فصول من كتاب دليل اسرائيل
(ننشر فيما يلي ترجمة لوثيقة أرسلها رئيس جهاز الأمن العام رونين بار في 26 حزيران/يونيو، إلى السكرتير العسكري لرئيس الحكومة، والمساعد العسكري لوزير الدفاع، ومساعد وزير الأمن القومي، ووزير الداخلية، ومصلحة السجون، ومستشارة الحكومة، بشأن الأزمة في السجون في إسرائيل ووضع المعتقلين الفلسطينيين في هذه السجون].
آثار أزمة السجون
- إن أزمة السجون القُطرية، التي نشأت في أعقاب الحرب الدائرة في القطاع، في ظل الارتفاع الهائل في أعداد المعتقلين بصورة تفوق كثيراً قدرات استيعاب منظومة الحبس (الآن، يفوق عدد المسجونين الـ21 ألفاً، في حين أن أماكن الحبس المتوفرة تصل إلى 14500 مكان اعتقال فقط)، وهو ما أدى إلى تدهور كبير في ظروف الاعتقال، وخصوصاً من ناحية الاكتظاظ في الغرف الاعتقالية (حيث تبلغ مساحة المعيشة في بعض المرافق الاعتقالية أقل من مترين، في ظل سماح قوانين الطوارئ بزج السجناء في داخلها من دون أيّ قيود إدارية تقريباً). وذلك على الرغم من التحذيرات التي قمنا بإرسالها في هذا الشأن إلى وزارة الأمن القومي، لمطالبتها بالاستعداد للأمر، قبل نحو عام.
- في موازاة ذلك، وفي أعقاب هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، قامت إسرائيل بإلغاء ظروف اعتقالية كان معمولاً بها قبل الحرب، ومن ضمن تلك الظروف، تلك التي التزمت بها بموجب القانون الدولي (على غرار إحاطة جهة محايدة – "الصليب الأحمر" - بشأن المعتقلين، والسماح له بزيارتهم والوقوف على ظروف اعتقالهم).
- تُعتبر هذه الأزمة ذات إسقاطات استراتيجية سلبية على إسرائيل، وبصورة أساسية، من جهة توفير الشرعية الدولية لاستمرار الحرب، حيث تقبع في صلب هذه المخاطر الخشية من وقف تبادُل البضائع الأمنية مع الدول الغربية. إن أهم دولتين صديقتين لإسرائيل في الساحة الدولية (الولايات المتحدة وبريطانيا) اشترطتا استمرار التجارة الأمنية مع إسرائيل بإبراز إثباتات تفيد بأن إسرائيل لا تقوم بخرق القانون الدولي، إذ يبدو أن ظروف الاعتقال كانت مكوناً أساسيا في مجمل اعتبارات هاتين الدولتين في هذا السياق.
لقد قدّمت هاتان الدولتان، بصورة ملموسة، سلسلة من الادعاءات المتعلقة بظروف الاعتقال، والتعامل مع المعتقلين (الضرب، والشتائم، والإهانات، والتهديدات)، وغياب منظومات رقابة كافية على السلوك الإسرائيلي (في ظل منع الصليب الأحمر من زيارة السجناء). - إن الخطاب المتعلق بشروط الاعتقال في القانون الدولي هو خطاب متطور نسبياً، والظروف الاعتقالية منظمة بصورة مفصلة في قوانين الحرب وقوانين حقوق الإنسان، حيث تواجه إسرائيل مصاعب في صدّ الاتهامات الموجهة ضدها في هذا الصدد، إذ إن هناك ما يثبت بعضها على الأقل، بحيث يُنظر إلى سلوك إسرائيل بصفته جريمة دولية ("معاملة لا إنسانية") وخرقاً للمواثيق الدولية (اتفاقية منع التعذيب). إلى جانب المساس الخطِر بقدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها في الحرب، فإن هذا السلوك يخلق أيضاً مخاطر تجريم جنائي شخصي أمام الهيئات القضائية الدولية (ICC) والمحاكم التابعة لدول أُخرى.
- على المستوى التشغيلي، تؤدي أزمة السجون، وبصورة كبيرة، إلى الإضرار بوتيرة وجودة نشاطات المكافحة، على مستويين أساسيين:
- القدرة على تنفيذ الاعتقالات بالحجم المطلوب، والتصدي لمستوى التهديد المتصاعد في الميدان:
على مدار الشهرين الماضيين، عملياً، اضطرت الأجهزة الأمنية إلى إلغاء عمليات اعتقال لناشطين مطلوب التحقيق معهم، أو أولئك الذين يُعتبر أنهم يشكلون خطراً واضحاً وفورياً على الأمن، وهو ما يجعلهم مرشحين للاعتقال الإداري (خلال شهرَي نيسان/أبريل وأيار/مايو، تم إلغاء عشرات عمليات الاعتقال). وفي ظل غياب حلّ نظامي، تضطر الدولة إلى تبنّي حلول مرتجلة من أجل إخلاء أماكن في السجون، بصورة تؤدي إلى الإفراج المبكر عن معتقلين، وخصوصاً أولئك الذين يبرر مستوى الخطر المتأتي منهم استمرار اعتقالهم.
-
- القدرة على إجراء تحقيق ناجع (وهي من أهم وسائل التصدي لدى جهاز الشاباك والدولة، وخصوصاً في ظل الحرب): إذ إن الاكتظاظ الشديد في مرافق التحقيق (نتيجة المصاعب الكامنة في نقل الذين انتهى التحقيق معهم إلى مرافق الاعتقال المكتظة) يؤدي إلى تشويش إجراءات التحقيق، ويمسّ بالقيمة المهمة التي توفرها أداة الاعتقال والتحقيق (حماية القوات العاملة في الميدان، اغتيال مسؤولين كبار، ومعلومات تتعلق بالمخطوفين). يُضاف إلى ذلك احتمال الاحتكاكات التي تنطوي عليها مسألة "تكديس" المعتقلين في الزنازين، والخطر الكامن فيها، سواء تجاه أمن قواتنا، أو سلامة الذين يتم التحقيق معهم.
- إلى ذلك، إن الواقع القائم في المرافق الاعتقالية نفسها قد يتحول إلى "قنبلة زمنية": فالشروط الاعتقالية المادية والنفسية تدفع، منذ الآن، بعض المعتقلين إلى التخطيط لنشاطات عنيفة ضد السجانين، انتقاماً منهم على المعاملة التي يلاقونها. وبصورة محددة، على مدار الأشهر الماضية، تراكمت لدينا معلومات تشير إلى مثل هذه النيات، وأهمها الجهود التي يبذلها المعتقلون للعثور على أماكن سكن سجانيهم، وإلحاق الأذى بهم.
- إلى جانب ذلك، يُضاف أن قرار مصلحة السجون المتمثل في تنفيذ مشروع تجريبي لإلغاء الفصل بين أسرى فتح وحماس، من شأنه، في نظرنا، المساس بقدرتنا على تهدئة السجون وتقليص احتمالات اندلاع احتجاجات واسعة النطاق من جانب الأسرى (فالفصل بين التنظيمين يمنع تشكُّل قيادة مشتركة، وإطار تنظيمي يتيح لهما العيش معاً، وهذان شرطان أساسيان لمثل هذه الاحتجاجات).
- الخلاصة: تخلق أزمة السجون تهديدات للأمن القومي الإسرائيلي، ولعلاقات إسرائيل الخارجية، وقدراتها على تحقيق أهداف الحرب التي وضعتها لنفسها. وإلى جانب ذلك، فإنها تضرّ كثيراً بالقدرة الإسرائيلية على إحباط الهجمات، ومن شأنها أيضاً أن تؤثر في الأمن داخل المرافق الاعتقالية نفسها. إن خلق حل نظامي لهذه المشكلة يتطلب تخصيص الموارد المطلوبة، لكن أثر مثل هذه الخطوة لن يكون محسوساً، بطبيعة الحال، إلا في المدى الزمني البعيد.
- في هذه الأثناء، ننصح بالنظر في جوانب في السلوك الإسرائيلي داخل منظومة السجون، وهو سلوك يمكن تغييره بصورة فورية، وخصوصاً فيما يتعلق بمعاملة السجناء. من هذه الناحية، ننصح بإلغاء الإجراءات التي تفوق سلبياتها إيجابياتها (السلوكيات التي تصل إلى حد التنكيل)، والالتزام بالخطوات التي لها طابع رادع (مثل سحب "الحقوق الفائضة" من السجناء).