تجسست أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، شعبة الاستخبارات العسكرية ["أمان"]، وجهاز الموساد، وجهاز الأمن العام ["الشاباك"]، طوال أعوام، على موظفين رفيعي المستوى في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وخلال ذلك، قامت هذه الأجهزة بجمع معلومات عن هؤلاء الموظفين، وعن علاقاتهم مع فلسطينيين زودوا هذه المحكمة بتقارير بشأن انتهاك حقوق الإنسان في المناطق [المحتلة]، كما أن الاستخبارات الإسرائيلية حاولت ممارسة ضغوط على هؤلاء الموظفين كي يوقفوا التحقيقات الجارية ضد إسرائيل، على خلفية سياساتها في تلك المناطق.
وجاء الكشف عن هذا كلّه في إطار تحقيق أجرته صحيفة "غارديان" البريطانية وموقع "سيحا ميكوميت" الإسرائيلي ومجلة "972+"، ونُشرت نتائجه أمس (الثلاثاء). واستند التحقيق، حسبما أشار معدّوه، إلى إفادات 20 مصدراً في جهازَي الأمن والعدل الإسرائيليَّين، وشهادات مسؤولين سابقين في المحكمة الجنائية الدولية، ودبلوماسيين، وخبراء قانون دوليين.
واستهدفت عمليات التجسس الإسرائيلية أساساً المدعية العامة السابقة في المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، والمدعي العام الحالي كريم خان، وطاقمَيهما.
ووفقاً للتحقيق، نقلت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية المعلومات التي جمعتها، والمتعلقة بموظفي المحكمة الجنائية الدولية وفلسطينيين زودوهم بمعلومات، إلى طاقم خاص من الخبراء القانونيين والدبلوماسيين الإسرائيليين، الذي أجرى أعضاؤه، بدورهم، اتصالات سرية مع بنسودا وطاقمها في الفترة 2017 – 2019، بهدف إقناعها بوقف التحقيق ضد إسرائيل.
وكشف التحقيق كذلك أن يوسي كوهين، رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي السابق، قام بتهديد بنسودا، كمدعية عامة في المحكمة الجنائية الدولية، خلال سلسلة لقاءات سرية جاءت بهدف ممارسة ضغوط عليها لكي توقف التحقيق ضد إسرائيل.
ونقل التحقيق الصحافي عن أحد المصادر قوله إن التجسس على كريم خان استمر في الأشهر الماضية، ووصل إلى رأس سلّم الأولويات، كما جرى تتبّع كل اتصالات خان بموظفين فلسطينيين. وخلال ذلك، تم رصد طلب خان من الفلسطينيين مساعدته على الدخول إلى قطاع غزة، من دون علم إسرائيل، لكي يُجري التحقيق في الجرائم الإسرائيلية، شخصياً. كما أفاد المصدر نفسه بنشر خبر، عبر قنوات عسكرية وحكومية إسرائيلية، مفاده أن خان يعتزم المطالبة بإصدار مذكرات اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين، على الرغم من ضغوط أميركية هائلة مورست عليه للامتناع من ذلك.
وأكدت الدائرة الإعلامية في المحكمة الجنائية الدولية، رداً على استجواب قدمته "غارديان" لها، أن المحكمة كانت على عِلم بعمليات التجسس من جانب عدة وكالات قومية معادية للمحكمة، لكنها أكدت أن أياً من هذه العمليات لم تنجح في التوغل إلى صلب مخزون الإفادات التابع للمحكمة، وأشارت إلى أن مكتب المدعي العام خان كان هدفاً لأشكال مختلفة من التهديدات والاتصالات، وفي الإمكان النظر إليها على أنها محاولات لممارسة ضغط غير نزيه على نشاطاته.
ونقل التحقيق عن خبراء قانونيين وموظفين سابقين في المحكمة الجنائية الدولية قولهم إن محاولات التأثير في خان وبنسودا، من شأنها أن تُعتبر مخالفة، بموجب البند 70 لمعاهدة روما، ويتعلق هذا البند بعرقلة عمل المحكمة الجنائية الدولية والقيام بمهماتها، وهو يسري كذلك على مواطني دول لم توقّع المعاهدة، مثل إسرائيل.
وأفاد مصدر استخباراتي بوجود علاقة شخصية ومباشرة لديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مع فريق الاستخبارات الذي تجسس على المحكمة الجنائية الدولية. وأضاف مصدر آخر أن ديوان نتنياهو كان يرسل تعليمات بشأن معلومات حيوية إلى فريق الاستخبارات، ويحدد المواضيع التي تهمّه ومهمات جمع معلومات، بموجب سلّم أولويات، وكذلك أوامر تتعلق بالتجسس على نشاطات في الحلبة الدولية. وأشار مصدر ثالث إلى أن نتنياهو كان مذعوراً من المواد التي حصلت عليها المحكمة الجنائية الدولية من الجانب الفلسطيني.
وقال أحد المصادر إن مجلس الأمن القومي الإسرائيلي وجهاز الشاباك ركزا على جمع المعلومات في المحكمة الجنائية الدولية، بينما قرّر الجيش الإسرائيلي الانضمام من أجل حماية ضباطه، بعد أن تبيّن له أن ضباطاً كباراً باتوا يتحفّظون عن تولّي مهمات في المناطق [المحتلة]، خشية تقديم شكاوى ضدهم إلى محكمة لاهاي. كما أن وزارة الشؤون الاستراتيجية كانت ضالعة في تعقُّب منظمات حقوق إنسان فلسطينية تنشط في الحلبة الدولية، تعقّبها جهاز "الشاباك" أيضاً، وهي منظمات: الحق، والميزان، والضمير، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.
وأظهر التحقيق، كذلك، أنه في موازاة عمليات التجسس هذه، أوعز رئيس الحكومة نتنياهو بتشكيل فريق من الخبراء القانونيين في وزارتَي العدل والخارجية، والنيابة العسكرية، برئاسة طال بيكر، وسافر أعضاء هذا الفريق إلى لاهاي من أجل الإدلاء بالمواقف الإسرائيلية، ولم تُعلن هذه التحركات، كون إسرائيل ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية.