بسبب "معاً سننتصر"، نحن نخسر
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- منذ ثمانية أشهر، نعيش في خضم الحرب، ويظهر شعار "معاَ سننتصر" على يافطات الشوارع، وفي فواتير المحلات، وفي الباصات. لقد أثار هذا الشعار الدفء في القلب في شهرَي تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر، لكنه الآن، يذكّرنا أكثر من أيّ شيء آخر بالشعار السيئ السمعة الذي يعود إلى حرب لبنان الأولى "اصمتوا، نحن نطلق النيران"، وكان الهدف منه منع توجيه أيّ نقد إلى الذين كانوا يقودون الدولة كلها نحو الكارثة.
- الوحدة شعور رائع، وكلنا نعرف عبارة "بسبب الكراهية غير المبررة، جرى تدمير القدس"، لكن مع كل الاحترام للتعابير التي أُخرجت من سياقها، فإن المسؤولين عن دمار الهيكل الثاني هم المتعصبون والانتهازيون، الذين لم يفهموا الواقع وحدود القوة، وجعلوا الشعب اليهودي يتدهور إلى الهاوية. كنا بحاجة إلى ألفَي عام للخروج من هذه الكارثة. ومَن يعتقد أننا أصبحنا محصّنين ضد المتعصبين المعاصرين، وأن الدول لا تنهار، ولا تختفي، فهو ببساطة، يتجاهل العنوان الموجود على الحائط.
- إن المشكلة التي تواجهها إسرائيل ليست في عدم الوحدة بمواجهة التهديد الخارجي. لقد رأينا المجتمع الإسرائيلي كله يتجند إلى الحرب بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، و"حماس"، لا تشكل تهديداً وجودياً. المشكلة تكمن في وجود قوة غير محدودة بين يدي مجموعة من المتعصبين المتطرفين، تجرّ الدولة كلها نحو الهاوية. وبسبب هذه المجموعة، قد تصبح الأزمة العسكرية كارثة. وبناءً على ذلك، فإن الحل هو في عدم احتضان المسيانيين والأصوليين طوال الوقت، بل الوقوف في وجههم.
- وبدلاً من الشعار المزيف "معاً سننتصر"، يجب قول الأمور بوضوح: إن حركة المستوطنين وكثيرين من الممثلين السياسيين لها، هؤلاء الذين جاؤوا من الهوامش الأكثر تطرفاً وتوهماً، هم قوة مسيانية أصولية تقدس الأرض والدين على حساب الحياة. هم يحتقرون حياة الفرد وحقوقه ورغباته، ويعتقدون أنهم يمثلون الحقيقة العليا المتعلقة بمصير الأمة بأسرها. زعماء المستوطنين يعتبرون التضحية بالحياة شرطاً ضرورياً على طريق تحقيق أوهامهم الخطِرة، التي عملوا على تنميتها من خلال منظومة تعليمية أصبحت أكثر تديناً وتطرفاً، في ظل واقع الأبارتهايد العنصري في المناطق [المحتلة].
- ما من داعٍ إلى تعداد كل الكوارث التي تسببت بها خططهم لإسرائيل. فهي ماثلة أمام أعيننا الآن: استمرار الحرب، ومئات القتلى، وموت مخطوفين، وعزلة دولية، والمجاعة في غزة، وجبهات جديدة قد تُفتح، وهذه فقط الأثمان المتوقعة، ومن الواضح توقُّع حدوث مزيد من التعقيدات. مؤخراً، أعلن آفي إيتام [عسكري سابق من أتباع الصهيونية الدينية] أن الحرب ستستمر 3 سنوات. وأتساءل: هل كل أهالي الجنود الذين يخدمون في الجيش النظامي، وكل الاحتياطيين، وكل أهالي الطلاب المرشحين للخدمة العسكرية، فهموا مغزى هذا الكلام والثمن الذي ينطوي عليه.
- إن النيات الطيبة لدى أحزاب الوسط، التي تطمس الخلافات وتبحث عمّا يوحّد، تحولت إلى الوقود الذي يسرّع عملية التدمير. والجواب أنه يجب ألّا يكون "معاً سننتصر". نحن لا نستطيع أن نكون مع أولئك الذي يريدون القضاء على إسرائيل التي نعرفها. الجواب يجب أن يكون في النضال الديمقراطي ضد هذه القوى الخطِرة والمعادية لليبرالية والمسيانية التي سيطرت على مواقع القوة في إدارة الدولة. وبالمناسبة، لا يوجد لدى هذا الطرف مَن يؤمن بشعار "معاً". فاليمين المتطرف لا يتوقف لحظة عن مطاردة كل مَن يعارضه، بمن فيهم عائلات المخطوفين. وشعار "معاً" موجود فقط لدى طرف واحد فقط.
- عدد الذين يسقطون من المستوطنين كبير، ولا فارق بين ألم أهالي من عوفر، أو أهالي من تل أبيب. وبخلاف الحريديم، فإن المستوطنين واليمين الديني مستعدون للتضحية بدمائهم من أجل تحقيق أيديولوجيتهم. لكن هذا لا يجعلهم على حق، أكثر أو أقل خطورة. لا يمكن قبول تحويل إسرائيل إلى دولة مسيانية معزولة، وفي حالة حرب دائمة مع جيرانها، ومع رعايا حُكمها العسكري، باسم مَن يسقط من المستوطنين. هذا بالضبط التوجه الذي يريد المتعصبون اليهود جرّنا إليه.
- الأزمة الإسرائيلية لم تنتهِ في 8 تشرين الأول/أكتوبر. بل بالعكس، نحن الآن في حقبة أكثر خطورةً، لأن اليمين المتطرف يرى في الحرب فرصة لتحقيق أهدافه. لا يمكن الاستمرار في إغلاق أعيننا في مواجهة هذا الخطر. كما يجب ألّا ندمن على مسكنات التغني بالوحدة. اليوم، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش هما الزعيمان الفعليان لليمين؛ ولا شيء يجمع بينهما وبين أنصار الديمقراطية، ولا وجود لشعار "معاً سننتصر". وقت المجتمع الإسرائيلي بدأ ينفد، وهذا وقت النضال.