خطاب الرئيس بايدن: أهو فرصة لإسرائيل أم عقبة؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

  • في المقام الأول، يعود قرار بايدن تقديم "المخطط الإسرائيلي" بصفته "خارطة طريق لوقف إطلاق نار طويل الأمد وإطلاق سراح جميع المختطفين" إلى تقديراته بأن الجهد العسكري الإسرائيلي في شكله الحالي قد استنفد نفسه، وأن الأضرار التي تلحق بكل من إسرائيل والولايات المتحدة، إذا استمر القتال، ستفوق الفوائد، وهي طبعاً لن تحقق أهداف الحرب. منذ خطاب بايدن، تعمل الإدارة الأميركية في الساحات الإسرائيلية، والدولية، والإقليمية، والمحلية الأميركية، وذلك لحشد الدعم وراء محاولة دفع الخطة المتعددة المراحل، فقد تحدّث الرئيس مع أمير قطر، وحثه على العمل من أجل تأمين موافقة "حماس"، وأكد أن إسرائيل مستعدة للتقدم في الصفقة؛ ففي محادثات هاتفية أجراها بلينكن مع الوزيرَين، يوآف غالانت وبني غانتس، تم تأكيد وجود الكرة في ملعب "حماس" الآن، لكنه أشار أيضاً إلى أن "هذا المقترح سيعزز المصالح الأمنية الإسرائيلية على المدى الاستراتيجي، بما يشمل توفير فرصة للتكامل في الإقليم." وبالتوازي مع ذلك، نشر زعماء دول مجموعة السبع (G-7) بياناً يعبّر عن دعمهم للجهود الرامية إلى الدفع في اتجاه الصفقة، ودعوا "حماس" إلى الموافقة على الصفقة التي تقترحها إسرائيل، كما تعتزم الولايات المتحدة أيضاً الترويج لمقترح قرار لمجلس الأمن الدولي، يدعو "حماس" إلى الموافقة على الصفقة.
  • كما أن إمكان إلقاء الرئيس بايدن خطاباً يستعرض فيه الرؤية الأميركية المتعلقة بالحرب تمت مناقشته في البيت الأبيض خلال الأسابيع الماضية، ويبدو أن قرار القيام بذلك كان مرده إلى تقييم فحواه أن الكشف الرسمي والعلني، من جانب الرئيس نفسه، لتفاصيل الاتصالات والمقترحات (التي كانت حتى اللحظة حبيسة الغرف المغلقة)، وحده من شأنه أن يدفع الأطراف إلى التوقف عن إدارة تكتيكات المفاوضات، والتحرك في اتجاه حسم قرارات استراتيجية. وقد صيغ خطاب بايدن بحيث كان موجهاً، بالتوازي، نحو أهداف متعددة: الدول الوسيطة، وخصوصاً قطر ومصر، و"حماس"، وإسرائيل، وخصوصاً حكومتها ورئيس حكومتها، والمجتمع الدولي، والجمهور الأميركي.
  • وبات العبء الرئيسي يقع الآن على كاهل "حماس"، التي من المفترض أن ترد على الاقتراح بما يتجاوز إعلانها الأولي الذي وصفه بأنه "اقتراح إيجابي"، كما تبذل الإدارة جهداً خاصاً مع قطر ومصر لإقناعهما بممارسة ضغوط مكثفة على الحركة لتقبل العرض، وتناقش تفاصيله بصورة إيجابية. وفعلاً، تم تأكيد أن كلاًّ من "حماس" وإسرائيل يجب أن تتوصلا إلى اتفاقات نهائية وفقاً للمبادئ التي استعرضها الرئيس، وذلك في بيان مشترك صادر عن قطر ومصر والولايات المتحدة. وقد جاء في هذا البيان أن "مصر، والولايات المتحدة، وقطر، تشدّد على أن المبادئ التي قدمها الرئيس بايدن ستوفر غوثاً فورياً لكل من سكان غزة والمختطَفين [الإسرائيليين] وعائلاتهم. إذ إن الاتفاق يوفر خارطة طريق من أجل وقف دائم لإطلاق النار، وإنهاء الأزمة."
  • لا يعتمد رأي الإدارة على السلوك الإسرائيلي، على الرغم من أن الإدارة تلقي بمسؤولية تأجيل صفقة التبادل على كاهل "حماس"، بل أيضاً تهتم مراراً وتكراراً بتأكيد ذلك علناً. كما أن إصرار الرئيس بايدن على التأكيد بأن المقصود هو مقترح إسرائيلي يدل على أن كشف المخطط الإسرائيلي سيُلزم نتنياهو المواجهة واتخاذ القرار في ظل الجدل الإسرائيلي الداخلي الحاد بين مؤيدي الصفقة ومعارضيها. ويبدو أن هناك خشية تتفاقم منذ وقت طويل داخل صفوف الإدارة الأميركية، ولدى بايدن نفسه، بأن التردد الإسرائيلي وأسلوبها التفاوضي مردهما اعتبارات سياسية داخلية أكثر من كونهما مدفوعَين برؤية استراتيجية. وفي الخلفية، هناك خشية حقيقية من حدوث تصعيد على الحدود الشمالية لإسرائيل، بين إسرائيل وحزب الله.
  • تواجه الإدارة أيضاً واقعاً معقداً على الساحة الدولية؛ فبينما تلقت خلال الأشهر الأولى من الحرب دعماً واسع النطاق لموقفها المؤيد لإسرائيل، فإنها باتت اليوم معزولة أكثر فأكثر، والمواقف النقدية التي تتبنّاها معظم الدول الأوروبية، إلى جانب قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن الحملة العسكرية الإسرائيلية في رفح، قرار المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية بطلب إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، كلها أمور فرضت على الإدارة اتخاذ خطوة تُظهر جهداً حازماً لإنهاء الحرب. وينبغي التشديد على أن هناك تحديات إضافية على الساحة الدولية تشغل الإدارة الأميركية، إذ إن هناك حاجة أميركية إلى المحافظة على التحالف الدولي في مواجهة هذه التحديات، وخصوصاً الحرب في أوكرانيا، والمنافسة مع الصين، والخشية من تدهور الأوضاع بين الصين وتايوان، والتي تصاعدت في الآونة الأخيرة.
  • وأخيراً، تحتاج الإدارة إلى أن تستجيب للتحدي في الساحة الأميركية الداخلية أيضاً، وخصوصاً في ظل اقتراب المرحلة قبل الأخيرة من الانتخابات المقرر عقدها في تشرين الثاني/نوفمبر 2024. وتواجه حملة بايدن الانتخابية انتقادات شديدة من جانبَي الخريطة السياسية: من جانب معارضي سياسته إزاء إسرائيل، ومن جانب المؤيدين لإسرائيل. وعلى الرغم من أنه لا يزال من المبكر تقييم تأثير التطورات الشرق أوسطية في نتائج الانتخابات الرئاسية، فإن هناك إشارات مصدرها استطلاعات الرأي التي تفيد بتقارب نسب دعم الجمهور لكل من بايدن وترامب في السباق الرئاسي، وهو ما يجبر الإدارة على محاولة تقديم حلول إلى الطرفَين: ترسيم خطوط حمراء لإسرائيل، في المقابل مواصلة إبراز كونها لا تهمل التزامها تجاه الأمن الإسرائيلي. وفعلاً، حاول بايدن في خطابه السير على الخيط الرفيع بين الطرفَين.
  • وعبر النظر إلى المستقبل، واستمراراً لنهجها في الأشهر الأخيرة، تواصل الإدارة الأميركية السعي للتوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى، وهو ما سيؤدي إلى وقف إطلاق نار يستمر لعدة أسابيع، يحاول خلاله الطرفان التوصل إلى اتفاق أوسع نطاقاً. ويُعتبر هذا الاتفاق شرطاً أساسياً لتعزيز رؤية الرئيس لـ"اليوم التالي للحرب"، والتي يعمل على صوغها في الأشهر الأخيرة، والتي تركز على "صفقة ضخمة" مع المملكة العربية السعودية. وخلال الزيارة الأخيرة التي قام بها مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، إلى المملكة العربية السعودية، التقى فيها وليَّ العهد، الأمير محمد بن سلمان، أفادت التقارير أن هناك تقدماً كبيراً في المفاوضات بين البلدَين فيما يتعلق بالعناصر التي سيتم تضمينها في الاتفاقيات الثنائية بينهما، بما في ذلك إمكان إبرام اتفاقية دفاع وخطة متفق عليها لبرنامج نووي مدني سعودي. ومن الواضح بالنسبة إلى الإدارة أن الجدول الزمني محدود للغاية، وبالتالي، فهي تركز بصورة أساسية على الخطوات التي سيتم اتخاذها خلال الشهر الحالي، نظراً إلى اقتراب الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، فمن الواضح بالنسبة إلى الإدارة أنه من دون وقف القتال في قطاع غزة والدفع في اتجاه تعزيز فكرة "اليوم التالي"، فإنه لن يكون من الممكن تعزيز التطبيع بين إسرائيل والسعودية، وهذا الأمر سيؤدي إلى إفشال الخطوة الأميركية. لذلك، ترى الإدارة أن الاتفاقية الثلاثية بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل ستكون أفضل حل ممكن لاحتواء إيران، وكذلك الحاجة إلى إنهاء الحرب في غزة. وتعتقد الإدارة أن الرد المشترك لإسرائيل والولايات المتحدة ودول المنطقة، والذي تم تقديمه في 14 نيسان/أبريل على الهجوم الإيراني على إسرائيل، يمثل، بالضبط، الاستراتيجيا الواجب تبنّيها.
  • يبدو أن الإدارة الأميركية ليست لديها حالياً خطة بديلة متماسكة لإمكان فشل خطة بايدن واستمرار القتال، بل وربما تصاعده (وهو أمر معقول حقاً). ويحدث هذا في الوقت الذي يتوسع فيه القتال مع حزب الله ويتصاعد في شمال إسرائيل. ويمكن افتراض أنه على الرغم من أن الإدارة ستلقي باللوم على "حماس" في حال الفشل، كما فعلت الإدارة في الماضي، فإن إحباط الرئيس والإحباط داخل الإدارة من سلوك إسرائيل سيتعمق أيضاً، وسيؤدي بالضرورة إلى اتخاذ إجراءات لن تتوافق مع المصالح الإسرائيلية، على غرار قراره تأخير شحنة واحدة من القنابل خوفاً من أن يستخدمها الجيش الإسرائيلي في هجماته على رفح. وفي الوقت نفسه، فمن المتوقع أن تواجه الإدارة معضلة فيما يتعلق بسياساتها في المحافل الدولية، وقبل كل شيء قرارات المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بشأن أوامر الاعتقال، وكذلك المطالب التي من المرجح أن تُثار لفرض وقف إطلاق النار عبر قرارات في مجلس الأمن. ومن المؤكد أن الانتخابات الرئاسية التي تقترب بوتيرة سريعة ستؤثر في سلوك الإدارة، لكن من المشكوك فيه أنها قادرة على الانفكاك عن اعتقادها أن الرئيس بايدن، إذا ما اتخذ إجراءات غير مرضية لإسرائيل، فإنه سيتضرر.
  • ويبدو أن القرارات التي ستتخذها إسرائيل في الفترة المقبلة، بعد الإعلان الذي قدمه الرئيس بايدن لخطتها بشأن إطلاق سراح المختطَفين ووقف الحرب في غزة، يجب أن تستند إلى هدف تحسين وضعها الاستراتيجي. وفي هذا السياق، يُعد تجنب المواجهة العلنية مع الولايات المتحدة شرطاً أساسياً لضمان المصالح الإسرائيلية في المستقبل، بغض النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية. كما أن خطاب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أمام جلسة مشتركة للكونغرس الأميركي هو بمثابة فرصة، لكنه ربما يتحول إلى أزمة مع الإدارة. لذلك، فمن المستحسن أن تستغل إسرائيل الدعوة المشتركة الصادرة عن الجمهوريين والديمقراطيين، والتي من المرجح أنها حدثت بموافقة الرئيس بايدن، لتقديم رؤية واضحة لاستراتيجيا سياسية تسمح ببدء عملية تطبيع مع المملكة العربية السعودية تحت رعاية أميركية، مع تشكيل جبهة واسعة مع الدول العربية المعتدلة ضد إيران ومحور المقاومة بقيادتها.