كأمهات وآباء نصرخ: كفى! أوقفوا الحرب الآن!
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- أنا عضو في مجموعة أهالٍ أولادهم جنود في الجيش الإسرائيلي النظامي يقاتلون منذ 8 أشهر بلا انقطاع في غزة.
- لقد أيّدنا الحرب منذ بدايتها، ورأينا أنه لا مفر منها، أمّا اليوم، فنعتبرها فخ موت لأولادنا الذين يجري التضحية بهم يومياً على طبق من فضة على يد أكثر الحكومات تطرفاً في تاريخ دولة إسرائيل، فقط من أجل السماح باستمرار بقاء حكومة التقصير.
- في الصباح الباكر من يوم الأحد، قمت بإيصال ابني، الذي يبلغ من العمر 21 عاماً، إلى قاعدته العسكرية في جنوب البلد، بعد فرصة يومَين قضاها في المنزل، وهي واحدة من 4 فرص قصيرة أُعطيت إليه خلال الحرب.
- ولا أصدق أنني أفعل ما أفعله؛ أعيده إلى الجحيم، وأكافح كي لا أبكي أو أنهار كي لا يشعر بالضعف، وأعطيه سندويتشات أعددتها للطريق. كل ما أردته فقط أن أدير مقود السيارة وأهرب به بعيداً من هنا.
......
- أطالب أنا ورفاقي في مجموعة "أهالي مقاتلين يصرخون كفى" بحل سياسي بعد أشهر طويلة من الحرب وسفْك الدماء. صحيح أننا نؤمن بأن هذه الحرب لم يكن هناك مفر منها بعد هجوم "حماس" "الوحشي"، لكننا اليوم، ومن دون أفق سياسي، ومع رفْض الحكومة العنيد البحثَ في صفقة مخطوفين، أو اتفاق سياسي بعيد الأمد، نشهد تخلياً عن المخطوفين، كما نشهد يومياً قتلى وجرحى من جنودنا، إلى جانب القتل ومعاناة المدنيين الفلسطينيين والمواطنين الإسرائيليين في غلاف غزة وفي الشمال.
- كما نشاهد بهلع الثمن الدموي الذي يرتفع يومياً بلا هدف واضح، فندرك أن استمرار الحرب حتى الآن هو من أجل استمرار حُكْم نتنياهو والحكومة المتطرفة التي يتزعمها. وحتى وزير الدفاع، يوآف غالانت، ومسؤولون رفيعو المستوى حاليون وسابقون في المؤسسة الأمنية يقولون كلاماً مشابهاً.
- أرسلنا كتاباً إلى كابينيت الحرب موقعاً من جانب 900 شخص من أهالي المقاتلين الذين يقاتلون في غزة و2000 من مؤيديهم، وطالبنا الحكومة بتحمُل المسؤولية عن حياة أبنائنا وبناتنا الذين يقاتلون في غزة، وألاّ تضحّي بهم في فخ الموت من دون السعي لاتفاق سياسي، وما زلنا ننتظر الرد.
- أنا أم لثلاثة أبناء، أكبرهم يدرس في الولايات المتحدة، ويحارب العداء للسامية في الجامعات منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. أمّا ولداي الباقيان، فيقاتلان في غزة؛ الأول في الاحتياط منذ 3 أشهر، والصغير في الجيش النظامي يقاتل بلا توقُف منذ الهجوم على ناحل عوز في 7 تشرين الأول/ أكتوبر...
- وقد قاتلت الوحدة التي ينتمي إليها في شمال القطاع، وفي خان يونس، واليوم في رفح، وخسر أصدقاء مقربين وقادة قُتلوا خلال الحرب.
- نحن عائلة وطنية، فقد ربيت أولادي على القيم والمسؤولية الاجتماعية والتضحية الشخصية، لكن ليست هناك كلمات تصف شعور خوف الأهل على أولادهم الذين يقاتلون منذ أشهر متواصلة. نحن نعيش حالة من الخوف والقلق لا نهاية لها، ولا ننام في الليل، ونتنفس بصعوبة، ونخاف من أي طرقة على الباب، وحياتنا لم تعد حياة. خلال هذه الفترة، حضر إبني إلى البيت 4 مرات لفترات قصيرة وفرصة أطول في عيد الفصح، قبل دخول رفح. نحن نعيش كابوساً لا يمكننا الاستيقاظ منه.
- إن الانضمام إلى مجموعة الأهالي في بداية أيار/مايو، وإمكان الاجتماع بأمهات يواجهن واقعاً مشابهاً لما أعيشه، أعطاني إحساساً بالدعم وإمكان العمل الجماعي، ونحن نحاول العمل معاً من أجل التأثير في الواقع الصعب.
- أنا أكتب كأم قبل كل شيء، وكمواطنة تشعر بالقلق الشديد، وأيضاً كمعالجة نفسية تعالج منذ بداية الحرب أطفالاً من الذين جرى إجلاؤهم وأهاليهم، كما عالجتُ أماً وطفلاً قُتل والده في غزة. أنا أعيش غارقة في الصدمة والألم اللذَين يحيطان بنا، وهي صدمة تعاني جرّاءها عدة عائلات اليوم في إسرائيل، وتتركنا صامتين من دون صوت، نعيش حاضراً من دون صورة للمستقبل.
- في بداية الحرب، بذلنا ما في وسعنا من أجل دعم أبنائنا وبناتنا في هذه الحرب، أمّا اليوم، فأرى في استمرار الحرب أمراً عقيماً وتضحية بلا هدف، ولم يعد في الإمكان السكوت بعد اليوم، ولا الوقوف موقف المتفرج، ويجب أن نجعل أصوات أبنائنا وبناتنا الذين يقاتلون في غزة مسموعة.
- نحن نرى أولادنا مرهقين جسدياً ونفسياً، ويطرحون تساؤلات بشأن مغزى تضحياتهم والتزاماتهم، ويدخلون المرة تلو الأُخرى الأماكن عينها، والمزيد من الجنود يُقتلون يومياً. إننا قلقون جداً على وضعهم النفسي، فَهُم يشعرون بالالتزام العميق إزاء طاقمهم ورفاقهم، لكنهم يطرحون أسئلة صعبة تتعلق بكيفية اتخاذ القرارات والمغزى من استمرار القتال.
- والروايات التي يرويها الجنود لدى عودتهم إلى المنازل كلما مر الوقت مرعبة، بشأن المشاهد والروائح والقرارات التي تعرّض الحياة للخطر، فضلاً عن التراجع في الكفاءة وحوادث لا لزوم لها لإطلاق النار، والجروح الجسدية والنفسية التي ستلازمهم طوال حياتهم. ولم يشهد البلد حرباً طويلة ومكثفة كهذه من قبل، كما لم نشهد قط هذا العبء المستمر الملقى على أكتاف مجموعة صغيرة نسبياً من الجنود المحاربين.
- كأمهات وآباء وأهالٍ، نحن نصرخ: كفى! أوقفوا الحرب الآن! نحن ندعو زعماءنا ونقول لهم: من واجبكم التوصل إلى تسوية فوراً لإطلاق المخطوفين ما داموا على قيد الحياة، ولن نهدأ قبل الإفراج عنهم، ولا يمكن لنا أن نتعافى على المستوى الشخصي والوطني من دون إطلاق المخطوفين وإنهاء الحرب.
- والآن يتعين علينا أن ننشئ أفقاً من الأمل لأولادنا ولأنفسنا. نحن مضطرون إلى وقف هذا التدهور إلى الهاوية قبل فوات الأوان، والآن، وبعد الخطة التي كشف عنها بايدن، نطالب بصفقة سياسية تسمح بعودة المخطوفين وتتيح إمكان تعافيهم.