إنها ضربة قوية لـ"حماس"، لكنها لا تشكل بداية انهيارها
تاريخ المقال
المصدر
- إذا تم تأكيد أنباء اغتيال محمد الضيف، رئيس الجناح العسكري لحركة "حماس"، فإن ذلك يمثل أحد أهم التطورات الدراماتيكية والإنجازات الإسرائيلية في الحرب الحالية على غزة. ومع ذلك، من المهم ألّا نفقد توازُننا: لقد تعرضت "حماس" لضربات مشابهة في السابق، وأظهرت قدرة على التعافي. وفي كل الأحوال، في الوقت الحالي، لا يبدو أن هذا التطور سيؤدي إلى زعزعة مكانة "حماس"، كجهة فاعلة مهيمِنة على القطاع.
- يمثل ضرب الضيف معاني رمزية وعملياتية معاً. لقد رسّخ الضيف نفسه منذ سنوات، باعتباره أحد رموز "حماس"، وصار واحداً من أبطال جيل الشباب الفلسطيني الذي يهتف في الشوارع "نحنا رجال محمد الضيف"، من رفح، مروراً بالقدس، ووصولاً إلى جنين. إذ ساهم تجنُّبه الظهور العلني، ونجاحه في النجاة من العديد من محاولات الاغتيال في تكوين هالة لشخصيته، بصفته الشبح الذي تمكن من تسديد الضربات لإسرائيل على مدار سنوات.
- على الصعيد ذاته، فإن الضيف هو المهندس الرئيسي للجناح العسكري لحركة "حماس" منذ انطلاقها في سنة 1987. وهو الذي حوّلها من منظمة "إرهابية"، تنتهج أسلوب حرب العصابات، إلى ما يشبه الجيش، وإلى كيان مؤسساتي له نفوذ دولي، يملك شبكات متطورة من منصات الصواريخ والأنفاق، وقادر على تنفيذ مخططات عملياتية تعتمد على المبادرة والجهد العسكري الواسع - حسبما تجلى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
- لقد تجسّدت مراحل تطوُّر "حماس" ونموها في محطات حياة الضيف - الذي كان لقبه "أبو خالد". إذ جاء الرجل، مثل معظم قادة "حماس"، من صفوف اللاجئين (وُلد في سنة 1965 في مخيم خان يونس، الذي يتحدّر منه يحيى السنوار أيضاً)، وبدأ نشاطه في صفوف جماعة الإخوان المسلمين، في إطار "الكتلة الإسلامية"، الخلية الطلابية للحركة، والتي لا تزال، حتى اليوم، تمثل الحاضنة لنمو جيل القادة المقبل في "حماس". انضم الضيف إلى الجناح العسكري لحركة "حماس"خلال الانتفاضة الأولى، وسُجن في إسرائيل مدة سنة (1989-1990)، وفي أوائل التسعينيات، تم تعيينه رئيساً للجناح العسكري في القطاع. وكان معروفاً بتركيزه على الجوانب المهنية العسكرية، وتجنّب التطرق إلى القضايا الاستراتيجية والسياسية. صاغ السنوار الرؤية والاستراتيجيا، أمّا الضيف، فقد ترجم هذه الرؤية إلى عمل عسكري.
- من المتوقع أن يؤثر اغتيال الضيف في النشاط العسكري لحركة "حماس" في جميع مستوياته، لكن "حماس" أثبتت أنها، حتى بعد مرور تسعة أشهر على القتال، لا تزال ناشطة في كل شبر من القطاع، إلى جانب قدرتها على تغيير شكلها وخصائصها، وفقاً للظروف. قد تظهر الفجوة المتسببة باغتيال الضيف في القدرة على التخطيط وإدارة هيكل القيادة، وربما تظهر أيضاً في الدائرة الضيقة التي تُناط بها صناعة القرارات الاستراتيجية. في هذا السياق، إن الضربات الموجهة إلى "الخلايا القريبة" من السنوار، التي كان الضيف أحد رؤوسها، قد تُخرج زعيم "حماس" عن توازنه بصورة تفوق استمرار القتال على الأرض، فضلاً عن أن مثل هذه الضربات قد يخفف الأذى اللاحق بالمدنيين.
- ومع كل ما تقدّم، يتوجب علينا طرح بعض التحفظات الأساسية. أولاً، طبعاً، علينا انتظار تأكيد الاغتيال، وذلك في ضوء محاولات الاغتيال السابقة التي قيل، وقتها، إنها ناجحة، لكن تم تأكيد فشلها لاحقاً، على غرار حادثة محاولة اغتيال روحي مشتهي، اليد اليمنى للسنوار، أو محمد شبانة، قائد لواء رفح. وثانياً، من المهم أن نتذكر أن "حماس" تتمتع بقدرة عالية على التعافي الذاتي، إذ إن الحركة فقدت معظم قادتها السابقين (وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين، مؤسس الحركة)، و"رؤساء أركان الحركة"، على غرار محمد الجعبري، الذي اغتيل في سنة 2012. صحيح أن هذه الضربات مؤلمة جداً، وهي تُلحق ضرراً بالحركة في المدى القصير، لكن أماكن هؤلاء القادة سرعان ما يشغلها بدلاء آخرون، لديهم خبرة أقل، لكن في المستوى نفسه من الحماسة والالتزام.
- ليس من المرجّح أن يؤدي اغتيال الضيف، على ما يبدو، إلى زعزعة السيطرة العميقة لحركة "حماس" على القطاع، والتي تترافق مع دعم شعبي واسع، وسيطرة لها على الحيز المدني. وفي الواقع، من المتوقع أن يعزز الاغتيال أسطورة التضحية التي تتباهى بها "حماس" في الوعي العام، والتي قد تتعزز، نظراً إلى أنه رافقها مقتل العشرات من الفلسطينيين، وهي موضع اهتمام الخطابَين الفلسطيني والعربي منذ الاغتيال.
- الأهم من ذلك كله، هو أثر هذه العملية في الصفقة. إذ يبدو أن "حماس"، على الأقل حالياً، لا تزال متمسكة بموقفها الذي تبنّته مؤخراً: الاستعداد للتوصل إلى صفقة، حتى لو كان الثمن تأجيلاً للمناقشة في وقف الحرب حتى المرحلة الثانية، بدلاً من اشتراطها الأصلي المتمثل في تطبيق ذلك في المرحلة الأولى. ومع ذلك، لا يبدو أن "حماس" ستُظهر مرونة مفاجئة في مواقفها، حتى بعد الاغتيال، وبصورة خاصة فيما يتعلق بالخطوط الحمراء التي قدمها رئيس الوزراء نتنياهو، الأسبوع الماضي، وعلى رأسها المطالبة بالسيطرة الإسرائيلية المستمرة على محورَي نيتساريم وفيلادلفيا. إن تشبث إسرائيل بهذه النقطة قد يدفع إسرائيل نحو مزيد من حرب الاستنزاف، من دون توفُّر إطار زمني واضح لها، وفي ظل احتمالات ضئيلة لتحقيقها هدف "النصر المؤزر"، وفي ظل ابتعادها عن إمكان التوصل إلى صفقة، وهو ما يُفاقم الخطر الذي يهدد حياة الرهائن.