الخوف يتصاعد لدى المنظومة الأمنية من حرب استنزاف في كلٍّ من غزة ولبنان واليمن، وغيرها من الجبهات
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • الهجوم المبرر الذي شنته القوات الجوية الإسرائيلية على الحوثيين في ميناء الحديدة في اليمن يوم السبت، تسبب باستعادة بعض الثقة لدى الجيش الإسرائيلي عموماً، وسلاح الجو على وجه الخصوص، لكنه يعكس أيضاً الخطر المتزايد، يوماً بعد يوم، من اندلاع حرب متعددة الجبهات ضد إسرائيل. تدرك القيادة العليا للجيش ذلك، وترغب في أن يقوم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بفصل هذا الربط المعقد بين الجبهات العديدة في كلٍّ من غزة، ولبنان، والضفة الغربية، والجولان، والعراق، واليمن؛ وذلك في الوقت الذي تعمل إيران خلف الكواليس، التي تقوم بتحويل المساعدات، وتوجيه الحوافز، وتهتم بالتنسيق بين هذه الجبهات.
  • إسرائيل تعرف اليمن جيداً منذ ستينيات القرن الماضي، عندما كان ممثلو الموساد هناك للتنسيق مع القوات الملكية في الحرب الأهلية، وفي عمليات إنزال الأسلحة إليهم من الجو. لاحقاً، عمل الموساد ضد قواعد التنظيمات الفلسطينية في اليمن. وعلى هذا الأساس، تم اعتقال مقاتل الموساد باروخ مزراحي في ميناء الحديدة في سنة 1972 بتهمة التجسس، وأُطلق سراحه في سنة 1974 في صفقة تبادُل أسرى مع مصر. كما مكّن الاتصال بالموساد، حسبما كشفت وثائق ويكيليكس، من إجلاء آخر يهود اليمن في التسعينيات. وبمرور الزمن، ازدادت معرفة إسرائيل باليمن بفضل وجود القوات الجوية والبحرية الإسرائيلية في البحر الأحمر.
  • إليكم القليل بشأن هذا الوجود: شوهدت غواصات إسرائيلية تعبر قناة السويس في الماضي، ونُشرت تقارير في هذا الشأن قبل أكثر من عقد. وفي الخلفية، كان هناك تقارير تفيد بأن سلاح الجو الإسرائيلي قصف مخازن في العاصمة السودانية الخرطوم، وكذلك قوافل تحمل أسلحة من إيران، عبر السودان، مروراً بمصر وسيناء، ووصولاً إلى غزة...

 التقديرات: محمد الضيف قُتل

  • يقول ضابط كبير في الجيش إن المعركة الدائرة في غزة وصلت إلى نقطة حرجة، بعد أن حقق الجيش إنجازات نوعية ضد "حماس". صحيح أن البيانات التي قدمها الجيش خلال أشهر الحرب (المستمرة منذ 289 يوماً) لم تكن دائماً منسجمة، بل كانت متناقضة في بعض الأحيان، وهذا ما يثير شكوكاً في موثوقية التقارير، (على سبيل المثال، أعلن الجيش، الأسبوع الماضي، مقتل نحو 14 ألف مقاتل من "حماس" منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، واعتقال نحو 4 آلاف، بالإضافة إلى آلاف الجرحى. لكن قبل أكثر من نصف عام، سمعت من ضابط كبير ومعتمد رقماً مشابهاً لعدد عناصر "حماس" الذين قُتلوا.
  • علينا أيضاً أن نشير إلى أن الجيش وجهاز الشاباك عندما يسبغان درجات عسكرية على كبار قادة "حماس"، بعد تصفيتهم (مثل قائد كتيبة، أو قائد لواء - كنوع من إسقاط لحالة الرتب في الجيش الإسرائيلي على مقاتلي "حماس"، فإن هذا الأمر مضلل ويخلق انطباعاً خاطئاً. إذ يبلغ عدد الأفراد في كتيبة أو لواء تابعَين لحركة "حماس" أقل من نصف عدد الأفراد في كتائب وألوية الجيش الإسرائيلي: يبلغ عدد الجنود في لواء الجيش الإسرائيلي نحو 4000 جندي، بينما يتكون اللواء في "حماس" من 1500 مقاتل تقريباً. لكن كل هذه الأمور لا يجب أن تقلل من حقيقة أن الجيش الإسرائيلي، بقيادة رئيس الأركان هرتسي هليفي، نجح في تفكيك معظم الهياكل العسكرية لحركتَي "حماس" والجهاد الإسلامي وإلحاق الضرر بالقادة البارزين الذين يصفهم الجيش بأنهم "مراكز معرفة".
  • يقدّر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هغاري، وباحتمال كبير جداً، أن محمد الضيف قُتل في الغارة الجوية التي تم تنفيذها قبل أكثر من أسبوع، عندما كان برفقة نائبه وشخص سرّي آخر، هو قائد لواء خان يونس رافع سلامة، الذي أكد الشاباك والجيش الإسرائيلي مقتله. وقد التقت الشخصيتان للتخطيط للعمليات. عثرت القوات الإسرائيلية في غزة على صورة لمحمد الضيف برفقة سلامة، وهما يجلسان في ظل دغلة. ولا يُستبعد أن تكون هذه الصورة التي يبدو فيها الشخصان مرتاحين، التُقطت في المكان نفسه الذي التقيا فيه سابقاً، وهو مكان تنفيذ الهجوم.
  • بنظرة الى الوراء، لقاء هذين الشخصين هو، طبعاً، خطأ استخباراتي ارتكبه محمد الضيف المعروف بحذره. فخلال قيام الجهاز الاستخباراتي بجمع المعلومات الاستخباراتية والمطاردة، هو يحتاج إلى الحظ والصبر أحياناً، وانتظار أصغر خطأ من العدو. وبات الجيش الإسرائيلي ينتظر، الآن أيضاً، الحصول على تأكيد لنتائج غارة أُخرى تم تنفيذها قبل بضعة أسابيع، لمعرفة ما إذا كان قُتل فيها قادة آخرون من "حماس".
  • لقد نجح الجيش الإسرائيلي أيضاً في تدمير معظم الترسانة الصاروخية القصيرة والبعيدة المدى التابعة لحركتَي "حماس" والجهاد الإسلامي. ومع ذلك، فلا يزال هناك قدرات صاروخية متبقية لدى الحركتين. ولا يقل أهميةً عن ذلك حقيقة أن الجيش دمّر المئات من محلات الحدادة المستخدمة في تصنيع الصواريخ، ومستودعات الصواريخ، ومعدات قتالية أُخرى، وهو ما يجعل قدرة هاتين الحركتين على تجديد المخزون الصاروخي محدودة جداً. بالإضافة إلى ذلك، فإن الضربات والعمليات البرية المنهجية دمرت غرف القيادة والسيطرة فوق الأرض وتحتها، وكذلك شوّشت عمل نظام تحويل الأموال إلى التنظيمين.
  • إحدى المفاجآت الكبرى التي قام بها الجيش الإسرائيلي في غزة تمثلت في النجاح في اقتحام رفح والسيطرة على معبرها الحدودي مع مصر. لقد كانت "حماس" تقدّر أن القوات الإسرائيلية لن تتجرأ على دخول المدينة التي يقطنها نحو مليون ونصف نسمة، هم في معظمهم، لاجئون غادروا منازلهم في شمال القطاع بأوامر من الجيش الإسرائيلي. لقد كانت "حماس" تعتقد أن خوف الجيش من الإضرار بالمدنيين، إلى جانب اعتقادها أن الضغوط الدولية والمعارضة المصرية ستردعان إسرائيل عن العمل في المدينة، وإذا أقدم الجيش على تلك الخطوة، فستكون تلك المدينة فخاً مميتاً للقوات الإسرائيلية. لكن هذا لم يتحقق.
  • على الرغم من ذلك، فإن قيادة الأركان الإسرائيلية صارت تدرك أن معظم أهداف الحرب تحققت، وإذا استمرت هذه الحرب، فإنها ستتحول إلى حرب استنزاف. إن "حماس" تقوم الآن بتغيير عقيدتها القتالية فعلاً، والتحول من الهياكل العسكرية شبه النظامية إلى خلايا حرب العصابات الكلاسيكية التي تتبنى تكتيك "اضرب واهرب".

 تحضيراً لـ"درع الضوء"

  • بات الخوف الأكبر هنا هو من أن تؤدي حرب الاستنزاف في غزة، بالتوازي مع حرب الاستنزاف المستمرة التي يخوضها حزب الله، إلى إشعال جبهة ثالثة في الضفة الغربية، حيث تزداد هجمات "الإرهاب" الفلسطيني، ويزداد عنف المستوطنين ضد السكان الفلسطينيين. إن تصعيداً كهذا سيؤدي أيضاً إلى زيادة الأعمال العدائية ضد إسرائيل في هضبة الجولان، وعلى الحدود مع الأردن. في حين أنه من المشكوك فيه أن يؤدي الهجوم الكبير على ميناء الحديدة ومواقع أُخرى في اليمن إلى ردع الحوثيين عن مواصلة إطلاق المسيّرات الانقضاضية والصواريخ في اتجاه إسرائيل.
  • لقد كشفت المسيّرات نقطة ضعف في نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي. فمنظومة القبة الحديدية ودوريات المقاتلات الجوية الهادفة إلى اعتراض الصواريخ، لا يمكنها منع اختراق المسيّرات للحدود الإسرائيلية بصورة تامة، لا في المدى القريب، ولا البعيد، وهذه حقيقة أثبتها نشاط الحوثيين، ليس في إيلات وصحراء عربة فحسب، بل أيضاً في قلب تل أبيب.
  • إن أفضل حل للتصدي للطائرات المسيّرة هو نظام "درع الضوء" (الذي كان يُطلق عليه في السابق اسم "شعاع الحديد"). هذه المنظومة الدفاعية النشطة تستند إلى الليزر الصلب (لا الليزر الكيميائي) في الحماية من الصواريخ والطائرات المسيّرة، بل حتى من قذائف المورتر. وتتمثل ميزة النظام الكبرى في أن تكلفة كل طلقة منخفضة جداً تبلغ عشرات الشواقل. ولكي نوضح الفكرة، فإن تكلفة كل صاروخ اعتراضي تطلقه القبة الحديدية تبلغ 150 ألف شاقل تقريباً. لقد أطلقت إسرائيل عدة آلاف من هذه الصواريخ الاعتراضية في حرب غزة، وبصورة خاصة على الحدود مع لبنان. أمّا العيب في نظام "درع الضوء"، فهو أن نطاق اعتراضها يصل إلى 10 كيلومترات. وهي المسافة نفسها التي تطالب إسرائيل حزب الله بالانسحاب إلى ما وراءها.
  • بدأ تطوير نظام "درع الضوء" بواسطة شركتَي "رفائيل" و"إلبيت" في سنة 2014، وبلغت تكلفته، حتى الآن، بضعة مليارات من الشواقل. ومن المفترض أن يكون النظام جاهزاً للعمل في الميدان خلال عام تقريباً. وكان أُعلن قبل عامين نجاح المنظومة في سلسلة من تجارب اعتراض المسيّرات، وتم نشر بطارياتها لأغراض تجريبية في غزة خلال الحرب. أمّا حماية الحدود الشمالية بصورة كاملة، فستتطلب نشر نحو 10 من هذه الأنظمة.
  • تسابق إسرائيل الزمن في هذا المضمار، ليس فقط بسبب حاجاتها العملياتية، بل أيضاً بسبب المنافسة التسويقية الدولية، إذ أعلنت كوريا الجنوبية، قبل أسبوعين، أنها أنهت سلسلة التجارب الخاصة بمنظومة مشابهة، وأنها شرعت في عملية الإنتاج الضخم لهذه المنظومات. وستبلغ تكلفة طلقة واحدة من النظام الكوري خمسة شواقل تقريباً. في حين تقوم بريطانيا والولايات المتحدة أيضاً بتطوير أنظمة مشابهة. في الوقت نفسه، تستمر إسرائيل، مثل الدول الأُخرى، في تطوير أنظمة ليزر لنطاقات أطول في البر والبحر، إلى جانب منظومة محمولة جواً. والمشكلة التي تواجهها شركتا "رفائيل" و"إلبيت" الآن، تتمثل في نقص المهندسين.
  • بات الجيش الإسرائيلي والمنظومة الأمنية الإسرائيلية يدركان أن المخرج المطلوب من الأزمة التي علقت فيها إسرائيل، يتمثل في التوصل إلى تسوية. ومثل هذه التسوية يجب أن يبدأ بصفقة تبادُل أسرى، يدعمها كلٌّ من رئيس الأركان، ورئيسَي الموساد والشاباك، وكذلك الحاخام الأكبر للطوائف الشرقية، الحاخام إسحق يوسف، وأعضاء في الحكومة، منهم وزراء حركة شاس، والوزيرتان ميري ريغف وجيلا جامليئيل. إذا تم التوصل إلى صفقة تبادُل، فسيتوقف إطلاق النار في غزة، كما أن حزب الله سيوقف هجماته الصاروخية، وأيضاً الحوثيون سيوقفون هجماتهم بالطائرات المسيّرة.
  • قد يساهم وقف القتال في جميع الجبهات في انتعاش الاقتصاد الإسرائيلي، وفي تحسين صورة إسرائيل في العالم، وتجديد ثقة بعض قطاعات الشعب بالدولة. لكن هناك شخصاً واحداً يمثل العقبة الرئيسية أمام تغيير الواقع - وهو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. هذا الرجل هو العقبة التي تعرقل وتعيق إسرائيل. وهو يعتبر أن صفقة إطلاق سراح الرهائن التي ستضمن مسيرة تدريجية من التهدئة والعودة إلى الحياة الطبيعية، تمثل حكماً بالإعدام السياسي على مسيرته. أمّا الوزيران إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وبعض أعضاء الكنيست من الليكود، فهم يهددون بتفكيك الحكومة في حال تم التوصل إلى صفقة. سيؤدي تفكيك الحكومة إلى إجراء انتخابات جديدة، وانسحاب نتنياهو من الحياة العامة (وهو أمر نتمنى حدوثه). ولا توجد أمام نتنياهو طريقة لبقائه في سدة الحكم إلّا استمرار الحرب بأيّ ثمن، حتى لو تمثل هذا الثمن في حياة الرهائن، وتدمير الاقتصاد الإسرائيلي، وفقدان مواطني إسرائيل أيّ بصيص من الأمل.

 

 

المزيد ضمن العدد