تصعيد حرب المسيّرات بين حزب الله وإسرائيل
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

  • منذ بدء حرب "السيوف الحديدية"، بدأ حزب الله باستعمال أنواع مختلفة من المسيّرات لجمع المعلومات والهجوم. ومؤخراً، بدأ يستخدم مسيّرات متفجرة بصورة شبه يومية، للهجوم على إسرائيل. هذا إلى جانب القصف الصاروخي، والصواريخ المضادة للدروع، واستعمال المسيّرات من أنواع مختلفة. وفي الوقت الذي لا يزال الجيش ينجح في اعتراض جزء من المسيّرات التي يتم إطلاقها في اتجاه إسرائيل، إلا أنه يوجد عدد كبير من المسيّرات التي لا يتم اعتراضها، أغلبيتها من لبنان، وأدت إلى أضرار في الأرواح والأملاك. وأصابت المسيّرات مقرّ قيادة الشمال في صفد، وبلدة عرب العرامشة والمطلة. وإلى جانب المسيّرات من لبنان، تُطلق أذرع إيران المسيّرات من أماكن مختلفة في الشرق الأوسط في اتجاه إسرائيل أيضاً، ويبدو أنه يتم اعتراضها بنجاح بين الحين والآخر. أبرز المسيّرات التي يستعملها حزب الله هي المسيّرات الإيرانية من نوع "أبابيل" و"شاهد"، وهناك عدة نماذج من كل واحدة، وهي في أغلبيتها، مسيّرات ذات أجنحة، بطول 2- 3.5 متر، يتم توجيهها إلى أهدافها عن بُعد، أو بالتوجيه التلقائي (GPS). تستطيع هذه المسيّرات حمل عشرات الكيلوغرامات من المواد المتفجرة، وهي انتحارية، في معظمها.
  • بالإضافة إلى المسيّرات الانتحارية، وبحسب فيديو لحزب الله يعود إلى يوم 16 أيار/مايو، وفي إطار قصف "المطلة"، استعمل الحزب، للمرة الأولى، مسيّرة تحمل صواريخ من نوع S5. الفيديو الذي انتشر انتشاراً واسعاً، يشير إلى مسيّرة تُطلق صاروخاً على مركبة وأهداف أُخرى، وفي الوقت نفسه، تصور وتوثّق لحظة القصف، ثم تنفجر. الصواريخ التي أُطلقت من المسيّرة هي صواريخ قديمة من صُنع الاتحاد السوفياتي، وليست صواريخ موجهة. طول هذه الصواريخ أكثر بقليل من المتر، ولا يمكن تحميلها على مسيّرات صغيرة، إنما تحتاج إلى أدوات أكبر نسبياً. التقديرات تشير إلى مسيّرة إيرانية من نوع HESA Ababil، التي يوجد منها عدة نماذج، بعضها بحجم كبير، ويمكن إطلاقه من منصة إطلاق على شاحنة، ولا تحتاج هذه المسيّرات إلى مسار إطلاق. حجم أجنحة هذا النموذج نحو 3.25 متر. وعلى الرغم من القول إنها المرة الأولى التي يستخدم فيها حزب الله طائرة مسيّرة عبر الصواريخ، فإن هذا لا يشكل مفاجأة، إذ توجد مؤشرات تدل على استعمال الحزب هذا النمط من العمل منذ سنة 2014، في الحرب السورية.
  • شهادة أُخرى بشأن التصعيد في حرب المسيّرات هي نجاح الحزب في إصابة منطاد المراقبة الكبير، بجانب تقاطُع "غولاني"، في 15 أيار/مايو، باستعمال مسيّرة متفجرة، وهو ما يعكس تحسيناً في قدرات التهرب من الدفاع الجوي الإسرائيلي. أصيبت منظومة المنطاد التي كانت نتيجة تعاوُن إسرائيلي - أميركي، وتُعتبر الأولى في نوعها في العالم. المتحدث باسم الجيش اعترف بأن المسيّرة أصابت المنطاد الذي كان على الأرض، كجزء من النشاط العملياتي، وبأن الضرر الذي لحِق به لا يضرّ بقدرة إسرائيل على الحصول على الصورة الجوية للجيش. وذكر البيان نفسه أن سلاح الجو ينجح في اعتراض مسيّرات تخترق الأجواء من لبنان كل بضعة أيام، لكن ليس من لبنان فقط، بل أيضاً من العراق وسورية واليمن. هناك فيديو نشره حزب الله، بعد وقت قصير من إصابة المنطاد، يعرض أيضاً متابعة استخباراتية طويلة وناجحة لعمله.

استنزاف التفوق الإسرائيلي - مسار مستمر وغير مفاجئ

  • استعمال حزب الله المسيّرات لا يجب أن يكون مفاجئاً لإسرائيل. فمنذ الأعوام العشرة الأولى للألفية الثالثة، بدأ استنزاف التفوق الإسرائيلي، عبر استعمال المسيّرات. فمثلاً، في حرب لبنان الثانية، استعمل الحزب 3 مسيّرات من نوع "أبابيل"، استطاع الجيش اعتراضها. ومنذ ذلك الوقت، جرت تغييرات كبيرة عالمية على انتشار المسيّرات واستعمالها بصورة كبيرة في صراعات مختلفة في العالم، ومن الواضح أن ساحة المعركة، اليوم، مختلفة عن توقعات أغلبية الدول الغربية؛ وأن التفوق التكنولوجي لم يعد محصوراً فقط في الدول المتطورة التي تملك قوة عسكرية. فعلى مدار السنوات، فعّل حزب الله مسيّرات ضد أهداف إسرائيلية، بين الحين والآخر، ففي سنة 2022، أُطلقت 3 مسيّرات لجمع المعلومات في اتجاه منصة "كاريش" (وتم اعتراضها باستخدام منظومة "برق 1"، المنصوبة على سفينة سلاح البحرية، وأيضاً عبر طائرة F16 التابعة لسلاح الجو)، وجاءت محاولة الاختراق هذه من بين عدة محاولات تم تسجيلها. وأكثر من مرة، تفاخر الأمين العام لحزب الله بالمسيّرات، وأيضاً بقدرات التصنيع الذاتي التي طوّرها الحزب، بمساعدة إيرانية.
  • تعبير آخر عن تآكل التفوق الإسرائيلي، في نظر حزب الله، يظهر في نجاح محاولات التنظيم في إسقاط مسيّرات إسرائيلية، بينها "زيك" و"كوخاف"، وهو ما يشير إلى قدرات دفاع جوية، واحتمال ضرر كبير بحُرية العمل الجوي للجيش في لبنان.
  • يبدو أن الاستعدادات لمواجهة هذه التحديات لم تكن كافية، وأن التغيُّرات التي طرأت على التهديد الجوي لم تستوعب جيداً، أو لم يتم التعامل معها جيداً ببناء القوة العسكرية للجيش. هذا إلى جانب سياسة إسرائيلية فاشلة في مواجهة استخدام تنظيم "إرهابي" للمسيّرات، من خلال الرد الضعيف على ذلك طوال أعوام، وهو ما سمح لحركة "حماس" بحُرية العمل على استعمال هذه الأدوات قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر على حدود غزة وإسرائيل. اليوم، يتعامل الجيش مع تهديد المسيّرات عبر منظومات دفاع جوي تقليدية، وطائرات مقاتلة وسفن حربية، جميعها مزودة بصواريخ مرتفعة الثمن، وإلى جانبها منظومات مختلفة من القتال الإلكتروني. وعلى الرغم من ذلك، فإن استخدام الصواريخ مكلف جداً، ويمكن أن يكون أيضاً غير كافٍ، في مقابل أسراب كبيرة من المسيّرات، أو هجوم مشترك تنفّذه مجموعة من هذه المسيّرات، إلى جانب أدوات قتال جوية أُخرى. نموذج من هذا الهجوم كان الضربة الإيرانية الواسعة لإسرائيل في ليلة 13-14 نيسان/أبريل، والتي استُخدمت فيها مسيّرات من أنواع مختلفة ومئات الصواريخ، وكان يحتاج اعتراضها إلى تنسيق إقليمي ودولي، بالإضافة إلى جهود كبيرة من الجيش.

التجهيزات والرد- تحديات إلى جانب فرص

  • تتحدث وسائل الإعلام عن محاولات شراء متسارعة للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وبتكلفة مئات الملايين من الشواكل، لمعدات جديدة، وهي مرتبطة بمنظومات الدفاع الجوي، من المسيّرات المتفجرة والانتحارية، وغيرها. وبحسب أحد التقارير، فإن الهدف الأساسي هو شراء منظومات تشويش للرادارات التي تستند إليها المسيّرات، بالإضافة إلى مدافع من انواع مختلفة. في الوقت الذي يُتوقع أن يحصل الجيش على منظومة اعتراض لايزر باسم "درع الضوء"، من صناعة "رفائيل"، حتى نهاية سنة 2025. لكن السؤال المطروح هو: هل في موازاه الاستعداد لتهديدات اليوم، يستعد الجيش الإسرائيلي لمواجهة تهديدات الغد التي تُعرض حالياً، في ساحات المعركة المستقبلية.
  • بنظرة إلى المستقبل، واستناداً إلى ما يجري في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، يجب على الجيش أن يتجهّز للتعامل مع أعداد كبيرة من مسيّرات FPV، وغيرها من المسيّرات المنتشرة، وتشير التقديرات إلى أنها الأدوات الهجومية المنتشرة لإلحاق الضرر بأهداف الطرفين المتحاربين. هذا بالإضافة إلى أنه من المفضل أن يتجهّز الجيش للتعامل مع المسيّرات الموجهة باستعمال الذكاء الاصطناعي الذي يوجّه هذه المسيّرات، استناداً إلى الصورة، وبهدف التغلب على تشويش الـGPS، وأنواع أُخرى من القتال الإلكتروني، كما اتضح في الضربة الأوكرانية على منشآت الطاقة الروسية، أو في الضربة الأوكرانية ضد الدبابات الروسية الصغيرة. وعلى الرغم من أن هذا النموذج لا يزال في قيد التجريب في الدول المتطورة جداً فقط، فإن الجيش يجب أن يتجهز أيضاً لتهديد أسراب مسيّرات تعمل بطريقة تلقائية.
  • صحيح أنه توجد تحديات تكنولوجية، وأيضاً مالية وعملياتية كبيرة جداً، إلا إن تطوير ردّ على تهديد المسيّرات يمكن أن يشكل فرصة لإسرائيل - سيكون هناك طلب كبير على هذه الردود خارج حدود إسرائيل أيضاً. ويعود هذا إلى تصاعُد الاهتمام الدولي في هذا المجال، بسبب فهم الأهمية المتزايدة لتهديد الأسلحة المسيّرة عن بُعد، إلى درجة أنه بات يشكل التهديد المركزي في ساحات المعارك المستقبلة في جيلنا.
  • نعم هناك أهمية للاستعداد البعيد المدى، وحتى أكثر من ذلك، بحيث يتلاءم مع اليوم الذي سترغب فيه إسرائيل، كأيّ دولة أُخرى، في أن تسمح بالاستخدام المدني والآمن في الأوقات العادية، وفي أوقات الطوارئ، للمسيّرات في المجال المدني والتجاري والذي له قيمة اقتصادية عالية جداً، إلى جانب ضمان عدم استعمال المسيّرات في الإجرام، وأيضاً في "الإرهاب".