مع الظروف، وعدد منها لن يعود. وفي الواقع، تقوم الدولة بإعادة "تموضُع" هؤلاء السكان في وسط البلد في ظروف ممتازة. ومنذ الآن، تشير أرقام مركز المعلومات في الكلية الأكاديمية في تل - حاي إلى أن 30% من هؤلاء السكان لن يعودوا إلى منازلهم في نهاية الحرب.
- وبينما يتلقى عدد من الذين جرى إجلاؤهم مساعدة من الدولة، هناك عشرات الآلاف من السكان الذين يعيشون بالقرب من المناطق التي تم إخلاؤها، لا يتواصل معهم أحد. إنها المستوطنات التي نُصبت بالقرب منها بطاريات المدافع، وأُقيمت المنشآت العسكرية، ومناطق تجمّع للجنود. وكلما مرّ الوقت، يقترب القتال منها، لكن هذه المناطق لا تستوفي المعايير التي وضعتها الدولة للحصول على تعويض.
- في حديث أجريته مع مسؤول عسكري رفيع المستوى مؤخراً، تطرّق خلاله إلى الوضع القتالي المستمر، وقال إنه من الناحية العسكرية، وجّه الجيش الإسرائيلي ضربات قاسية إلى حزب الله، وألحق به أضراراً كبيرة ستؤثر في الحدود مستقبلاً. لكنه اعترف بأن الحزب حقق "نجاحاً استراتيجياً" في إجلاء السكان خلال هذه الفترة الطويلة.
- لذلك، حتى لو انتهت حرب الشمال بإنجاز ما، عسكري أو سياسي، فإن المشكلة الحساسة ستتجلى في ثقة السكان بالدولة. وبمرور كل يوم، سيرحل مزيد من العائلات بشكل دائم. إن إعادة بناء هذه المنطقة من البلد لا تقتصر فقط على إعادة بناء المنازل والأعمال التجارية، بل تتعداها إلى بناء مجتمعات تفككت بأكملها، وهذا العمل يستغرق أعواماً عديدة.