حزمة المساعدات الخارجية الأميركية وتداعياتها
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

  • بعد تأخير طويل، وافق الكونغرس الأميركي في 23 نيسان/أبريل على حزمة المساعدات الخارجية التي قدّمها الرئيس بايدن في 23 نيسان/ أبريل، والتي تبلغ قيمتها الإجمالية 95 مليار دولار. وتشمل الحزمة مساعدات لكل من أوكرانيا، وإسرائيل، وتايوان، إلى جانب المساعدات الإنسانية لقطاع غزة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن التشريع يشمل جوانب أُخرى تتعلق بالأمن القومي الأميركي، بما في ذلك فرْض بيع تطبيق تيك توك إلى شركة أميركية، أو فرض حظر كامل على التطبيق بسبب مخاوف من عمليات التجسس والتأثير من جانب الحزب الشيوعي الصيني، وتوسيع العقوبات على إيران، وإجراءات اقتصادية إضافية ضد روسيا. ولقد تم تمرير الحزمة أولاً في الكونغرس بتصويت منفصل على كل قسم من الأقسام الأربعة (إسرائيل وأوكرانيا وتايوان، وإضافة الكونغرس إلى مسألة حظر تيك توك والعقوبات ضد روسيا)، ثم في تصويت شامل في مجلس الشيوخ، والذي تم تمريره بأغلبية ساحقة بلغت 79 في مقابل 18. وتمت الموافقة على الحزمة على خلفية المخاوف المتزايدة بشأن وضع أوكرانيا في ساحة المعركة وتعاملها مع الغزو الروسي.
  • وضِمن الحزمة، يبلغ القسم المتعلق بإسرائيل 26 مليار دولار، منها 9 مليارات دولار مخصصة للمساعدات الإنسانية في قطاع غزة. أمّا المساعدات الأمنية لإسرائيل، فتبلغ 17 مليار دولار، منها 5 مليارات دولار مخصصة لتجديد مخزون منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية (القبة الحديدية، ومقلاع داوود، ومنظومة "حيتس")، وتشمل 2.1 مليار دولار لتطوير "الدفاع الخفيف" [نظام الليزر في الدفاع الجوي] وبالإضافة إلى ذلك، فإن الولايات المتحدة تستثمر مليار دولار لزيادة أبحاث وإنتاج المدفعية والذخائر في إسرائيل، و4.2 مليار دولار مخصصة للعمليات الأميركية في الشرق الأوسط تحت قيادة القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM). وتُظهر هذه المساعدات الموجهة إلى إسرائيل الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لعلاقتها مع إسرائيل وأمنها، ولا سيما بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل في 14 نيسان/أبريل.
  • ويسلط التصويت على حُزَم المساعدات في كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ الضوء على توجهات مهمة داخل الحزبَين بشأن التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها، في سياق التطورات الجارية على الساحتَين، الدولية والمحلية، فقد تم التصويت على رزمة المساعدات الموجهة إلى إسرائيل، التي شملت المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، في مجلس النواب، بأغلبية كبيرة بلغت 366 صوتاً في مقابل 58 صوتاً (مِن المعارضين 37 ديمقراطياً و21 جمهورياً).
  • ويأتي معارضو المساعدات الموجهة إلى إسرائيل بصورة رئيسية في الحزبَين من الجانبَين المتطرفَين أيديولوجياً في الحزبين؛ الجمهوري المحافظ المتشدد، والديمقراطي التقدمي. ولقد صوّت نحو 5.36% من المشرعين (15 من مجموع 41، بما يشمل امتناع واحد من التصويت) في تجمُّع الحرية، وهو التجمع الأكثر محافظة ومناهضة للمؤسسة في الحزب الجمهوري، ضد حزمة المساعدات الموجهة إلى إسرائيل. ومقارنة بذلك، فقد صوّت 4.35% من المشرعين (34 من مجموع 96) في التكتل التقدمي للحزب الديمقراطي، الذي يُعتبر الجناح الأكثر يسارية في الحزب، ضد الحزمة. وتجدر الإشارة إلى أن اللوبي التقدمي ليس متجانساً أيديولوجياً كتجمُّع "Freedom Caucus" الجمهوري، ويضم أعضاء أكثر اعتدالاً في الكونغرس.
  • كانت المرجعية المنطقية للمجموعتَين مختلفة اختلافاً جوهرياً، فبينما صوّت العديد من الجمهوريين ضد حزمة المساعدات بسبب المخاوف من تأثيرها في العجز القومي، عارض المشرعون التقدميون المساعدات الأمنية إلى إسرائيل من حيث المبدأ بسبب الوضع الإنساني في قطاع غزة ومعارضتهم المتزايدة لإسرائيل.
  • ويشير التصويت الجاري في مجلس النواب إلى وجود اتجاه متزايد من التحفظات بين الجمهوريين المحافظين المتشددين فيما يتعلق بتمويل المساعدات الأمنية لحلفاء الولايات المتحدة، وخصوصاً أوكرانيا في حربها ضد الغزو الروسي. وفي الواقع، فقد صوّت معظم الجمهوريين في مجلس النواب ضد القسم الخاص بالمساعدات الموجهة إلى أوكرانيا، وقد تم تمرير هذا التشريع بسبب الدعم الساحق من جانب الديمقراطيين. وفي الوقت نفسه، فقد أيد أغلب المشرعين في الحزبَين القسم الخاص بتايوان في الحزمة، وهو ما يسلط الضوء على توافُق الحزبَين على ضرورة التعامل مع الصين باعتبارها تحدياً استراتيجياً كبيراً.
  • وفي مقارنة لنتائج التصويت في مجلس النواب ومجلس الشيوخ، فقد عارض 3 أعضاء ديمقراطيين في مجلس الشيوخ؛ بيتر ويلش من فيرمونت، وجيف ميركلي من ولاية أوريغون، وبيرني ساندرز من فيرمونت - وهو مستقل يتحالف مع الديمقراطيين وهم الأعضاء الذين يُعتبرون ضِمن أكثر أعضاء مجلس الشيوخ ليبراليةً، حزمةَ المساعدات بسبب المساعدات الأمنية لإسرائيل. ويعكس هذا الموقف تغيُّر مواقف قاعدة الناخبين التقدميين والشباب في الولايات المتحدة تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ إذ تُظهر استطلاعات الرأي العام أن الديمقراطيين الشباب أكثر ميلاً إلى التعاطف مع الفلسطينيين أكثر من تعاطفهم مع الإسرائيليين في الصراع، وهو تحوُّل كبير مقارنة بالأجيال السابقة.
  • وفيما يتعلق بالجمهوريين، فقد عارض 18 عضواً جمهورياً حزمة المساعدات الشاملة، بسبب تحفظاتهم على المساعدات الموجهة إلى أوكرانيا في المقام الأول، وعدم معالجة قضية الهجرة غير الشرعية على الحدود المكسيكية التي وصلت إلى مستويات قياسية في السنوات الأخيرة. ولطالما عبّر العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الشباب، الذين يُعتبرون نجوماً صاعدة في الحزب الجمهوري، بمن فيهم جوش هاولي، وجي دي فانس، عن معارضتهم المبدئية للمساعدات الموجهة إلى أوكرانيا، بحجة أن الولايات المتحدة يجب أن تعطي شؤونها الداخلية الأولوية، فضلاً عن مواجهة الصين، على "المغامرات الخارجية". ويمكن اعتبار هذه الحجج جزءاً من النظرة الترامبية للعالم التي استولت على الحزب الجمهوري ("أميركا أولاً"). حتى زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، الذي يدعم أوكرانيا، اعترف في مؤتمر صحافي بأن حزبه أسير شيطنة أوكرانيا، التي بدأت مع الإعلامي المحافظ تاكر كارلسون، الذي أجرى مقابلة حصرية مع فلاديمير بوتين في موسكو وصوّره في صورة إيجابية. والواقع أن التصويت في مجلس النواب يعكس بدقة الآراء السائدة بين القاعدة الجمهورية الحالية.

الخلاصة

  • تؤكد الأنماط التي تظهر من البيانات حقيقة أن إسرائيل لا تزال تتمتع بدعم واسع من الحزبَين في الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن هناك اتجاهات ملحوظة تبعث على القلق في أواسط النقيضَين الأيديولوجيَين في كلا الحزبَين، وقد اكتسبت أهمية متزايدة في الرأي العام ووسائل الإعلام في السنوات الأخيرة؛ فعلى الجانب الديمقراطي، هناك تراجُع كبير في دعم إسرائيل في أواسط الناخبين التقدميين والنواب التقدميين، ولا سيما في أواسط الشريحة السكانية الأصغر سناً. وقد حظيت هذه الظاهرة بتغطية واسعة النطاق في وسائل الإعلام الإسرائيلية، ولا سيما نظراً إلى الاحتجاجات التي شهدتها الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة.
  • وهناك ظاهرة تستحق اهتماماً أقل، لكنها لا تزال مثيرة للقلق، وهي ظاهرة تحدث داخل المعسكر اليميني الشعبوي، الذي توسّع كثيراً منذ وصول ترامب إلى السلطة؛ فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كان هناك إجماع سياسي بين الحزبَين في الولايات المتحدة يشدّد على المشاركة الأميركية في الساحة الدولية كقوة إيجابية، تحافظ على السلام والاستقرار، والازدهار، والتجارة الحرة في النظام الدولي. ومع ذلك، ففي السنوات الأخيرة، واجه هذا الإجماع الحزبي تحدياً بسبب الحروب الطويلة في العراق وأفغانستان، فضلاً عن الأزمة المالية سنة 2008، والتي حوّلت الانتباه إلى القضايا الداخلية الأميركية، وبدأ هذا الاتجاه في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما، التي سعت للحد من التدخل الأميركي في الشرق الأوسط، ولا سيما عبْر سحْب القوات الأميركية من العراق، وقد عزز الرئيس ترامب هذا التوجه مع نزعته السلبية تجاه حلفاء أميركا التقليديين، بل أيضاً مع انتقاده الصريح للنظام العالمي، معتقداً أن هذا النظام ضد المصالح الأميركية. وقد اكتسب هذا التصور زخماً داخل جزء كبير من قاعدة الحزب الجمهوري، وبين المشرعين المحافظين في الكونغرس، كما يتضح من التصويت على المساعدات الموجهة إلى أوكرانيا. وبينما دعْم إسرائيل لا يزال قائماً في معظمه لدى الحزبَين في الوقت الحالي، إلاّ إن هناك أسئلة مهمة بشأن المستقبل: "هل يرى الحزب الجمهوري في إسرائيل مصلحة مركزية للحزب الجمهوري في عصر يفضَّل فيه التركيز على القضايا الداخلية؟"
  • إن القضية الوحيدة التي لا تزال تحظى بإجماع واضح بين الحزبَين في مجال العلاقات الخارجية هي التهديد الاستراتيجي الذي تمثّله الصين، وهو ما تعكسه الفجوة الكبيرة في التصويت في مجلس النواب على حزمة المساعدات الأخيرة مقارنةً بالحزم السابقة. ومع ذلك، فإن هناك انقسامات ونقاشات حادة بين الحزبَين، كالأمور التي تتعلق بأهمية الحرب في أوكرانيا كجزء لا يتجزأ من مواجهة الصين والمحور المناهض للديمقراطية/محور "الاستبداد" في العالم على سبيل المثال. ويجب على إسرائيل أن تراقب عن كثب هذه التوجهات داخل الحزبَين، وتصوغ استراتيجيا طويلة الأمد في مجال العلاقات الخارجية، كما أنها في حاجة إلى فهْم كيفية اندماجها في المعسكر الذي تقوده الولايات المتحدة، في مواجهة المعسكر "الاستبدادي" الذي تقوده الصين، والذي يضم أيضاً روسيا وإيران. والأهم من ذلك كله، فإن إسرائيل في حاجة إلى التعامل بإيجابية مع المصالح الأميركية ومطالب الإدارة الأميركية، سواء فيما يتعلق بالصراع في غزة، أم فيما يتعلق بالدفع الأميركي من أجل تشكيل نظام جديد في الشرق الأوسط.