بعد رفح سنصل إلى مرحلة جديدة: المرحلة الانتقالية
تاريخ المقال
المصدر
- نحن قريبون من استكمال الجهد العسكري في رفح، وربما يتطلّب الأمر أسبوعاً إضافياً أو ربما ينتهي قبل ذلك بأسبوع. وعلى افتراض أن إسرائيل لا تخطط في المستقبل المنظور لأن تتنازل عن السيطرة الأمنية في قطاع غزة، فإن نمط العمل العسكري خلال المناورة البرية الكثيفة من أجل تفكيك القوة العسكرية لـ"حماس" سينتهي هو الآخر.
- وحتّى الآن، فقد أثبت هذا النمط من العمل العسكري ذاتَه على الصعيد التكتيكي، وتفوّق كذلك على كل جيش آخر قاتل خلال عشرات السنوات في مناطق مأهولة كتلك الموجودة في القطاع. وقد احتل الجيش الشمال، وانتقل إلى خان يونس، وبعدها إلى رفح، وقام بتفكيك الأطر العسكرية التابعة لـ "حماس"، وسيطر على أسلحة ومقاتلين وأيضاً شبكة أنفاق متفرّعة. والآن، وبعد أن تفكّكت البنية المركزية لـ"حماس" عسكرياً، فسيتم تفكيك الأطر أيضاً، وما نحتاج إليه الآن هو تعميق الإنجاز في كُل منطقة في القطاع حتى استكمال تفكيك "حماس". فكيف نقوم بذلك؟
- إذا تطرّقنا فقط إلى الجهد العسكري، فإن البدائل المركزية الموجودة أمام إسرائيل هي كالتالي:
- خروج الجيش من رفح في القطاع، والعودة إلى الاقتحامات في مناطق متعددة كلّما احتاج الأمر إلى ذلك، وهي طريقة تم البدء بها منذ كانون الثاني/يناير وفشلت، لأن "حماس" استطاعت العودة إلى كل منطقة انسحب منها الجيش، وبدأت ترميم قوتها (المدنية وجزئياً العسكرية)، وكان على الجيش أن يعود مرة تلو الأُخرى ويقتحم المواقع التي تواجد فيها سابقاً، وهذه الطريقة جيدة على صعيد الشرعية الدولية، وسيئة على صعيد إزالة التهديد وضمان روتين حياة لسكّان الغلاف، وأيضاً للجهود العسكرية (تبذير موارد وخطر على الجنود).
- بقاء الجيش في المناطق التي يتواجد فيها لضمان عدم عودة "حماس" إلى ترميم قوّتها في هذه المناطق - وهذه الطريقة يمكن أن تنجح في منع "حماس" من تجديد قوّتها العسكرية (طريقة جز العشب على نمط الضفة الغربية) لكنها غير ناجعة في مواجهة قوتها الحكومية - المدنية، وذلك لأنها لا تتطرّق إلى السكّان في غزة. وهذه طريقة جيدة جداً على صعيد المؤشرات الأمنية وإزالة التهديد، لكنها سيئة على صعيد مؤشرات الشرعية الدولية وأيضاً مؤشر التهديدات على قواتنا من جانب "حماس" التي تتواجد في مناطق ذات مميزات مدنية (لذلك، فمن المتوقّع أن يكون الجيش مطالَباً على المدى القصير بأن يهتم بالقضايا المدنية في القطاع، وصولاً إلى حكم عسكري).
- بالنسبة إلى هذه البدائل، من الواضح للجميع أن السؤال "ماذا نفعل بعد رفح؟" لا يمكن أن يكون فقط عسكرياً، فدولة إسرائيل لا تستطيع أن تستمر في نمط العمل ذاته إلى وقت طويل، وعليها أن تنتقل من حرب كثيفة إلى نمط عمل تسيطر فيه أمنياً على مناطق العدو.
- إذا كانت السيطرة على مناطق العدو لوقت طويل هي الحل، فالسؤال الذي يُطرح هو بشأن إدارة الحياة المدنية المتواجدة في هذه المناطق، وهو سؤال يتقاطع مع فَهْمِ أن تفكيك "حماس" لا يمكن أن يكون عسكرياً فقط، بل أيضاً يستوجب جهداً في مواجهة قدراتها المدنية – الحكومية، وبكلمات أُخرى؛ نَزْع الحكم المدني منها. ولذلك، فإنه عندما نبحث الجهود المدنية التي نحتاج إليها، نكون أمام نموذجَين مستقبليَين من السيطرة الأمنية في الميدان:
- نموذج الحُكم العسكري (الموقت أو غير الموقت) حيث يسيطر الجيش بالكامل مدنياً وأمنياً، ويكون مسؤولاً أيضاً عن إدارة الحياة اليومية في القطاع.
- نموذج الضفة الغربية، حيث يسيطر الجيش أمنياً في أغلبية المناطق، ويترك الإدارة المدنية للسكّان المحليين من دون تدخّل إسرائيلي مباشر.
- ولم يُبحث البديل الأول بجدية أبداً في الجيش (ألغوه بسبب المقولات بشأن التكلفة الكبيرة، وزيادة وقت الخدمة العسكرية الإلزامية وغيرها)، وأيضاً سلسلة من المقولات من جانب متخذي القرار - وضِمنهم رئيس الحكومة نفسه - وهو ما يشير إلى أن البديل الثاني هو البديل الذي تم اختياره. وإذا كانت الأمور كذلك، ولأن نهاية المعركة في رفح ستكون نقطة الذروة في تفكيك قوّة "حماس" العسكرية، فيبدو أنه سيكون على إسرائيل أن تنتقل إلى المرحلة التالية في الحرب، وهي "المرحلة المدنية"، وفيها، ستكون هناك حاجة، إلى جانب تغيير الجهد العسكري نحو السيطرة على مناطق، إلى تطوير بديل حكومي لـ "حماس"، يتحمّل أيضاً المسؤولية عن إدارة حياة السكان اليومية في غزة.
- لكن كيف يمكن القيام بذلك ولا يزال نشطاء "حماس" يتواجدون في المنطقة كأفراد؟ يتم ذلك عبر صوغ مرحلة موقتة في العملية، "مرحلة انتقالية"؛ فأمنياً، يتم تعميق الإنجاز العسكري في عدّة مناطق جغرافية في الشمال وتطهيرها من "حماس" لتشكيل فقاعات نظيفة في شمال القطاع. ومدنياً، يتم إدخال جهات محلية أو عربية أو شركات حراسة خاصة دولية، وبعدها تبدأ هذه الجهات في توزيع المساعدات إلى السكان، ويستولون على أجهزة البلديات، ويفعّلونها، ويسيطرون أيضاً على المستشفيات في القطاع، ومع مرور الوقت، تنمو هذه الفقاعات الإنسانية وتتوسع إلى مناطق كاملة.
- هذه هي الطريقة الوحيدة الممكنة للتقدّم من أجل الانتصار على "حماس"، ويمكن أيضاً أن تشكّل أوضاعاً محسّنة من أجل صفقة التبادل الثانية. وهكذا أيضاً يمكن استعادة الرصيد الدولي الذي فقدناه، وبإدارة استراتيجية صحيحة، يمكن أيضاً قطْف ثمار الجهد المشترك الإقليمي الذي تمت صناعته ليلة الهجوم الإيراني في مقابل إيران في هذه الأيام ضد المشروع النووي.
- وليس المقصود هنا الحديث عن اليوم التالي، إنما المقصود مرحلة انتقالية في القطاع من حُكم "حماس" إلى حُكم مدني آخر، وليس بالضرورة سلطة دائمة نريدها هناك لسنوات. لكن عدم تغيير طريقة العمل القائمة على الجهد العسكري بعد نهاية العملية في رفح سيؤدي إلى حرب شديدة لا تنتهي لسنوات طويلة، يتم فيها إلحاق الضرر بـ "حماس"، وتعود الحركة إلى ترميم ذاتها بسرعة. يجب أن ندرك أنه ومع انتهاء المعركة في رفح، سيكون من الممكن تركيز الجهود على الجانب المدني، وهو ما سيحدّد أيضاً المكونات المركزية في الجهد العسكري، والتي تنطوي على نظرة جديدة إلى ساحات إضافية، ورصيد دولي متجدّد، وستساعد بصورة أساسية إسرائيل على المحافظة على القدرة على إعادة صوغ اليوم التالي في القطاع، وضمان مساهمة الكثير من الشركاء.