هكذا صار حزب الله هو التهديد الرئيسي والأخطر لإسرائيل
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف
  • بدأت حرب "السيوف الحديدية"، من وجهة نظر إسرائيل، كحدث كارثي في إطار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ولقد تبددت، خلال أيام قليلة، المخاوف التي سادت المنظومة الأمنية الإسرائيلية، والتي تتمثل في أن الهجوم الفظيع الذي نفذته حركة "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر لم يكن سوى المرحلة الأولى في هجوم منسق بين كل من حزب الله و"حماس" وإيران على إسرائيل، وقد حدث ذلك لأسباب عديدة، منها قوات الاحتياط التي تم إرسالها بصورة عاجلة إلى الحدود الشمالية لتكبح أي نيات لـ"محور المقاومة الشيعي" لاستغلال الفرصة وتعميق الأضرار اللاحقة بإسرائيل.
  • لذلك، فقد بدأت الحرب وهدفها الأساسي، من وجهة نظر إسرائيل، هو إسقاط حركة "حماس" عسكرياً وسلطوياً، وتحرير المختطَفين الأحياء والأموات. وقد اعتُبرت الهجمات التي أطلقها حزب الله في الشمال، والحوثيون في الجنوب، أحداثاً ثانوية وإسنادية لحركة "حماس"، وذلك من أجل إجبار إسرائيل على توزيع قواتها إلى 3 ميادين (تشمل الضفة الغربية). وقد تمثلت وجهة النظر الإسرائيلية الاستراتيجية في ضرورة هزيمة "حماس" عسكرياً ومدنياً في قطاع غزة، وبعدها يتم ردع حزب الله أيضاً، بحيث يتم إجباره على قبول تسوية سياسية تُبْعِد قوات الرضوان وصواريخه المضادة للدروع عن الحدود الإسرائيلية إلى حدود نهر الليطاني تقريباً، وهي مسافة تبلغ في المعدل نحو عشرة كيلومترات.

حرب إقليمية شاملة

  • لكن، وعلى مدار الأشهر الماضية، وخصوصاً منذ الهجوم الإيراني على إسرائيل في نيسان/أبريل، انقلبت الآية؛ إذ تحولت الحرب من حدث فلسطيني إسرائيلي شديد العنف، بل أيضاً مصيري، إلى حرب إقليمية كاملة، ستصبح نتائجها شديدة الأهمية من ناحية استراتيجية أمنية، ووجودية أيضاً بالنسبة إلى إسرائيل ومواطنيها. وعلاوة على ذلك، فقد صار حزب الله، الذي يشكّل رأس الحربة الإيرانية، مؤخراً التهديد الرئيسي الذي يتعين على إسرائيل إزالته بصورة عاجلة، ليس فقط لأنه تمكّن من إخلاء منطقة شمال الجليل من سكانها، وزرع الدمار والحرائق في تلك المنطقة، بل أيضاً لأنه يحتجز الآن نحو 50,000 رهينة إسرائيلية غير قادرة على العودة إلى منزلها طالما لم يسمح نصر الله أو خامنئي لهم بذلك.
  • وقد انقلبت الآية من ناحية عسكرية أيضاً؛ فبينما الجيش الإسرائيلي بات قريباً من تركيع قوة "حماس" العسكرية، وتقويض قدراتها المدنية بصورة كبيرة، عبر اجتياح القطاع، إلى جانب نجاحه في الضفة الغربية بواسطة النشاط العنيف في الحؤول دون اندلاع انتفاضة، فإن الجيش يخفق في الجبهة الشمالية تقريباً في تحقيق أي هدف استراتيجي مهم، ناهيك بتحقيق هدف يدفع حزب الله إلى طلب وقف إطلاق النار. وبالعكس من توقعات الجيش، فإن مظاهر الدمار والخراب في القطاع لا تفلح في ردع التنظيم اللبناني ولا رعاته الإيرانيين، والدليل على ذلك أن الحزب يقوم بتصعيد رده الناري رداً على كل ضربة مؤلمة توجهها إسرائيل، بل أيضاً إن حكام طهران الذين يمتازون بالحذر والحيطة لم يرتدعوا عن توجيه ضربة من الصواريخ والطائرات المسيّرة الهائلة والمباشرة نحو إسرائيل، وهو ما امتنعوا منه على مدار أكثر من عقد شهد قتالاً من نوع "المعركة التي بين الحروب".
  • إن المغزى الاستراتيجي واضح هنا: إن لم تحسم إسرائيل المواجهة في الشمال بصورة واضحة تعيد قوة الردع، ليس فقط تجاه حزب الله، بل أيضاً تجاه إيران، فمن شأننا أن نكون خلال أعوام معدودة في مواجهة هجمات متكررة تهدف إلى استنزاف إسرائيل عسكرياً، ونفسياً، ودفْعها إلى الانهيار من الداخل. وهذا التوجُه سيصبح أشد حينما تملك إيران بعد وقت ليس ببعيد سلاحاً نووياً أو قدرة على إنتاج سلاح كهذا خلال أسابيع معدودة. خلاصة القول هي أن على إسرائيل أن تغير أهداف الحرب؛ فتركيع حركة "حماس" عسكرياً وتحرير المختطَفين لن يكونا كافيَين، فقد صارت الجبهة الشمالية في هذه اللحظة هي المهمة، ولن يكون كافياً أن نعيد الوضع إلى سابق عهده هناك، ونصلي من أجل أن تصدأ صواريخ حزب الله وطائراته المسيّرة مع مرور الوقت.

لن يكون توقيع معاهدة كافياً

  • إن الحالة التي شكّلها حزب الله على مدار الأشهر الماضية في الشمال تتطلب أيضاً إحداث تغيير جوهري في ترتيب الأولويات الأمنية وأهداف الحرب، فإبعاد الحزب عن الحدود إلى مسافة عشرة كيلومترات، أو حتى أكثر من ذلك، في ظل عدم ارتداع حزب الله أو الإيرانيين، لن يغير شيئاً على صعيد التهديد الاستراتيجي في جنوب لبنان. كما أن التوقيع على معاهدة محلية في جنوب لبنان، حتى لو فرضها الجيش الإسرائيلي بصرامة على الحزب، وحتى لو قام الجيش بإقامة منظومة دفاعية هائلة على الحدود الشمالية، فإن هذا كله لن يزيل التهديد الحقيقي المتمثل في حرب شاملة، ولن ينقذنا من ترسانة الصواريخ والمسيّرات الهائلة التي يملكها كل من الحزب وإيران. نعم، لقد أدخلت الحرب الراهنة إيران المعادلة الشمالية، ولذا، فإن أي تسوية دبلوماسية، أو بدلاً من ذلك، معركة عسكرية محدودة في الشمال تشمل اجتياحاً برّياً، لن تشبه سوى محاولة علاج مرض سرطان متفشٍّ ومزمن بحبة أسبرين.
  • لقد تمكن حزب الله وإيران، على مدار الأشهر الأخيرة، من مراكمة الثقة بالنفس، والحوافز من أجل مواصلة استنزاف إسرائيل، وإذا لم نتمكن، بمساعدة الولايات المتحدة، والجهات السنية المعتدلة في الإقليم، من لجم إيران وحزب الله وسائر التنظيمات التابعة، فسنكون منذورين خلال وقت قريب لهجمات تشبه ما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
  • وبكلمات أبسط؛ إن الحسم في قطاع غزة لن يكون كافياً، والمطلوب هو تحقيق نصر استراتيجي في هذه الحرب المتعددة الجبهات التي نخوضها، ولن يمكن لإسرائيل تحقيق نصر كهذا وحدها، وعليها أن تستعين بالولايات المتحدة، وأن تنسق خطواتها معها، ومع دول الإقليم المؤيدة للغرب، وذلك لكي تتمكن من استعادة جزء كبير من الشرعية التي فقدتها على مدار أشهر الحرب المكثفة في قطاع غزة.
  • كيف سيبدو تحقيق نصر استراتيجي في حرب إقليمية؟
  • أولاً: إعادة المختطَفين إلى إسرائيل، سواء بواسطة صفقة أم بواسطة اجتياح برّي هائل وسريع إلى المناطق الرئيسية في القطاع، بما يحقق ضربة خطِرة إضافية لمقدرات حركة "حماس" العسكرية ومنظومة أنفاقها، ويشكل ورقة ضغط على السنوار.
  • ثانياً: هناك حاجة إلى تنفيذ خطوة أُخرى في قطاع غزة، تتمثل في تدمير الأنفاق التي لا تزال تحت محور فيلاديلفيا، والتوصل إلى اتفاق مع مصر يضمن إغلاق المنطقة الحدودية، وتشغيل معبر رفح.
  • ثالثاً: وهو ما يجب تنفيذه في قطاع غزة، إمّا بعد تنفيذ صفقة تبادُل الأسرى وإمّا خلالها، أو بدلاً من ذلك، عبر مناورة عسكرية هائلة وسريعة إضافية في القطاع، تتمثل في التوصل إلى تسوية لإدارة شؤون القطاع المدنية، باستخدام المساعدات الأميركية، وبمعونة الأمم المتحدة والدول العربية المعتدلة، وبمشاركة قوة سلام دولية. وفي نوع كهذا من التسويات، يتعين على إسرائيل ضمان الاحتفاظ بتفوقها الاستخباري وحرية تحركها العسكري في أراضي القطاع.
  • ينبغي أن يتمثل الهدف الرئيسي وراء الحرب في إنشاء الردع على الحدود الشمالية، وتشكيل حالة أمن محسنة في الشمال والجنوب، تتيح لسكان غلاف غزة والحدود اللبنانية العودة إلى منازلهم، وهم يعلمون بأنهم آمنون من اجتياح برّي أو قصف مباشر لبلداتهم. ويتعين على كل من الجيش، وجهاز الشاباك، والأذرع الأمنية الإسرائيلية الأُخرى، أن يكونوا قادرين من جهة بنيتهم أو معداتهم على فرض التسويات التي يتم الاتفاق عليها في الجنوب والشمال، وبالقوة لو تطلب الأمر، ويتحقق ذلك إمّا نتيجة لتسوية سياسية، وإمّا بعد إجراء عسكري هائل إضافي. والهدف الأهم في هذا السياق ألاّ تتمكن حركة "حماس" من استعادة قدراتها العسكرية، وألاّ يتمكن حزب الله من استعادة وتعزيز القدرات العسكرية التي يمتلكها اليوم.
  • على الحدود الشمالية: إذا قدّر الجيش الإسرائيلي والمنظومة الأمنية أنه يمكن، خلال وقت غير طويل، هزيمة حزب الله بواسطة هجوم شامل، جوي وبري على جميع أراضي لبنان، فينبغي القيام بذلك الآن، حتى لو اضطرت الجبهة الداخلية الإسرائيلية إلى تلقّي رشقات ثقيلة وهائلة من الصواريخ والمسيّرات على مدار بضعة أسابيع، ولا يُفضّل أن يحدث هذا بعد عامين أو ثلاثة، حين يصبح لدى حزب الله عدد أكبر من الصواريخ الدقيقة الإصابة، ولدى إيران ربما سلاح نووي، وهو ما يضطر سكان الشمال مجدداً إلى الهجرة بعد أن يكدّوا في بناء ما هدمته الحرب الراهنة.
  • وإذا توصّل الجيش والمنظومة الأمنية إلى استنتاج فحواه أن إسرائيل لن تكون قادرة على تقليص تهديد الصواريخ والمسيّرات التابعة لحزب الله، والصمود في وجه هجوم إيراني إضافي، فمن المفضل الوصول الآن إلى اتفاقية حدودية مشابهة للقرار رقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن، الذي أنهى حرب لبنان الثانية، كما يتوجب علينا تزويد الجيش بما يكفي من ذخائر وأسلحة بصورة تتيح له مواجهة التهديد من جانب إيران وحزب الله بنجاح وخلال وقت قصير، وهو هجوم قد يحدث في غضون سنوات قليلة.
  • كما ينبغي علينا أن نضع في حسباننا اعتباراً آخر؛ وهو التنسيق مع الأميركيين، إذ من غير المقبول أن تدخل إسرائيل حرباً شاملة في الشمال من دون ضمان المساعدات الأميركية من جميع الأصناف إليها، ولا أتحدث هنا فقط عن مساعدة سياسية ولوجستية، بل أيضاً مساعدة في اعتراض رشقات الصواريخ والمسيّرات التي ستوجَّه إلينا من إيران والأراضي اللبنانية. وعلينا أن نتذكر أيضاً أن حرباً شاملة للقضاء على تهديد حزب الله ستستوجب اجتياحاً عميقاً للأراضي اللبنانية، إلاّ إن هذا الاجتياح ينبغي أن يكون إبداعياً، وماكراً، وجريئاً، بصورة تضرب النقاط الأكثر حساسية لدى حزب الله والمحور الشيعي الراديكالي. ومن ينصحون بضرب شبكات الكهرباء، والماء، والمواصلات في لبنان، يفوّتون الأهداف الحقيقية، التي من المفضل عدم التحدث عنها الآن.
  • علينا أن نتذكر أن لبنان هو بلد فاشل أصلاً، تتوفر فيه الكهرباء عبر مولدات منزلية، وجميع بناه التحتية أصلاً مدمرة أو آيلة إلى السقوط. ينبغي ألاّ توجَه الضربة إلى لبنان كدولة، فهذه الدولة في حالتها الراهنة أقرب إلى العصر الحجري أصلاً، إنما يجب توجيه الضربة إلى ما سيؤلم نصر الله والإيرانيين، ويدفعهم على الأقل إلى تأجيل (إن لم يكن إلغاء) نياتهم بإبادة إسرائيل بواسطة حرب استنزاف متواصلة.

علينا احتضان الولايات المتحدة

  • هناك هدف آخر ينبغي تحقيقه، وهو دمج إسرائيل في إطار تحالف ونظام دفاعي إقليمي سني موالٍ للغرب، مع دمج الولايات المتحدة فيه، وهو ما سيشكل ثقلاً موازناً لتهديد محور المقاومة الإيراني. إن تطبيع العلاقات مع السعودية هو أمر مرغوب فيه، لكنه ليس ضرورياً لأمننا الوجودي، إلاّ إن دمج إسرائيل في منظومة دفاعية إقليمية تقودها الولايات المتحدة في مواجهة منظومات المحور الشيعي الراديكالي الذي تقوده إيران هو ضرورة أمنية.
  • إن تحقيق هذه الإنجازات يتطلب اتفاقاً وتنسيقاً مسبقاً مع الولايات المتحدة، وينبغي لنا هنا أن نقول بوضوح ومن دون تردد أن إسرائيل لن تتمكن من تحقيق نصر، ولو جزئي، في الحرب الإقليمية الاستراتيجية، التي نعيش الآن ذروتها، من دون شراكة وتدخل نشيط من جانب الولايات المتحدة. وإن رئيس الحكومة، الذي سينطلق عما قريب لكي يلقي خطاباً أمام كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ الأميركيَين، عليه أن يضع نصْب عينيه تجديد التحالف الوثيق بيننا وبين صديقتنا الواقعة خلف المحيط، وأن يضع أدق تفاصيلها على رأس سلّم أولوياته. إن خطاب نتنياهو في الكونغرس مهم، لكن الأهم هو التوصل إلى تفاهمات واضحة وملزمة مع الأميركيين بشأن استمرار إدارة الحرب، حتى لو تطلّب الأمر من جانب إسرائيل تنازلات مؤلمة تعرّض سلامة الائتلاف الحكومي الذي يقوده نتنياهو الآن للخطر، ومن المقبول افتراض أن المعارضة ستوفر لنتنياهو شبكة أمان فيما لو توصل إلى تفاهمات في واشنطن، تتيح لنا تحقيق نصر استراتيجي في هذه الحرب.