بينما تواصل إسرائيل مسيرة انهيارها، يواصل نتنياهو بيع الأكاذيب الدنيئة للجمهور
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف
  • ما من تضليل أخطر من طرح الحاجة العملانية إلى الانتصار على "حماس" والقضاء عليها، ومن هنا، نحن بحاجة إلى الاستمرار في الحرب، ووضعها في مقابل الاعتبار الإنساني الداعي إلى تحرير المخطوفين والحاجة إلى وقف الحرب. في رأي كثيرين من الناس، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، إن وقف إطلاق النار من أجل تحرير المخطوفين سيؤدي إلى تعرُّض إسرائيل لمحرقة ثانية على يد "حماس"، ستستمر أعواماً طويلة، مثلما حدث لنا في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
  • وفي رأي هؤلاء، سيُقتل عدد كبير من المواطنين المخطوفين الذين سننقذهم الآن، إذا حررناهم في مقابل وقف القتال. من هنا، يرى نتنياهو وأعضاء حكومته وكثيرون من اليمين المتطرف وعدد من المواطنين الجهَلة في المجال الأمني، أنه من المهم الاستمرار في محاربة "حماس" حتى تحقيق النصر المطلق، ولو جاء هذا القتال على حساب المخطوفين.
  • لماذا هذه الكذبة دنيئة؟ لأنها تخلق تناقضاً ما بين الحاجة الملحة إلى الاستمرار في القتال وتقويض "حماس" وبين تحرير المخطوفين، على الرغم من عدم وجود خيار لتقويض "حماس"، والوقت الذي ستستمر خلاله الحرب لا يغير شيئاً.
  • القيادة الرفيعة المستوى في الجيش لا تعترف بأنها لم تنفّذ الهدف الأساسي، أي القضاء على "حماس"، وهي تواصل تضليل الجمهور وإغماض عينيه، مدّعيةً أنه بقليل من الضغط، سيحقق الجيش أهدافه. ويجب ألّا ننسى أننا لم نطلق بعد سراح المخطوفين الذين قد لا يتمكنون من البقاء في قيد الحياة في الأنفاق الخانقة، بمرور الوقت.
  • لقد نسيَ المخادعون الكبار الإشارة إلى أن 80% من الكيلومترات التي تمتد عليها أنفاق "حماس" لا تزال موجودة، وتحت سيطرتها، وأن عدد مقاتلي الحركة يبلغ عشرات الآلاف. وما زال عدد كبير منهم يختبئ في داخل الأنفاق، وعدد آخر يتنكر في هيئة مواطنين أبرياء، وينتشرون في المنطقة كلها.
  • لكي يتمكن الجيش الإسرائيلي من القضاء على "حماس"، كان يتعين عليه القضاء على البنية الأساسية لهذا التنظيم "الإرهابي" المتمثلة في مئات الكيلومترات من الأنفاق. لا يكفي تدمير المباني والبنى العسكرية لـ"حماس" فوق الأرض، وقليل منها تحت الأرض. ومن أجل تدمير مئات الكيلومترات من الأنفاق في قطاع غزة وإغلاق الأنفاق تحت محورَي فيلادلفيا ونتساريم، يحتاج الجيش الإسرائيلي إلى البقاء فترة طويلة في الأراضي التي احتلها، ومن أجل تدمير الأنفاق.
  • لكن الجيش لم يجهّز الأدوات المناسبة لتدمير الأنفاق طوال السنوات الماضية لأنه اعتقد أن الحرب لن تنشب قط، وبسبب النقص الكبير في فائض القوة نتيجة التقليص الهائل في سلاح البر، والذي قام به الجيش في العقود الأخيرة، اضطر الجيش إلى مغادرة الأراضي التي احتلها والانتقال إلى أسلوب الاقتحامات الذي لا يمكن أن يؤدي إلى القضاء على "حماس"، لكنه قادر على إلحاق خسائر فادحة بقواتنا، وإنهاك عناصر الاحتياط، وتدمير الاقتصاد، ويجعلنا نخسر علاقاتنا الدولية، ويُلحق الأذى الشديد بمناعة المجتمع.
  • من الأجدى أن نفهم أن قتل زعماء "حماس" وحزب الله لن يدفع بنا قدماً نحو الانتصار. لكلٍّ من هؤلاء بديل، وأحياناً، أكثر تطرفاً بكثير من الذين قمنا باغتيالهم. علاوةً على ذلك، لدى "حماس" معابر مفتوحة في الأنفاق التي تمر من سيناء إلى قطاع غزة، من تحت محور فيلادلفيا (بخلاف ما يقوله لنا قادة الجيش)، وكذلك في محور نتساريم.
  • إن قدرات التنظيم ستظل موجودة. وحتى لو قررت "حماس" أنه من الأجدى التوصل الآن إلى اتفاق تهدئة يستمر عدة أعوام، فإنها ستظل تشكل تهديداً حقيقياً لدولة إسرائيل، لأن الجيش لم ينجح في القضاء عليها. وخسارتنا في المدَيين القصير والبعيد كبيرة. فقط زيادة عديد سلاح البر والقدرة على البقاء في الأراضي التي نحتلها فترة طويلة، وتدمير كل الأنفاق، واستبدال حُكم "حماس"، أمور يمكنها أن تؤدي إلى القضاء على "حماس".
  • لكن ليس هذا هو الوضع السائد اليوم، بعد أن قلّصنا ست كتائب من سلاح البر في العقود الأخيرة، وهو ما ألحق ضرراً كبيراً بسلاح البر. إن الوهم الذي يحاولون تسويقه للجمهور أننا على وشك القضاء على "حماس" هو عملية احتيال كبيرة لا علاقة لها بالواقع.
  • كل يوم يمر من حرب "السيوف الحديدية" يعمّق مسار انهيار دولة إسرائيل. الجيش منهك، وخصوصاً قوات الاحتياط التي لم يعد في إمكانها تحمُّل العبء وحدها لأنه لا يوجد بديل منها. عدد كبير منهم غير مستعد للاستمرار في تلبية الدعوات المتكررة إلى تجنيد الاحتياطيين، الأمر الذي يهدد سلامة سلاح الاحتياطيين.
  • إن الاستمرار في الحرب يُلحق ضرراً جسيماً بالاقتصاد الإسرائيلي، فنحن نعاني الآن جرّاء العزلة في العالم، وتزداد المقاطعة الاقتصادية لنا. توظَّف مبالغ طائلة في الحرب، وليس هناك مَن يستردها. لقد اضطرت الدولة إلى الاستدانة بفوائد عالية بسبب انخفاض تصنيفها الائتماني، هناك هجرة أدمغة من إسرائيل، كانت تحرك الاقتصاد الإسرائيلي. العجز يزداد من يوم إلى آخر، وهناك مئات الآلاف من العاطلين من العمل، بينهم عدد كبير من النازحين. إن تكلفة إعادة بناء المستوطنات والبلدات القريبة من الحدود الشمالية والجنوبية تبلغ كثيراً من المليارات، هذه فقط قائمة جزئية.
  • على مستوى العلاقات الدولية، إسرائيل هي الخاسر الأكبر. كل يوم يمرّ من الحرب يعمّق عزلة إسرائيل في العالم، ويرفع منسوب العداء للسامية. وفقط القرارات الأخيرة للمحكمة في لاهاي ستؤدي إلى عزلة في العالم لم يعرف مثيلاً لها سوى قليل من الدول.
  • الكراهية التي تشتعل في إسرائيل، والتي تتعمق مع استمرار الحرب بين اليمين واليسار، وبين المتدينين والعلمانيين، وبين العرب واليهود، تفكك الدولة من الداخل. أقول في هذه اللحظة، وبصوت عالٍ وقاطع وواضح للذين يضغطون من أجل الاستمرار في الحرب بأيّ ثمن، ومن بينهم نتنياهو وجماعته، إنه استناداً إلى كل الوقائع، لن يستطيع الجيش الإسرائيلي تحقيق الانتصار على "حماس" في ظل الوضع الحالي. وعلى الرغم من هذه الحقائق، فإنهم يريدون الاستمرار في الحرب، حتى لو كان الثمن التخلي عن المخطوفين والاستمرار في مسيرة انهيار الدولة على جميع المستويات التي تحدثت عنها.
  • دعونا نلتقي بعد مرور ستة أشهر، لنرى مَن منا على حق، أنا، أو أنتم؟ بعد ستة أشهر، أنتم مضطرون إلى الوقوف أمام الشعب، وأن تشرحوا له لماذا لم يؤدّ استمرار الحرب إلى القضاء على "حماس"، بعكس ما تدّعون. ستضطرون إلى إقناع الشعب لماذا تخليتم عن تحرير المخطوفين، بعد أن بدا أنهم لن يبقوا في قيد الحياة بسبب وهم القضاء على "حماس"، الذي أدى إلى انهيار الدولة على جميع المستويات. إن الشعب الإسرائيلي لن يسامحكم قط؛ وستُسجل أفعالكم في كتب التاريخ، وستُحفظ إلى الأبد.
  • من المهم الآن، المبادرة إلى وقف إطلاق النار الذي من خلاله يجري الاتفاق على تحرير المخطوفين، ويمكننا الافتراض أن هناك إمكانية كبيرة أن يؤدي هذا إلى وقف حزب الله إطلاق النار؛ ويجب الحرص على ترميم الجيش جرّاء النقص في الدبابات وقطع الغيار والذخيرة التي تآكلت بصورة كبيرة؛ كما يجب ترميم الاقتصاد الإسرائيلي، والعلاقات الدولية، وتعزيز حصانة المجتمع من أجل السير على الطريق الصحيحة، ولكي نعود أقوياء وقادرين على مواجهة جميع التحديات.

 

 

المزيد ضمن العدد