الفئة التي تتحمل الأعباء محبطة ولن تكتفي بعملية تجنيد رمزي للحريديم
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • وصلت أمس أنباء قرار المحكمة العليا بشأن تجنيد طلاب المعاهد الدينية اليهودية إلى جنود الاحتياط الذين يخدمون في مركز قيادة أحد قادة الألوية النظامية في الجيش الإسرائيلي - على الحدود اللبنانية، في منطقة عرضة لإطلاق صواريخ حزب الله المضادة للدبابات. إن مَن يتم تعيينه في وحدة نظامية من جنود الاحتياط، يخدم في الحرب، مثله مثل المقاتلين النظاميين تقريباً. إذ ما زال بعض جنود الاحتياط هؤلاء مستمراً في القتال، تقريباً منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
  • سائق سيارة الجيب العسكرية التابعة لغرفة القيادة هو جندي احتياط يرتدي قلنسوة سوداء [ينتسب إلى التيار الحريدي]، ويخدم مع قائد لوائه في الأشهر الأخيرة، منذ أن تم نقل اللواء من قطاع غزة إلى الجبهة الشمالية. في بداية الحرب، تم إرساله إلى الضفة الغربية لبضعة أشهر. وعندما سُئل أمس عمّا إذا كان يتوقع الآن وصول تعزيزات من طلاب المعاهد الدينية للحلول محله، انتابه الضحك. فجنود الاحتياط العاملون تحت إمرة قائد اللواء في ذلك المحور هم أولئك الذين سيضطرون إلى حل مشاكل تنسيب المجندين الجدد طوال الفترة المقبلة، من دون أن يتلقوا أيّ مساعدة خارجية.
  • هذا هو جوهر المسألة الذي تناوله قضاة المحكمة في حُكمهم أيضاً، بالإضافة إلى الأسباب القانونية الموضوعية، فإلى جانب التداعيات الاستراتيجية الخطِرة للحرب، تسبب هجوم "حماس" المباغت بمشكلة أُخرى: لقد فرض عبئاً هائلاً على الجيش، وبصورة خاصة على الوحدات المقاتلة. كما كشف، وبشكل مؤلم، مدى حاجة الجيش الإسرائيلي إلى تعزيزات من الجنود لمجابهة شدة التهديدات الأمنية التي تواجه إسرائيل على مختلف الجبهات. فإذا كان من الممكن، قبل الحرب، الدخول في نقاش بشأن عدد الجنود الذين يحتاج إليهم الجيش من فئة الحريديم، وما إذا كان من الأفضل إرسال هؤلاء إلى الخدمة المدنية، أو مباشرة إلى سوق العمل، فإن الحال انقلبت بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
  • أولاً، من الواضح أن الجيش الإسرائيلي بحاجة إلى التعزيزات. وثانياً، هناك عدم المساواة الصارخ، المتمثل في تحمُّل العلمانيين والمتدينين الوطنيين [غير الحريديين] أعباء الخدمة العسكرية الثقيلة، وفضلاً عن أن أولئك الذين تم تعيينهم في وحدات قتالية يخاطرون بحياتهم ويُصابون ويُقتلون في بعض الأحيان، إلّا إن المشكلة تستمر عميقةً خلال خدمتهم الاحتياطية، إذ يسعى الجيش والحكومة، الآن، لتمديد فترة الخدمة السنوية الاحتياطية ورفع سن الإعفاء من هذه الخدمة. من حيث المبدأ، من المفترض أن تؤدي أيّ خطوة يتم اتخاذها إلى الحد من عدم المساواة في المدى الطويل، وإلى زيادة منسوب التضامن المتراخي داخل المجتمع الإسرائيلي (على الرغم من أن الحاخامات والسياسيين المتدينين ينشرون، الآن، رسالة معاكسة تماماً).
  • لقد قرر قضاة المحكمة العليا، بالإجماع، أنه لا يوجد حالياً إطار قانوني يسمح بالتمييز بين طلاب المعاهد الدينية وغيرهم من المرشحين للخدمة العسكرية؛ وبناءً عليه، لا تملك الدولة صلاحيات إصدار أمر يقضي بالامتناع الشامل من تجنيدهم، وعليها أن تتصرف وفقاً لقانون الخدمة الأمنية لسنة 1986. وفي غياب إطار قانوني للإعفاء، رفض القضاة أيضاً التسوية التي تسمح بتحويل أموال الدعم من المعاهد الدينية للطلاب الذين لن يخدموا في الجيش، إلى تلك التي يدرس فيها مَن سيتم تجنيدهم.
  • علاوةً على ما تقدّم، يعتقد القضاة أن الضرورة العسكرية وتكلفة الحرب تجعلان من الضروري رفع نسبة التجنيد في الجيش الإسرائيلي، استناداً إلى القواعد الأخلاقية والاعتبارات المهنية والتشغيلية. لا يتعلق الأمر بغزة وخطر الحرب الأكبر في لبنان فحسب، بل أيضاً بالإدراك أنه يوجد أمام إسرائيل عقد زمني واحد، على الأقل، من التحديات الأمنية الخطِرة. يعود هذا أيضاً إلى ما يحدث في الإقليم من متغيرات، من ضمنها تعاظُم إيران، واستكمالها بناء "حلقتها النارية" حولنا، من خلال تسليحها الميليشيات حول حدودنا، إلى جانب أننا كنا في حالة ضعف أساساً، قبل ثمانية أشهر ونصف.
  • لقد أثار حُكم المحكمة العليا، الذي كان متوقعاً هذه المرة بسبب التصريحات الشفهية التي عبّر عنها القضاة خلال الالتماسات، مجموعة من ردات الفعل المعتادة. فالمتطرفون من الحريديم يهددون: "الموت ولا التجنيد". في حين أن نتنياهو لا يزال يحاول التوصل إلى حلّ ما. إنه يبحث عن طرق للالتفاف على التشريع، من شأنها أن تضمن ترتيبات تجنيد مخففة للحريديم، وربما لن تمر هذه الطرق عبر المحكمة العليا في المرة المقبلة، لسبب ما.
  • لا تبدو احتمالات نجاح هذه المحاولة عالية. وهكذا، بات يبدو، للمرة الأولى أن الائتلاف الحكومي معرّض لخطر التفكك من اتجاهين. أولاً، قد تتسع الحركة الاحتجاجية المطالِبة بإجراء الانتخابات، وثانياً، ولعل هذا الأهم: قلق الحريديم. وفي ظل هذا الوضع، ربما سيكون كل ما يتطلبه الأمر في نهاية المطاف فتوى من أحد الحاخامات الأشكنياز، يمتثل لها عضو كنيست واحد من حزب "يهدوت هتوراه" [الحريدي]، لتشجيع بقية الحاخامات وأعضاء كتلة هذا الحزب البرلمانية على التفكير في التخلص من التحالف الطويل الأمد الذي يجمعه بحزب "الليكود".
  • قدّر ممثلو الجيش خلال مناقشات داخلية أنهم بحاجة إلى 8000 جندي بصورة فورية، نظراً إلى ثقل المهمات، ونتيجة الخسائر والاستنزاف الذي تعرضت له الوحدات النظامية في الحرب الطويلة، لكن الاتصالات جارية مع الحكومة والنيابة العامة بشأن تجنيد ثلاثة آلاف حريدي إضافي، إلى جانب مَن يتم تجنيدهم اليوم، بادّعاء أن هذا هو الحد الأقصى من الحريديم الذين يمكن للجيش تجنيدهم هذه السنة. هناك أفكار ليس من الواضح ما إذا كان الحاخامات وأعضاء الكنيست سيؤيدونها، تتمثل في تجنيد الشبان المتسربين من المعاهد الدينية. لقد اهتمت المستشارة القضائية للحكومة، على الأقل في الأمس، بالتوضيح أن عدد ثلاثة آلاف مجند جديد ليس سوى رقم أولّي فقط، وهو لا يعكس كامل حاجات الجيش، إذ سيكون هناك حاجة إلى رفع هذا الرقم مستقبلاً.
  • المستشارة محقة، لكن هناك أسباباً إضافية تدعم زيادة عدد المجندين. فمن ناحية نظرية، إن ما تفرضه الحرب، إلى جانب قرار المحكمة العليا، يخلقان فرصة للاستفادة من إطلاق خطوة أكثر اتساعاً وأهميةً، تنظّم نموذج التجنيد أخيراً، وبصورة لائقة، والذي يشمل تسوية تتمثل في الخدمة المدنية لمن لا يحتاج إليهم الجيش. إن هذه الأزمة الأمنية قد خلقت فرصة هنا بالذات. ويبدو أن الجيش سيرتكب خطيئة إذا وافق على المشاركة في خدعة أُخرى يقوم بها الكنيست والحكومة، ويكتفي بمطلب تجنيد عدد قليل من الحريديم. يجب علينا النظر إلى المشهد الأوسع: فالإحباط في نفوس الفئات التي تتحمل عبء الخدمة هائل. ومن الصعب التصديق أن هذه الفئات ستكتفي بتجنيد نسبة رمزية من الحريديم، في ظل تعاظُم المخاطر وثقل الأعباء بهذه الصورة المتطرفة.
  • أما في حال انضمت هيئة الأركان إلى محاولات التسويف في حل المشكلة، بدلاً من سعيها للبحث عن تسوية أكثر عدلاً، فإن موجة الغضب قد تنفجر في وجهها، وقد تعرّض للخطر بصورة أكبر هذا النموذج المتعثر المتمثل في "جيش الشعب"، وكما هي حال الجنود على الجبهة اللبنانية، فلا أحد يتوهم أن جحافل من الحريديم ستتجمع في لحظة واحدة أمام مكاتب التجنيد. لكن المفضل، الآن، اتخاذ موقف مبدئي وأخلاقي، بدلاً من الانجرار وراء مناورات ومراوغات الساسة والحاخامات.