حزب الله يمكن أن ينتظر. حان الوقت للحد من الخسائر ووقف الحرب
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

  • لقد جرى إجلاء عشرات الآلاف من السكان من عشرات المستوطنات منذ 8 أشهر، وهناك نحو 100,000 آخرون يعيشون تحت التهديد المتواصل لإطلاق الصواريخ والمسيّرات من لبنان، والحقيقة المُرَّة هي أنه حتى بعد 8 أشهر من حرب الاستنزاف على الحدود الشمالية، فإنه ليست لدى الحكومة أي فكرة بشأن ما يجب أن تفعله.
  • وفي الواقع، فإن المستوى السياسي لم يضع أهدافاً للجيش الإسرائيلي في هذه الجبهة باستثناء المطالبة بالمحافظة على وضع "محمول"، والأمر الوحيد الذي يسمعه مواطنو إسرائيل من حكومتهم هو شعارات طفولية وفارغة كـ"’الإرهاب‘ نقضي عليه فقط بالقوة." ومن جهته، فقد صرّح حزب الله أنه سيواصل القتال ما دامت الحرب في غزة مستمرة، الأمر الذي يجعل مساعي الوساطة للإدارة الأميركية والموفد الخاص، عاموس هوكشتاين، غير مفيدة في الوقت الحالي.
  • إن دولة إسرائيل كدولة ذات سيادة لديها واجب أخلاقي، وهو إعادة الأمان إلى مواطنيها من أجل العيش في منازلهم. واستمرار الوضع الحالي لا يمكن القبول به، ويمكن أن يؤدي إلى تخلٍّ طويل الأمد عن هذه المنطقة من البلد. لكن ماذا يمكننا أن نفعل؟
  • على المدى القصير؛ إسرائيل أمام خيارَين مركزيَين: صفقة مخطوفين تنهي الحرب في الجنوب، ويمكن أن يتبع ذلك إنهاؤها في الشمال أيضاً، لكن مع إنجازات سياسية محدودة (تواصل "حماس" العمل في قطاع غزة وحزب الله في جنوب لبنان، في ظل تآكل قوتهما العسكرية ونفوذ سياسي محدود، وكذلك بالنسبة إلى إسرائيل). أمّا الخيار الثاني، فهو استمرار الحرب في غزة ودخول حرب وعملية برّية في لبنان.
  • مبدئياً، الحرب ضد حزب الله هي حرب محقة تماماً، فقد اختار حزب الله، بصورة استباقية، الانضمام إلى دائرة القتال بعد أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر من دون أن يتعرض لهجوم من إسرائيل أولاً، لكن ليس من الحكمة أن تفعل إسرائيل ذلك في الأوضاع الحالية، وذلك أولاً، لأنه بعد 8 أشهر من القتال في غزة، بالإضافة إلى هجمات من طرف دول أُخرى في الشرق الأوسط، فقد أصبحت إسرائيل والجيش منهكَين، وفي حاجة إلى التقاط أنفاسهما. كما أن الجيش الإسرائيلي الذي خطط طوال سنوات لحروب قصيرة وقوية وجد نفسه في مواجهة حرب طويلة أدت إلى تآكل منظومته القتالية، وخصوصاً منظومة الاحتياط، وقد ازدادت الفجوة في الميزانية الإسرائيلية وتجاوزت، خلال الربع الأول من السنة، عجز العام كله. والموارد شحيحة وتتضاءل، ودخول حرب في لبنان يمكن أن يؤدي إلى أضرار واسعة النطاق في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وشلّ الاقتصاد، وسيزيد تضاؤل الموارد.
  • ثانياً، كما حذّر هوكشتاين نتنياهو، فإن حرباً ضد حزب الله يمكن أن تؤدي إلى هجوم إيراني واسع النطاق سيكون من الصعب على إسرائيل مواجهته، فحزب الله ليس ذراعاً لإيران، إنما هو شريك استراتيجي لنظام الملالي، وإذا اعتقد الإيرانيون أن حزب الله يوشك أن يتعرض لضربة قوية، فمن الممكن أن يضعوا كل ثقلهم من أجل دعمه، وستجد إسرائيل نفسها في خضم حرب إقليمية شاملة، وفي أوضاع سيئة جداً بالنسبة إليها.
  • ثالثاً، والأخطر من كل شيء، فإن الحرب ستكون خطأً فادحاً في التوقيت الحالي، لأن الحكومة الحالية تعمل في ضوء نظرية القوة الطفولية التي توجه اليمين، والتي يروج لها، والقائلة إن استخدام القوة فقط يحقق الأمن، وهذه النظرة التي تتسبب بخسارتنا في غزة ستؤدي إلى خسارتنا في لبنان أيضاً. لقد استخدمت إسرائيل قوة غير مسبوقة في غزة، وضحّت بحياة مئات الجنديات والجنود، وعدد غير معروف من المخطوفين من مواطنيها، ولا تزال "حماس" صامدة. لقد فشلت سياسة حكومة اليمين، وهذا الفشل سيستمر، فالقوة العسكرية من دون تبصُّر استراتيجي لا يمكن أن تنتصر في الحرب.
  • وفي الواقع، وحتى في ظل الحكومة الحالية المذعورة، فإنه في إمكان الجيش الإسرائيلي السيطرة على أراضٍ في الجنوب اللبناني حتى نهر الليطاني، لكن كما هو الوضع في قطاع غزة، فإنه ليست لدى الحكومة خطة لتحوّل هذا الإنجاز العسكري إلى أداة لتحقيق الأمن على المدى البعيد، وسنواصل سماع الدعوات الجوفاء نفسها من دون استراتيجيا واضحة للخروج من الحرب، وسنجد أنفسنا في وضع نضطر فيه إلى الانسحاب من دون إنجازات، أو أن نقيم مجدداً منطقة أمنية في جنوب لبنان ستدفع إسرائيل أثمانها الباهظة. إن إدارة منطقة أمنية في جنوب لبنان بينما الجيش الإسرائيلي غارق في حرب استنزاف في غزة، والوضع في الضفة الغربية يتصاعد، مع التهديد الإيراني الذي يحوم فوق هذا كله، وهذا كله أكبر من هذه الحكومة.
  • لذلك، فإنه لا يوجد خيار آخر، وكي لا يصبح وضعنا الصعب والمؤلم أسوأ بأضعاف الأضعاف، فإنه يتعين علينا الحد من الخسائر، والسعي لنهاية سريعة للقتال في الشمال. وفي الأوضاع الحالية، فإن الطريق الوحيد لذلك هو الدفع بصفقة مخطوفين مع "حماس" تنهي الحرب في غزة من دون القضاء بصورة كاملة على الحركة، وهذه رسالة من الصعب إرسالها إلى الجمهور الإسرائيلي الذي لا يزال تحت صدمة 7 تشرين الأول/أكتوبر، والحرب التي جاءت بعدها. لكن عندما نأخذ في حسابنا كل الفرص والمخاطر، يجب أن نعترف بحقيقة أن هذه هي الرسالة الوحيدة، ومن المهم أن نسمعها من المعارضة ومن الاحتجاج.
  • وعلى الرغم من محاولة اليمين أن يصور إنهاء الحرب على أنها هزيمة، فإنها ليست كذلك، فوقف القتال سيؤدي إلى تغييرات ليست بهزيمة، كما أن الاستعداد مجدداً لمواجهة تحديات مستقبلية هو أكثر أهمية من العلاقات العامة التي تقوم بها حكومة فقدت شرعيتها الجماهيرية. ومن الممكن في المستقبل غير البعيد أن نضطر إلى استخدام القوة العسكرية ضد إيران التي تقترب من التوصل إلى سلاح نووي، أو ضد محور المقاومة الذي بنته حولنا. لكن يمكننا أن نفعل هذا فقط مع حكومة كفوءة لديها نظرة أمنية مسؤولة وبراغماتية، وتحظى بتأييد دولي، أمّا الحكومة الحالية، فهي تفعل كل شيء لتخسره. حينها فقط، سنستحق ثمن الدماء الذي ندفعه. والآن، حان وقت الحد من الخسائر ووقف القتال والتركيز على تغيير الحكومة.