فقط مَن يستهلك الإعلام الإسرائيلي وحده يمكن أن يصدق سذاجة الجيش بشأن قصف رفح
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- الجيش لم يتوقع، ولم يقدّر أن يلحق الضرر بالمدنيين خلال الضربة على رفح، هذا ما قالته الأنباء يوم أمس الإثنين. هذا التصريح الساذج يمكن أن يُزوّد به فقط مَن يستهلك الإعلام، الذي يتجاهل، منذ 7 أشهر، المعطيات والصور المؤلمة لأطفال قتلى ومصابين في غزة خلال كل ضربة إسرائيلية. هذا التصريح يمكن أن يقنع الإسرائيليين فقط بأن أهداف القصف ونوع السلاح الذي تم اختياره كانا بعد فحص دقيق من "الشاباك" وشعبة الاستخبارات العسكرية والجيش.
- من المحتمل جداً أن الإسرائيليين الذين لا يدعمون نتنياهو سيرغبون في تصديق البيان الذي قال إن الحديث يدور حول خطأ تراجيدي. من الممكن جداً أيضاً ألّا يشكّوا في أنه تحدث عن ذلك بهذه الطريقة، فقط بسبب أوامر المحكمة بوقف العمليات العسكرية في رفح، وهي أوامر حديثه جداً، وتحوم فوق رأس المسؤولين في أجهزة القضاء الإسرائيلية.
- بحسب الناطق باسم الجيش، للقصف هدفان: ياسين أبو ربيع وخالد النجار. وقيل إن أبو ربيع كان رئيس مكتب الضفة الغربية في "حماس"، والنجار مسؤول كبير في المكتب نفسه. وقيل إن كلاهما نقل أموالاً لأهداف "إرهابية"، وأنهما نفّذا عمليات في بداية سنة 2000. وأن جنوداً إسرائيليين قُتلوا في العمليات التي نفّذها أبو ربيع، وأن العمليات التي نفّذها النجار أدت إلى قتل مواطنين إسرائيليين وإصابة جنود.
- لم يذكر البيان أنهما تحرّرا في "صفقة شاليط" في سنة 2011، وأنهما من سكان الضفة الغربية - أبو ربيع من "المزرعة القبلية"، غربي رام الله، والنجار من قرية "سلواد"، شرقي رام الله- وتم إبعادهما إلى غزة. ولم يشِر البيان أيضاً إلى أن محرَّراً آخر خلال الصفقة نفسها قُتل - رمضان حويدر، من قرية "تل"، جنوبي نابلس- حسبما أشار الإعلام الفلسطيني. هل كان أيضاً هدفاً، أم صودف وجوده في المخيم نفسه، غربي رفح؟ لا نعلم.
- المعروف أنه حتى ظهر أمس، وبحسب الأنباء الصادرة عن وزارة الصحة في غزة، والتي تسيطر عليها "حماس"، فإن عدد القتلى وصل إلى 45، وعدد المصابين إلى 250. وبحسب قائمة جزئية لأسماء القتلى، فإن ثلاثة منهم من عائلة النجار: هدى النجار (15 عاماً)، وأركان النجار (12 عاماً)، وأحمد النجار (عامان). هل هم أبناء خالد النجار من "سلواد" في الضفة الغربية، أم من عائلة النجار من منطقة خان يونس في غزة؟ ما زلنا لا نعلم. عندما يُقتل العشرات كلّ يوم، فإن قدرة الصحافة على متابعة الخلفية والكتابة عنها محدودة جداً.
- ويبدو من الأسماء الـ25 لعائلات القتلى، المذكورة في القائمة - كعائلة عطار وزايد وحماد وحمد- أن هناك عائلات سكنت في الخيمة من شمال القطاع: من "بيت لاهيا"، كما يبدو، وأيضاً من "بيت حانون". وكما هي الحال في مخيمات اللاجئين التي أقيمت في سنة 1948، حيث اختار اللاجئون من القرية نفسها السكن معاً في تجمّع الخيام نفسه، ثم في حيّ مبنيّ - فالنازحون أيضاً من قطاع غزة، اليوم، يحاولون السكن في خيام قريبة من جيرانهم.
- الكثافة السكانية الكارثية في ظلّ الجوع والعطش ونقص الغذاء والمياه، والموت الذي يخيّم في كل لحظة، أمور تخلق كثيراً من الخلافات والمناوشات. ومن خبرة النصف عام الماضي والسكن في منطقة واحدة بين عائلات نازحة من أماكن مختلفة، استخلص الناس العبرة أنه من الأسهل حلّ الإشكالات عندما يسكن أفراد العائلة الكبيرة المتحدرة من البلدة نفسها، أو المتحدرة من نفس القرية قبل سنة 1948، في الخيمة نفسها (من بيت حانون مثلاً). مَن يعلم كم عدد ضحايا ضربات الجيش في الأشهر السبعة الماضية، وعدد الأماكن التي نزحوا إليها واستبدلوها، إلى أن قُتلوا، أو حُرقوا في هذا المخيم، غربي رفح.
- لا يزال هناك كثير من التفاصيل التي لا نعرفها، ويمكن ألّا نعرفها قط، مثل السبب الكامن خلف وجود النجار وأبو ربيع في هذا المخيم الكبير. نحن لا نعرف ما إذا كان الجيش حددهما كأهداف، هل لأن لدى الجيش و"الشاباك" دلائل واضحة على أنهما ما زالا يعملان في الذراع العسكرية لـ"حماس"، أو تقديرات، أو أن الهدف الانتقام منهما بسبب العمليات التي نفّذاها في بداية سنة 2000. نحن لا نعرف ماهية قرارهما عندما تحررا وعادا إلى منزليهما في الضفة. كان يمكن أن يقررا تغيير مسارهما؟ ونحن لا نعرف أيضاً ما إذا كانت الأموال التي قاما بنقلها، بحسب الادعاء - كانت لأهداف تنفيذ عمليات، أو لمساعدة عائلات القتلى الفلسطينيين.
- المعروف أنه في الحروب التي خاضها الجيش ضد الفلسطينيين منذ بداية سنة 2000، وبصورة خاصة خلال الأشهر السبعة من الحرب الحالية في قطاع غزة، جرى تحديد العديد من التقاليد التي تسمح بقتل جماعي للمدنيين في غزة والضفة. الأخبار من الميدان الفلسطيني تشهد على هذا، وأيضاً بعض التحقيقات الصحافية الخاصة بشأن أوامر إطلاق النار وسلوك الجنود.
- تعريف "الأضرار الجانبية" يصبح أسهل أكثر بمرور السنوات: بما معناه، عدد المدنيين الفلسطينيين الذين يسمح القضاء والنيابة العسكرية بقتلهم، ويمكن الدفاع عن قتلهم في المحاكم الدولية، في مقابل هدف واحد (مسؤول عسكري في "حماس"، أو أيّ تنظيم فلسطيني آخر. شخص سياسي، أو مسلح صغير، أو مسؤول، أو حتى فتحة نفق، أو موقع فارغ). وبحسب تحقيق يوفال أبراهام في "سيحا ميكوميت"، فإن عدد المدنيين المسموح قتلهم يمكن أن يكون بين 20 قتيلاً في مقابل كل ناشط صغير، و100 قتيل في مقابل كل مسؤول كبير.
- "بنك الأهداف"، أي الناشطين في التنظيمات الفلسطينية المسلحة المسموح قتلهم (أو اعتقالهم، وبصورة خاصة في الضفة الغربية): إنه بئر من دون قاع، يشمل أيضاً ناشطين سابقين توقفوا عن نشاطهم المسلح، أو السياسي، ويشمل أيضاً عناوين غير محدّثة.
- موقع الضربة: بنك الأهداف يسمح بقتل الفلسطيني، ليس فقط في الجبهة، أو خلال تبادُل إطلاق النار، عندما يجهّز لإطلاق صاروخ، أو عندما يسير مع حزام ناسف. لكن دمه مهدور أيضاً عندما ينام في سريره، حتى لو كان مصاباً في المستشفى، أو يزور قريباً مريضاً، وحتى لو كان مع أطفاله ووالديه، أو يمارس عملاً يُعتبر مشبوهاً: يقف إلى جانب الشرفة، أو على السطح، أو يستقل دراجة نارية، أو يشعل النار من أجل غلي المياه.
- استعمال الذكاء الاصطناعي "لافيندر" الذي كشف عنه أبراهام: يقلل الوقت ما بين كشف الهدف، وإصابته وإلحاق الضرر به، في الوقت الذي يكون التدخل البشري في المسار التلقائي قليلاً جداً.
- أجواء من عدم انصياع الرتب الدنيا لأوامر الأعلى رتبةً، وعدم اهتمام هذه الرتب الدنيا بالسياقات السياسية التي تجذب الاهتمام العالمي: كما جرى خلال إطلاق النار القاتل على عمال منظمة المساعدات الدولية - المطبخ المركزي العالمي يوم 2 نيسان/أبريل، وكذلك خلال إطلاق دبابة النار على مشتبه فيهم كانوا بين مئات السكان الجائعين الذين انتظروا وصول المساعدات الإنسانية، وهرعوا للوصول إلى حافلات الغذاء، يوم 29 شباط/ فبراير.
- أجواء إسرائيلية عامة تتعلق بتجاهل الحقائق: تحت غطاء كلمات عادية، مثل "إجلاء السكان"، و"الجيش يعمل"، و"منطقة إنسانية"- فإن واقع المخيمات التي تفتقد البنى التحتية، ومن دون حماية، ولا تحمي من كوارث الطبيعة، ومن القصف، لم يدخل في الوعي. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الخبراء بمختلف أنواعهم، الذين لا يفكرون في احتمال الضرر الذي سيُلحقه صاروخ بالمدنيين الموجودين بالقرب من المكان المستهدف.
- مسار متطرف من نزع الإنسانية عن الفلسطينيين داخل أوساط واسعة في إسرائيل، وفي أوساط الجنود. الاستهتار بحقهم في الحياة، والحياة العادلة بكرامة، وصل خلال السنوات الأخيرة - وليس فقط منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر - إلى ذروة لم نشهدها سابقاً. هذا المسار يؤثر، عن قصد أو غير قصد - حتى في المستويات المهنية- في وزارة العدل، وأيضاً في غرف العمليات وهيئة الأركان.