ماذا وراء تشدُّد "حماس" في مطالبها؟
المصدر
يسرائيل هيوم

صحيفة يومية توزَّع مجاناً وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية. صدرت للمرة الأولى في سنة 2007، مالكها شيلدون أدلسون، وهو من الأصدقاء المقرّبين من بنيامين نتنياهو، وتنتهج خطاً مؤيداً له. ونظراً إلى توزيعها المجاني، فقد تحولت إلى الصحيفة الأكثر توزيعاً في إسرائيل.

  • إن الهدف من المطالب الخمسة التي قدمتها "حماس" في المفاوضات بشأن صفقة تحرير المخطوفين، هو المحافظة على مكانتها كقوة مركزية في قطاع غزة، والسماح لعناصرها بالخروج من مخابئهم، والعودة إلى عملهم العادي من دون خوف من عمليات اغتيال إسرائيلية، وإتاحة الفرصة لترميم قدراتها العسكرية، وتحقيق أرباح سياسية من الحرب في الضفة الغربية.
  • إن هدف إصرار "حماس" على الحصول على ضمانات دولية تفرض على إسرائيل عدم خرق التزاماتها في الصفقة، هو المحافظة على التدخل الدولي في النزاع، وافتراضها أن الضغوط الدولية ستتوجه أساساً إلى إسرائيل، وستخدم في كل مرحلة مصالحها.
  • إن الموقف القائل إن في الإمكان الموافقة على وقف الحرب من أجل تنفيذ الصفقة، وبعد ذلك استئناف القتال بأيّ حجة ممكنة، واستكمال الأهداف، يتجاهل الدينامية التي ينطوي عليها مثلُ هذه الخطوات.
  • الأثمان الأساسية المطلوبة من إسرائيل في الصفقة المقترحة هي: إنهاء الحرب من دون القضاء على "حماس"، ومع إمكان إعادة بناء قدراتها العسكرية في القطاع، وبشروط تسمح لها بتحسين مكانتها أيضاً في الضفة الغربية، وازدياد المخاطر نتيجة انضمام مئات "المخربين" المحررين إلى دائرة "الإرهاب" والقتال، واحتمال لجوء العناصر "الإرهابية" إلى استخدام عمليات الخطف.
  • بالإضافة إلى  ذلك، وعلى صعيد الوعي، ستُعتبر الصفقة نهاية ناجحة للحرب التي "فرضتها" "حماس" على إسرائيل، وفشلاً إسرائيلياً في تحقيق أهداف الحرب، على الرغم من القتال المستمر. إن أيّ قرار تتخذه الحكومة بشأن تأييد الصفقة، أو معارضتها، هو قرار مشروع، بشرط أن يُتخذ بعد نظرة واعية بكل الفوائد والمخاطر المترتبة عليه.
  • رداً على اتهام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن "حماس" بإفشال مساعي التوصل إلى صفقة، عرضت الحركة مرة أُخرى مطالبها الأساسية لقاء تحرير المخطوفين: "اتفاق شامل يعتمد على وقف إطلاق نار نهائي، وانسحاب إسرائيلي من كامل القطاع، وعودة سكان غزة النازحين إلى منازلهم، وإعادة إعمار القطاع، وصفقة جدية لتبادل الأسرى". هذه المطالب الخمسة تدل على الأهداف الاستراتيجية للحركة في "اليوم التالي للحرب".
  • بالنسبة إلى "حماس"، الركيزة الأساسية للصفقة هي الموافقة على إنهاء الحرب التي ستؤدي إلى انسحاب  الجيش إلى خطوط 6 أكتوبر، ومنع إسرائيل من القيام بعمليات اغتيال في غزة. وبهذه الطريقة، يمكن لعناصر الحركة الخروج من الأماكن التي يختبئون فيها، وإعادة تنظيم صفوفهم، واستئناف سيطرتهم، وترميم قدراتهم.
  • وفي الوقت الذي يتم وقف القتال وخروج الجيش الإسرائيلي، يجري تنفيذ بند تحرير المخطوفين في مقابل تحرير "المخربين" من السجون الإسرائيلية، ويسمح للنازحين الغزيين بالعودة إلى القطاع، وتبدأ عملية إعادة الإعمار بتمويل دولي.
  • لن يكون في استطاعة إسرائيل العودة إلى القتال بعد وقفه: ففي ظل هذا الواقع، وبعد وقف تشغيل آلة القتل في الجيش، لن يكون في الإمكان إعادة تشغيلها من جديد والعودة إلى القتال، كأن شيئاَ لم يكن. حتى عندما تحدث خروقات من طرف "حماس"، فإن العالم سيضغط لكي يكون الرد الإسرائيلي محدوداً. ليس العالم فقط، بل سيكون من الصعب، داخلياً، تجنيد التأييد من أجل استئناف الحرب، في ضوء الأثمان والتهديدات والتحديات الأُخرى المطروحة. والمعنى العملي لذلك، هو أن الحرب ستنتهي عملياً، بينما لا تزال "حماس" هي عنصر القوة المركزي في القطاع، ومع إنجازات من شأنها تحسين مكانتها في الضفة الغربية وحيال السلطة الفلسطينية.
  • لن تتخلى "حماس" عن سلاحها: وسيظل لديها ليس فقط الأنفاق التي تبلغ عشرات الكيلومترات، بل عتاد يمكن أن يسمح لها بسرعة استئناف صناعتها المحلية للسلاح. وإذا أضفنا إلى ذلك الوسائل الكثيرة التي ستدخل من أجل إعادة الإعمار المدنية، يمكن التقدير أنه خلال وقت غير طويل، في إمكان "حماس" استكمال النقص في مجال السلاح. وما دامت "حماس" هي الذراع المسيطرة عملياً، لن يكون هناك طرف قادر على مراقبة هذه المخاطر بصورة فعالة  ومنعها، لا الدول العربية، ولا المنظمات الدولية.
  • أمّا فيما يتعلق بالتهريب من سيناء إلى غزة، فمن دون سيطرة  إسرائيلية فعالة على محور فيلادلفيا ومعبر رفح، ستضطر إسرائيل إلى قبول تفاهمات دولية، مع التشديد على التنسيق الأمني مع مصر، وفي هذا المجال، لا تدعو تجارب الماضي إلى التفاؤل حيال المستقبل. علاوةً على ذلك، إن تعاظُم القوة العسكرية الذي يجري بصورة بطيئة، وبعيداً جداً عن الأضواء، سيجعل من الصعب استخدام الضغوط، وهو ما سيسمح بالتأقلم مع الواقع الناشىء بالتدريج.
  • إن عودة سكان غزة هي قبول لوجود الأنفاق في غزة: وجود شبكة أنفاق متشعبة تحت الأحياء في مدينة غزة، يشكل مبرراً لإسرائيل لمنع عودة السكان إلى منازلهم والاستمرار في اعتبار هذه  الأحياء "مناطق قتال". وهذا يمكن أن يُستخدم كأداة ضغط مهمة على "حماس" من السكان الغزيين الذين يطالبون بالعودة إلى الحياة الطبيعية. إن تنازُل إسرائيل عن هذه المسألة لا يلغي فقط أداة الضغط، بل يمكن أن يفسَّر بأنه قبول إسرائيلي لهذا الواقع. وهذا يتعارض مع فكرة نزع السلاح.
  • ستعزز "حماس" قوتها أيضاً في الضفة الغربية وحيال السلطة الفلسطينية: إصرار الحركة على تحرير "مخربين" من الضفة الغربية ضمن إطار الصفقة وعودتهم إلى منازلهم، وليس إلى القطاع، لا يدل فقط على موقع القوة الذي يفاوض زعماء "حماس" من خلاله، بل أيضاً على نية الحركة استخدام تحرير هؤلاء الأسرى من أجل تحسين مكانتها السياسية في الضفة، وفي السلطة الفلسطينية، واستخدام مهاراتها "الإرهابية" من أجل تعزيز البنى التحتية للحركة في هذه المنطقة.
  • في هذه الأثناء، إن ردّ حركة "حماس" على المقترح، أعفى إسرائيل من إجراء النقاش المعمق بشأن تداعيات الصفقة المطروحة. وفي هذه المرحلة، الأصح هو مواصلة وتعميق معالجة البنى التحتية لحركة "حماس"، وزيادة الجهد لضرب السنوار وسائر القادة في الميدان، والعمل على اغتيال قادة "حماس" في الخارج، والذين يشكلون ذراعها السياسية والدعائية والاقتصادية. هم الذين يجعلون "حماس" تنظيماً له نفوذ إقليمي، وإذا لم نتحرك ضدهم، فسيكونون عاملاً مركزياً في إعادة بناء قوة "حماس" في القطاع.
 

المزيد ضمن العدد