نحن نعيش حالة طوارئ حقيقية، يجب محاصرة الكنيست إلى أن تسقط الحكومة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • تعيش إسرائيل في أزمة متدحرجة ونامية، ولا تزال نهايتها بعيدة، وهي الأزمة الأخطر والأشد التي شهدتها منذ بدايتها. بدأت الأزمة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، عبر ذلك الإخفاق الأفظع في تاريخ الدولة، وهي مستمرة مع الحرب التي يتكشف أنها الأفشل في تاريخنا، نتيجة الشلل الاستراتيجي في قمة الهرم، على الرغم من جهود وتضحيات المقاتلين والضباط.
  • نحن نقف أمام قرار صعب، بين بدائل كلها سيئة، بشأن استمرار القتال في غزة، وتوسيع نطاق القتال في مواجهة حزب الله، ومخاطر اندلاع حرب شاملة متعددة الجبهات، تشمل إيران ومَن يدور في فلكها. يجري كل هذا، وفي خلفيته استمرار الانقلاب على النظام، والذي يسعى لخلق ديكتاتورية دينية، عنصرية، متطرفة قومياً، ميسيانية، وظلامية.
  • هذه الأزمة تتطلب منا حشد كل ما هو طيب وخيّر فينا، وكل قوانا، لكي نعود إلى مسار التعاظم، والنمو، والتنوير، والأمل، وهو المسار الذي سارت عليه إسرائيل في معظم سنواتها. هذا هو الانتصار الحقيقي.
  • في هذه النقطة من الزمن، لا مجال للأخطاء بعد. هناك حاجة إلى النظرة الشجاعة والمباشرة إلى ما يجري لنا، والتدقيق في أسباب ذلك، وهناك حاجة إلى الإصرار على تصويب المسار بسرعة، حتى في ظل المعارضات والتحفظات. سيتطلب الأمر قرارات وشجاعة وأفعالاً من قيادة المعارضة، ومن أعضاء الائتلاف الذين ما زالوا يملكون الشجاعة، ومنا نحن، أي المواطنين جميعاً.
  • نحن نعيش حالة طوارئ حقيقية! إن جوهر الكارثة التي نعيش فيها يتمثل في أن الدولة، حتى في فترة الكارثة، تقودها حكومة ورئيس حكومة غير مؤهلَّين مطلقاً للقيام بواجباتهما.
  • إن المسؤولين عمّا حدث في 7 أكتوبر، والمسؤولين عن إدارة الحرب الفاشلة في غزة، غير مؤهلين لقيادة إسرائيل إلى عهد جديد، مخاطره أكبر. إن القبطان الذي تمكن من إغراق سفينتين، الواحدة تلو الأُخرى، يُحظر عليه تولّي قيادة السفينة الثالثة والأخيرة. هناك حاجة فورية وماسة إلى استبدال هذه الحكومة الفاشلة، وتحديد موعد متفق عليه للانتخابات، أو، بدلاً من ذلك، إعلان حجب ثقة بنّاء، حتى في ظل هذه الدورة البرلمانية، بمعنى:  خلال الأسابيع الخمسة المقبلة.
  • إذا بقيت حكومة الثكل والفشل هذه على رأس عملها، فقد نجد أنفسنا خلال أشهر، بل خلال أسابيع معدودة، عالقين عميقاً في فخ "وحدة الساحات"، حلم قاسم سليماني: قتال في غزة لا ينبئ بوجود حسم واضح، ومواجهة شاملة مع حزب الله في الشمال، وانتفاضة ثالثة في مناطق الضفة الغربية، والحوثيون في اليمن، والميليشيات العراقية في هضبة الجولان، وإيران نفسها، التي عبّرت في هجمتها الصاروخية الأخيرة عن استعدادها للعمل المباشر ضدنا.
  • يجري هذا في الوقت الذي تعيش إسرائيل في عزلة، وفي حالة شقاق بينها وبين الولايات المتحدة، على الرغم من أن هذه الأخيرة هي الدولة الوحيدة التي توفر لنا السلاح والدعم الدبلوماسي الفعّالين. نحن معرضون للتهديد بواسطة محكمة العدل الدولية في لاهاي، وهناك مجموعة الدول التي تسعى للاعتراف بالدولة الفلسطينية، حتى من دون مفاوضات مع إسرائيل، ويشكل هذا المزيج خطراً شبه مؤكد على أمن البلد، ومستقبلاً، يضاف إليه الخطر على مستقبل إسرائيل كدولة ديمقراطية ناجعة.
  • المطلوب اليوم صفقة تبادُل أسرى فورية، حتى لو كان ثمن ذلك الالتزام بوقف الحرب. وتهدئة الأوضاع في الجنوب، وفي الشمال، عبر تسوية سياسية، حتى لو كانت موقتة، بوساطة الولايات المتحدة. وإعادة المهجرين من بلدات "غلاف غزة" والشمال إلى منازلهم، وتجديد مخازن الذخائر والأسلحة، وتوفير ما يكفي للجيش للاستراحة والاستفاقة، وإعادة الاقتصاد إلى النشاط. إذا نجحنا في اعادة الحرارة إلى علاقاتنا مع الإدارة الأميركية، فإن هذا سيتيح لنا تعزيز التطبيع مع السعودية وبلورة قوة عربية تدخل إلى غزة، بدلاً من الجيش الإسرائيلي، لكي تدعم عودة السيطرة المدنية التي سيكون عمودها الفقري جهة فلسطينية، بخلاف حركة "حماس". وكل ذلك إلى جانب الجهد الساعي لوقف صدور مذكرات الاعتقال من لاهاي، والخروج من العزلة الدولية...
  • ولكلّ مَن يتساءل: كيف يمكن وقف الحرب قبل تحقيق "النصر المؤزر"؟ أقول: إننا بعيدون عن إنهاء عملنا في غزة، لا يزال أمامنا سبعة أشهر لفعل ذلك، بحسب تساحي هنغبي، رئيس مجلس الأمن القومي، ولا يزال أمامنا سنوات، بحسب بني غانتس. النصر ليس "على مرمى حجر". وإلى أن نصل إلى تلك النقطة، فسيعود أسرانا في أكفان، أو أن مصيرهم سيكون كمصير رون آراد. نظراً إلى هذه المعطيات، فإن التخلي عنهم مرة أُخرى يعني تدمير القاعدة الأخلاقية للمجتمع والدولة.
  • عبارة "النصر المؤزر" ليست سوى شعار فارغ من المضمون، منذ البداية. وفي ظل قيادة نتنياهو، بتنا أقرب إلى "الهزيمة النكراء". أما بالنسبة إلى وقف الحرب المشروط بالتزاماتنا تجاه الدول، فعلينا أن نتذكر أنه لو قامت حركة "حماس"، أو حزب الله، بتهديد إسرائيل بعد نصف سنة، أو سنة ونصف، بصورة تستوجب العمل، فسيكون في إمكان حكومة ذات سيادة في إسرائيل الانقلاب على التزاماتها الدولية. ينطبق الأمر على أيّ رئيس حكومة مستقبلي. وهو بكل تأكيد ينطبق على نتنياهو نفسه، الذي خرق عدداً لا متناهياً من الالتزامات السياسية والمواثيق الدولية من دون أن يرفّ له جفن.
  • فضلاً عن ذلك كله، فمن لا يوافق على معادلة "نعم، ولكن" لبايدن، مجبر أيضاً على العمل على استبدال الحكومة بأسرع وقت، لكي يتمكن من كبح تدهورنا نحو الهاوية التي وصفتها قبلاً. إن أغلبية الشروط التي ستحقق كبح الكارثة تتوفر في:
  • الاعتراف بهول الإخفاق، احتجاج شعبي، اتساع نطاق فهم الأزمات العسكرية، والاقتصادية، والدبلوماسية، والأخلاقية في مواجهة العالم، وفي مواجهة أخلاقياتنا، أخلاقيات وثيقة الاستقلال، والأهم من ذلك كله: الأزمة التي يعانيها مقاتلونا. إن مَن يتربعون على رأس الهرم القيادي في البلد، أولئك الذين صاغوا قانون التهرب من الخدمة العسكرية، لا يستحقون شجاعة الجنود، ولا التزاماتهم، ولا تضحياتهم.
  • ما ينقصنا هنا هو معارضة قادرة على إضفاء الشرعية على هذه الخطوة، معارضة قادرة على قيادتها. لن تولد هذه المعارضة من الوضع القائم المتمثل في المؤامرات السياسية. الواجب تحققه هنا هو إجراء عاجل، يوضح للمواطنين أن لحظة الحسم جاءت، وأن قادة المعارضة يدركون الأمر ومصرّون على العمل. هناك حاجة إلى وحدة قادة المعارضة: لبيد، وليبرمان، وغانتس، وأيزنكوت، وساعر، وغولان. ويمكننا أن نضيف إلى هؤلاء أيضاً نفتالي بينت، الذي يبدو أنه سيؤدي دوراً رئيسياً في المرحلة المقبلة.
  • عبر مثل هذه الوحدة، سيوضح أعضاء المعارضة التالي: نحن لسنا حزباً، أو حركة، أو كتلة سياسية جديدة. هناك خلافات بيننا بشأن كثير من القضايا، لكن، في ضوء خطورة التهديد المتمثل في استمرار الحكومة ومَن يقف على رأسها، فإننا ندعو الشعب إلى العمل معاً من أجل إسقاط الحكومة. يمكن لهؤلاء الدعوة إلى شلّ الدولة عبر نقابة العمال العامة، ونقابات أرباب العمل، والعاملين في مجال صناعة الهاي -تك، ورؤساء المؤسسات الأكاديمية، والبلديات والمجالس البلدية، والجهاز التعليمي والحركات الشبابية. يجب إطلاق تظاهرات ضخمة في أرجاء الدولة، والزحف نحو الكنيست، ومحاصرته بـ 30 ألف خيمة يعتصم فيها المواطنون بالتناوب، على مدار الساعة، طوال أيام الأسبوع، إلى أن تسقط الحكومة.
  • على هؤلاء أن يقولوا: نحن معكم يا أعضاء الكنيست. سنقوم بشلّ كل مداولة في اللجان البرلمانية، وسنعود فقط إلى مداولة واحدة ووحيدة تنظر في حلّ الكنيست، أو حجب الثقة البنّاء عن الحكومة. معاً سنقف حتى الحسم. وهكذا: سننتصر معاً.
  • فإذا جاء أحد أعضاء المعارضة ليقول إن كل ما سبق مبالَغ فيه، فسأسأله: وكيف سيتم تحقيق الهدف من دون هذا كله؟ ما هي المبالغة عملياً؟ لو تقومون بربع ما كان نتنياهو سيقوم به، لو وقعت "كارثة" السابع من تشرين الأول/أكتوبر في عهد رئيس وزراء آخر، لكانت الحكومة تغيرت منذ زمن بعيد.
  • سيكون هناك مَن يقولون: لماذا علينا نحن بالذات العمل؟ وسأجيبهم: "تحدث الأمور السيئة عندما يصمت الأخيار".
  • وسيُراكِم العقبات آخرون يشغلون مراكز قوة، ويسألون: هل جاء حقاً وقت العمل؟ لهؤلاء سأقتبس من دانتي قوله إن "أسوأ مكان في الجحيم محفوظ لأولئك الذين اختاروا التنحي جانباً، في الوقت الذي كان الحسم الأخلاقي واجباً".
  • إن الإخفاق في إسقاط هذه الحكومة وزعيمها بأسرع وقت ممكن، سيعرّض مستقبل دولة إسرائيل، واحتماليات بقائها، للخطر. لقد حان وقت العمل. لا يوجد وقت أفضل من هذا للانطلاق. لن نغفر لأنفسنا قط، والأجيال المقبلة لن تغفر لنا قط، إذا سِرنا بعيون مفتوحة نحو الهاوية الأخلاقية والتهديد الوجودي الماثل أمامنا. إن الحالمين والمقاتلين من أبناء الأجيال السابقة، والحالمين والمقاتلين من ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي اليوم، يتوقعون منا أن نثوب إلى رشدنا، وأن نتحرك. الأمر في يدنا. وعلينا القيام بالواجب.
 

المزيد ضمن العدد