يجب على إسرائيل الانسحاب من قطاع غزة فوراً، تحسباً من وقوع حرب لا مفر منها في الشمال
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

  • إن هذه الحرب تسير بصورة سيئة، وتتنقل من تأجيل إلى تأجيل، وهي حرب تطول، ولا نهاية لها تلوح في الأفق، ومن الممكن جداً أن هذا الأمر يلائم مصلحة بنيامين نتنياهو، أمّا مصلحة دولة إسرائيل، فهي معاكسة؛ وهي إنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن.
  • ... وقد راكم التدهور الحاد في مكانتنا الدولية، ابتداءً من الإجراءات التي اتخذتها دولة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، زخماً هائلاً، وكانت المذكرات الصادرة عن محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل في البداية شديدة القسوة، لكنها على الرغم من ذلك، فإنها تظل معتدلة مقارنة بتلك التي صدرت عنها فيما بعد. ولقد انضم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى الحفلة حين طالب بإصدار مذكرات اعتقال ضد كل من نتنياهو وغالانت، وقد تمّت هذه الإجراءات في انتهاك واضح للصلاحيات، لكن هذه الحقيقة لن تعزّينا.
  • كما اعترفت سلسلة من الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية غير الموجودة، واندلعت تظاهرات حادة، بعضها عنيف، دعماً لحركة "حماس" وضد إسرائيل في عدد من الجامعات وخارجها في الولايات المتحدة وأوروبا، فضلاً عن أن هناك بوادر مثيرة للقلق تشير إلى إمكانات مقاطعة إسرائيل على الصعيدَين الأكاديمي والتجاري، وكان أبرزها فرض المقاطعة الفرنسية على مشاركة الشركات الأمنية الإسرائيلية في المعرض الأمني الذي عُقد في فرنسا، بينما تقوم الولايات المتحدة نفسها بتأخير إرسال شحنات الذخيرة إلى إسرائيل، في الوقت الذي تلقي باللائمة على حركة "حماس" بسبب عدم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإعادة المختطَفين.
  • وفي الوقت نفسه، فإن قدرة الردع الإسرائيلية تتآكل، وجرأة حزب الله تتعاظم، وهجماته تشتد، والجليل بِأَسْرِهِ تحوَّل إلى وقود للنار، إذ اضطر كثير من سكانه إلى هجر منازلهم. وفوق ذلك كله، فإن استمرار القتال يكبّدنا خسائر مؤلمة للغاية، وصار الثمن الاقتصادي للحرب، يوماً بعد يوم، أكثر تكلفة.
  • يمكننا القول إن وضعنا السياسي والعسكري في كانون الثاني/يناير من هذا العام (أي بعد نحو 3 أشهر من اندلاع الحرب) كان أفضل بما لا يُقاس من وضعنا اليوم. ومنذ ذلك الحين، فقد تدهورت الأوضاع من سيئ إلى أسوأ، وباتت حركة "حماس" تشعر بأنها هي المنتصرة، وصارت تسعى لإملاء شروط أكثر تشدداً مما تصورت في السابق. أمّا الولايات المتحدة التي تمثل قوتنا الكبرى وداعمنا الرئيسي، فهي الآن تناشد حركة "حماس" للموافقة على صفقة بعيدة المدى، وهي صفقة تقول الإدارة الأميركية إن إسرائيل هي التي اقترحتها، بينما ترفض "حماس" الصفقة، فتحشد الولايات المتحدة مجلس الأمن بالكامل للانضمام إلى حملة التوسلات التي تقوم بها، إلاّ إن الحركة تصر على رفضها على الرغم من كل شيء.
  • وبهذه الصورة، فقد بات من الضروري طرح الأسئلة بشأن طريقة إدارة الحرب، وغياب الفهم القائل إن إنهاءها ضروري، أو على الأقل إنهاء الجزء الرئيسي منها، في أقرب وقت ممكن. كيف لم يدرك جماعتنا حتى الآن أن الحالة الإنسانية في القطاع سترتد علينا فوراً. كانت هناك إشاعات فحواها أن المسؤولية عن تأخير العملية في رفح معلقة بناصية كل من آيزنكوت وغانتس، لكن الأخير، وهو شخص محنك وأمين، قال مؤخراً إن نتنياهو هو الذي تسبب بتأجيل العملية في رفح، بينما ينفي نتنياهو ذلك، ولربما يجد من يصدقون كلامه.
  • في الواقع، فإن أحد أهم الأسئلة يتمثل فيما إذا كانت إدارة هذه الحرب قد عُهد بها إلى الأشخاص الجديرين والمناسبين حقاً، فالمسؤول الأول عن إدارة الحرب هو نتنياهو، وهو نفسه المسؤول الأول عن إخفاق 7 تشرين الأول/أكتوبر والانحطاط الذي يمثله ذلك التاريخ، وهو من اخترع "الافتراض" القائل إنه ينبغي تعزيز سلطة "حماس" في قطاع غزة ودفع الخُوَّة إليها، وهو يقود الحرب في ظل تضارب مصالح، محاولاً إلقاء المسؤولية على كاهل آخرين، والتنصل من المسؤولية عن الحدث الفظيع.

الاضطرار إلى الاختيار بين السيئ، والكارثي

  • لقد نشر نجل نتنياهو، من مكان إقامته في ميامي، مقطع فيديو السبت الماضي، أكد فيه أن غانتس هو المسؤول عن الافتراض الخاطئ، وهو من عيّن المسؤولين الثلاثة عن الإخفاق: رئيس هيئة الأركان، ورئيس الشاباك، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية.
  • ويطرح مقطع الفيديو المذكور، ولربما عن غير قصد، تساؤلاً بشأن عدم حرص نتنياهو على إقالة هؤلاء المسؤولين الثلاثة حينما تولى الحكم في الانتخابات اللاحقة، إلى جانب كونه مسؤولاً عن إسناد إدارة الحرب إلى هؤلاء الفاشلين. والإجابة المفهومة ضمناً هي أن نتنياهو قد استبعد نفسه عن توجيه الاتهامات نحو الآخرين بالإخفاق، بعد أن رفض الاعتراف بفشله الفادح في إطار إعلانه أن مسألة المسؤولية عن الإخفاق لن يمكن استيضاحها إلاّ عبر لجنة تحقيق سيتم تشكيلها حينما تنتهي هذه الحرب، والتي لا نرى لها نهاية.
  • إن الحل اللائق، في دولة ديمقراطية تُدار كما يجب، هو أن يوضح أعضاء حزب رئيس الحكومة بأن عليه الاستقالة، واختيار عضو آخر من الليكود ليحل محله، وهو بكل تأكيد لن تكون لديه مشكلة في تشكيل حكومة وحدة وطنية تقف صفاً واحداً وراءه (على الرغم من أن نتنياهو يدعو إلى الوحدة الوطنية، لكن مسؤوليته الشخصية عن الإخفاق، والتعامل معه من جانب قطاعات واسعة من الشعب، يحول دون ضمان هذه الوحدة).
  • وفي أي حال، فقد ظل نتنياهو في منصبه، وهذا ما أدى، حتماً، إلى بقاء المسؤولين الآخرين في المنظومة الأمنية، على الرغم من أنهم تحملوا مسؤولية ما حدث، وبعضهم استقال، أمّا الباقون، فسيقومون بالأمر لاحقاً. أمّا نتنياهو، فهو حتى لا يحلم بالاستقالة، إذ يدّعي أنه غير مسؤول عن الإخفاق، وأن موضوع المسؤولية سيتّضح عبر لجنة التحقيق، هذا إذا تم تشكيلها أصلاً في يوم من الأيام، وإن تشكلت، فلا أحد يعلم ما الذي سيتم تكليفها بالتحقيق فيه.
  • وكما هو معروف، فإن الموضوعات التي يوكل التحقيق فيها إلى لجنة التحقيق تحددها الحكومة، وهكذا، فإنه يمكن ألاّ تحقق اللجنة في تقديم الدعم المالي إلى حركة "حماس"، وهو أمر ثابت على نتنياهو، أو في الخُوّات التي كان يتم دفعها إلى حركة "حماس"، أو في صفقة شاليط، التي تم في إطارها إطلاق سراح أكثر من 1000 من "المخربين" (وضِمنهم يحيى السنوار، الذي يقود الحرب ضدنا اليوم)، أو في إخفاق 7 تشرين الأول/ أكتوبر، أو طريقة إدارة الحرب، أو تأجيل الاجتياح البرّي لرفح، وغيرها.
  • يمكننا أن نرى مثالاً للوقت الذي تستغرقه لجان التحقيق في العمل، في لجنة الغواصات والسفن التي يرأسها الرئيس الأسبق لمحكمة العدل العليا، القاضي آشر غرونيس، وهو أحد أنجع قضاة إسرائيل. ولقد تم تشكيل هذه اللجنة قبل أكثر من عامين، بهدف التحقيق في أحداث جرت سنة 2015، أي قبل 9 أعوام، وحتى الآن، لم تنهِ هذه اللجنة عملاً. إن الموضوعات الموكلة إلى هذه اللجنة بالتحقيق فيها أصغر كثيراً من تلك التي ستوكل بها لجنة تحقيق في الحرب ضد حركة "حماس"، وهذا يكفي لفهم جدول الأعمال الممكن للجنة التحقيق العتيدة، والتي لا يزال الغموض يكتنف التفاصيل بشأنها، أو حتى بشأن مسألة إقامتها من عدمها.
  • في أي حال، علينا الآن أن نركز على ما هو مهم؛ إنهاء الحرب الدائرة في قطاع غزة في أقرب وقت ممكن. وإن الانتصار في هذه الحرب لا يعني القضاء المبرم على حركة "حماس"، إنما يعني استعادة الأَسرى، وإنهاء حُكم حركة "حماس" في قطاع غزة، وإحلال نظام آخر محلها. وللأسف الشديد، لن يمكن إقامة نظام كهذا إلاّ بالتعاون مع السلطة الفلسطينية، وليس هذا حلاً ممتازاً، لكنه ما زال يترك لإسرائيل إمكان تحديد شروط محددة وملزمة للسلطة الجديدة في قطاع غزة (كان إمكان حدوث ذلك أفضل كثيراً قبل بضعة أشهر، لكن الفرصة لتحقيق الأمر آخذة في الضيق والتلاشي مع مرور الوقت، ومع تدهور وضعنا في الحرب).
  • إن الخيار المطروح أمام إسرائيل ليس خياراً بين جيد وأفضل، إنما هو بين السيئ والكارثي؛ فبقاء حركة "حماس" في السلطة يُعد كارثة استراتيجية، وإحلال السلطة الفلسطينية، بالتعاون مع آخرين، مكان حركة "حماس"، في ظل شروط تحدَد في معاهدة دولية، هو حل أقل سوءاً كثيراً من الخيار الأول، ويمنحنا فرصة معينة لتحسين أوضاعنا لاحقاً.
  • وإن تحقيق الهدوء في الجنوب، وصولاً إلى إسكات جميع الجبهات هناك (على الرغم من إمكان قيام إسرائيل بعمليات اغتيال على غرار ما يحدث في الضفة الغربية)، سيغير مكانة إسرائيل الاستراتيجية تماماً. وعلينا أن نأمل أن يؤدي هذا الأمر إلى تسوية في الشمال، وأن يحول دون الحاجة إلى التورط في حرب شاملة إضافية ينبغي على إسرائيل بكل تأكيد تلافيها. وفي أي حال، فإن لم يكن هناك مفر في المستقبل من خوض حرب في الشمال، فمن المفضل أن تُخاض هذه الحرب بعد أن تنهي إسرائيل قتالها في قطاع غزة، حين تُسكت هذه الجبهة تماماً.
 

المزيد ضمن العدد