حان الوقت لمواجهة الحقيقة: إمّا تحرير المخطوفين، وإمّا نحن
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

  • لقد جعل الإخفاق الذريع في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 المجتمع الإسرائيلي، وخصوصاً المجتمع اليهودي في إسرائيل، في مواجهة وضع غير مسبوق في تاريخ الدولة. صحيح أننا شهدنا عمليات كثيرة لخطْف المواطنين، لكننا لم نر قط اختطاف هذا العدد من الرهائن بالقوة من منازلهم ومواقعهم ومراكز الترفيه، ونأمل ألاّ نرى ذلك أبداً في المستقبل.
  • قبل 3 عقود، كان يجري التعامل مع حوادث كهذه بواسطة التدخل العسكري العنيف والصارم بهدف منع "الإرهابيين" من تحقيق أي إنجازات، وخوفاً من أن تتحول عمليات الخطف والابتزاز إلى أسلوب دائم يزيد مطالباتهم حدة.
  • لكن يبدو أنه خلال العقود الثلاثة الأخيرة، تغيَّر التوجه وسط القيادة العسكرية، أو في العقلية السائدة بين المعلقين، وخصوصاً في وسائل التواصل الاجتماعي، ووسط الجمهور العريض.
  • وقد زعزعت أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر الرأي العام، وجعلته يرفض النظريات التي أوصلتهم إلى هذا الوضع؛ ومنها نظرية الاحتواء وتجاهُل نيات العدو المعلنة، وغطرسة الذين دائماً "يعرفون كل شيء" ولا يتركون مجالاً للشك أو الجدل.
  • في هذه الأثناء، تجنَّدَ المجتمع الإسرائيلي من أجل المجهود الحربي بعد أن فهم بصورة واضحة أنه من الضروري الرد بشن حرب وتدمير التهديد في غزة. إلى جانب ذلك، اندلع الخلاف بشأن أسلوب تحرير الرهائن المحتجَزين في غزة.
  • وشمل هذا الجدل فوارق كثيرة ومعقدة؛ فهناك، عموماً، طرف يريد صفقة "بأي ثمن"، حتى لو كان هذا الثمن وقف إطلاق النار وبقاء "حماس" القوة المسيطرة في غزة، وهناك فريق آخر يرى أن تحرير الرهائن سيكون عبر الجهد الحربي ونتيجة له. ويعكس هذا الخلاف في تقديري وجهتَي نظر عميقتَين بعيدتَين عن النظرية التي كانت سائدة قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر.
  • وينطلق مؤيدو "صفقة بأي ثمن" من افتراض أن "حماس" مهتمة بإطلاق الأسرى الفلسطينيين من السجون، بالإضافة إلى الاستمرار في سيطرتها على الحكم في قطاع غزة، وإن سردية كهذه تسمح لأصحاب هذا الموقف بالتفكير في أن هذه هي الوسيلة لتحرير رهائننا لأنها تصب في مصلحة "حماس"، وتتيح لها تحقيق أهدافها، كما يقول مؤيدو وجهة النظر هذه إنه في الإمكان استئناف القتال ضد "حماس" لاحقاً، ففي رأيهم، الحرب ليست أمراً عاجلاً. وفي الواقع، يعتمد مؤيدو "الصفقة الآن" على منطق عقلاني، لكن هناك مشكلة واحدة؛ هي أن للفلسطينيين منطقاً آخر.
  • يعتقد معارضو الصفقة أن "حماس" ليست مهتمة مطلقاً بالصفقة كهدف، إنما كوسيلة لتحقيق هدف تدمير المشروع الصهيوني، والقضاء على وجود دولة إسرائيل، أو نفي سكانها اليهود، وهذه هي الاستراتيجيا الفلسطينية بصورة عامة، واستراتيجيا "حماس" والجهاد الإسلامي بصورة خاصة، وهذا الأمر معروف وواضح ومكتوب بالأبيض والأسود، ولا يتطلب معرفة اللغة العربية كي نفهمه...
  • لكن كيف يمكن لهدف إطلاق سراح "المخربين" من السجون الإسرائيلية المساعدة في تحقيق هذه الاستراتيجيا؟ هذا لأنه يقوّض الشعور بالحصانة لدى اليهود الإسرائيليين، ويزعزع الثقة في وجود دولة إسرائيل، الأمر الذي، من وجهة نظر "حماس"، يمكن أن يدفع اليهود الإسرائيليين إلى الهجرة الجماعية، وهو ما يسهل لاحقاً القضاء على المجتمع الإسرائيلي.
  • في ضوء ذلك، فإن الصفقة تشكّل خطراً استراتيجياً من الدرجة الأولى، حتى لو حظيت بموافقة "حماس" وأدت إلى تهدئة الوضع في دولة إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي، ولا يمكن أن تتحقق بصورة كاملة، لأن الاحتفاظ برهائن أحياء أو أموات هو أفضل ضمانة لبقاء "حماس" في الحكم في غزة، ويجب أن نذكر مرة أُخرى أن السيطرة على غزة ليست هدفاً في نظرها، إنما وسيلة لتحقيق هدف استراتيجي؛ القضاء على إسرائيل.
  • ... بَيْدَ أن المسألة الأساسية هي: ما الأهم؟ الفرد أم الشعب والمجتمع؟ صفقة الآن أم صفقة في المستقبل عبر الضغط العسكري؟
  • إن التركيز على الفرد يؤدي إلى دعم الصفقة الآن، وتجاهُل نتائجها الممكنة إذا نُفِذَت، كما يمكن أن يؤدي في المستقبل إلى إلحاق الأذى الفعلي بحياة الناس على أيدي "الإرهابيين" الذين سيُطلق سراحُهم...
  • في مقابل ذلك، فإن التركيز على المجتمع يدفع إلى تأييد صفقة عبر الضغط العسكري المتواصل، واستغلال الفرص العملانية الناشئة لتحرير الرهائن الأحياء والعثور على الأموات، وهؤلاء الذين يؤيدون وجهة النظر هذه مستعدون للمخاطرة بحياة وسلامة مقاتلينا في المعركة، وكذلك بحياة الرهائن انطلاقاً من وجهة النظر القائلة إن الأضرار الممكنة للصفقة مستقبلاً تفوق كثيراً الخطر الذي يتعرض له الأفراد في الدولة، سواء أكانوا مقاتلين أم رهائن....
  • طبعاً، كلنا نريد العودة الفورية لكل الرهائن الأحياء منهم والأموات، لكن السبيل إلى ذلك موضع خلافات، والموضوع ليس خلافاً بين طيبين وأشرار، ولا يمكن لأي واحد منا أن يجادل أبناء عائلات الرهائن، ونحن كلنا متعاطفون مع ألمهم، لكن يجب أن نعرف أن العاطفة تعمي البصيرة. إن رغبة الأهالي في رؤية أبنائهم فوراً وَدَفْنِ الأموات في إسرائيل لا تسمح لهم برؤية الواقع بكل وحشيته...