إسرائيل لا تعبأ "بالأضرار الجانبية" للاغتيالات، حتى لو كانت حياة المخطوفين
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • على الرغم من استمرار إسرائيل في استخدام كلمة اغتيال، فإن ما جرى يوم السبت في خان يونس، على افتراض أن محمد الضيف قد قُتل، لم يكن اغتيالاً، إنما كان هجوماً جوياً يحمل رسالة فحواها: "الهدف يبرر الوسيلة"، ومقتل وإصابة العشرات وربما المئات من البشر يبرر الفعل. وبذلك، تكون إسرائيل قد قطعت طريقاً طويلاً منذ بروز مصطلح الاغتيالات والعمليات المركزة إلى العالم.
  • إن الاغتيال المركّز الأول الذي قامت به إسرائيل حدث سنة 1956، عندما أرسل عملاء وحدة الاستخبارات 504 التابعة للاستخبارات العسكرية مصحفاً إلى الكولونيل مصطفى حافظ، وهو ضابط مصري في غزة كان مسؤولاً عن إرسال خلية "إرهابيين" (فدائيين) إلى إسرائيل، ومنذ ذلك الوقت، فقد واصل الجيش الإسرائيلي والشاباك والموساد، بموافقة المستوى السياسي، استخدام نهج الاغتيالات المركزة ضد "الإرهابيين"، كما جرى اغتيال علماء ألمان من المجرمين النازيين منذ وقت بعيد، وبحسب تقارير أجنبية، فقد اغتيل عالم سلاح كندي، وفي العقود الأخيرة، جرى اغتيال علماء ذرة إيرانيين، لكن معظم هذه العمليات كانت مركزة.
  • كما كان السلاح المستخدَم في هذه العمليات مناسباً: عبوات ناسفة، ومسدسات، وأحياناً قليلة جداً سيارة مفخخة. وبالنسبة إلى إسرائيل، فإن الاغتيال هو المخرج الوحيد، ولا مفر من مهاجمة زعماء "الإرهاب" بحد ذاتهم.
  • وقد حدث التحول في هذا النهج بعد اتفاقات أوسلو، وعلى خلفية "إرهاب" العمليات الانتحارية التي بادرت إليها ونفذتها "حماس" والجهاد الإسلامي وأدت إلى الانتفاضة الثانية. حينئذٍ، حوَّلت إسرائيل نهج الاغتيالات المركزة والمحدودة، أي اغتيال بالمفرد، إلى اغتيالات بالجملة، وجرى حينها أيضاً تبنٍّ لمصطلح "أضرار جانبية" المأخوذ من الولايات المتحدة.
  • ومع ذلك، وباستثناء حوادث استثنائية، فإن المستوى السياسي والمؤسسة الأمنية لا يوافقان إلاّ بعد التأكد من أنه ستُبذل كل الجهود من أجل منع إصابة أبرياء على القيام بعمليات كهذه، ولقد جرى إلغاء عمليات كثيرة في إسرائيل بسبب خطر وقوع "أضرار جانبية" كبيرة جداً.
  • لكن الحرب في غزة حرّرت إسرائيل من كل الكوابح، والذي بدأ قبل عشرات السنوات، كاغتيالات مركزة، وتحوّل إلى اغتيالات غير مركزة، تطوّر إلى سياسة كاملة مع إصابة أبرياء بينهم أطفال ونساء في مقابل اغتيال كل "إرهابي". هذا السلوك الوحشي والرغبة في الانتقام هو تقريباً طبيعي وبديهي، وليس بعيداً عما تمر به قطاعات واسعة من الجمهور الإسرائيلي، فقد تحوّل المجتمع منذ سنوات إلى مجتمع عنيف أكثر فأكثر، ليس فقط إزاء الفلسطينيين في المناطق [المحتلة]، بل أيضاً في خطاب الكراهية في وسائل التواصل الاجتماعي ضد أجزاء واسعة من الجمهور الإسرائيلي، وأيضاً عبر سلوك المواطنين في حياتهم اليومية.
  • لا حاجة إلى أن نأسف على اغتيال محمد الضيف، إذا صحت تقديرات المؤسسة الأمنية، فهو كان مسؤولاً عن موت آلاف الإسرائيليين... لكن المشكلة تكمن في أن إسرائيل وقعت في غرام الاغتيالات؛ إذ كانت سابقاً وسيلة من أجل تحقيق أهداف عسكرية وسياسية واستراتيجية واسعة النطاق، أمّا ما نراه في عمليات الجيش الإسرائيلي في لبنان وغزة، فقد تحول إلى وسيلة تُستخدم لكل شيء، وإلى هدف بحد ذاته. والسياسيون ومعظم المؤسسة الأمنية والجيش ووسائل الإعلام وقطاعات كبيرة من المجتمع الإسرائيلي يفتخرون بالاغتيالات ويتمسكون بها كالقشة التي ستحل مشكلات إسرائيل في الحرب. منذ سنوات، أكتب أن الاغتيالات بالجملة لا تخدم هدفاً سياسياً، ولا فائدة منها، وهي تزيد على المدى البعيد العنف والأعمال "الإرهابية".
  • إن التركيز على الاغتيالات هو أمر عقيم وخداع للنفس، وقد رأينا ذلك في عشرات الاغتيالات التي طالت مسؤولين "رفيعي المستوى" وقادة اتضح أن تأثيرهم في تنظيماتهم كان موقتاً وقصير الأمد، وبسرعة يجري تعيين بدلاء لهم، فـ"حماس" حركة شعبية جذورها مغروسة في الأرض الفلسطينية وفي استطاعتها التغلب على اغتيال الضيف، كما تغلبت على اغتيال مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين وقادة آخرين، بينهم محمد الجعبري ومروان عيسى وسلسلة طويلة من الأسماء التي لا يذكرها أحد.
  • وبعد أن نضع جانباً كل الضجيج وتعظيم الذات، فإن السؤال المهم فعلاً هو: "هل الاغتيال يدفع قُدُماً بصفقة المخطوفين وبتسوية في غزة؟" وهل سيَنْتُجُ منه شيء فعليٌ في لبنان؟" في رأيي، فقد أثبتت حرب غزة أن إسرائيل تحولت إلى مجتمع لا يبالي بحياة الإنسان، ولا بحياة مواطنيه، وبينهم المخطوفون.
  • سواء أجرى اغتيال الضيف أم لم يجرِ ذلك، فإنه من دون وقف الحرب، فلن تكون هناك صفقة لتحرير المخطوفين، فوقْف الحرب سيؤدي إلى استقالة بن غفير وظله الباهت سموتريتش من الحكومة، وهذه الاستقالة ستؤدي إلى تقديم موعد الانتخابات التي سيخسرها نتنياهو. لذلك، فلن يسمح رئيس الحكومة، الذي كل بقائه قائم على صموده واستمرار حكمه، بخطوة كهذه، فبين نتنياهو واستمرار الحرب علاقة عضوية لا يمكن فصلها، وسنعرف هذا بسرعة كبيرة عندما نحصل على تأكيد على اغتيال محمد الضيف، حتى لو اغتيل يحيى السنوار شخصياً.