خطاب نتنياهو: عندما لا تلتقي الأقوال والأفعال
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

  • طرح نتنياهو في خطابه في الكونغرس "السردية" الإسرائيلية بشكل جميل ولافت: "فظائع" السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وحقيقة أن إسرائيل، منذ ذلك الوقت، تدافع عن نفسها في مواجهة هجمات المحور "المتطرف" في الشرق الأوسط، بقيادة إيران. في مقاطع معينة من الخطاب، وخصوصاً عندما عرض جنود الجيش الذين قاتلوا بشجاعة، ترقرقت الدموع من العيون، وكان هناك غصة في الحلق.
  • ولأن اللهجة كانت مكتملة، فإنها أبرزت ما لم يرِد في الخطاب - الدمج ما بين الأقوال والأفعال. نتنياهو ليس وزيراً للـ"هسباراه"، وليس وزيراً للخارجية أيضاً، إنه رئيس الحكومة الذي وقعت إسرائيل خلال ولايته في البئر الأكثر عمقاً منذ تأسيسها. الكلمات لا تكفي لإخراجها من هناك، يجب اتخاذ قرارات عملية، من الضروري الدفع بها قدماً أيضاً.
  • الفجوة العميقة ما بين الكلمات والأفعال في خطاب نتنياهو برزت في 6 مجالات مركزية:

إعادة المخطوفين

  • لقد أكثرَ نتنياهو من شعارات "سنعيدهم جميعاً"، لكنه امتنع من التطرق إلى صفقة التبادل المطروحة وإبداء الاستعداد للدفع بها قدماً. وأكثر من ذلك، هو يقوم بتأجيل سفر الوفد الإسرائيلي لإجراء المفاوضات في القاهرة، بعكس موقف جميع رؤساء الأجهزة الأمنية، كما أنه جعل القدرة على التوصل إلى صفقة أمراً أصعب، عبر وضع شروط جديدة لم تكن واردة في الصفقة الأصلية التي وافق عليها "الكابينيت" برئاسته، وتبنّتها إدارة بايدن ومجلس الأمن.

"اليوم التالي للحرب"

  • متأخراً 9 أشهر، تذكّر نتنياهو الحديث عن إدارة مدنية فلسطينية. هذه الفكرة لم يدعمها بالأفعال. ولم يوقف فقط، على مدار أشهر، النقاشات بشأن "اليوم التالي للحرب"، إنما قامت الحكومة، برئاسته، بعدم استغلال الضرر العسكري الصعب الذي لحِق بـ"حماس" من أجل تقوية جهات بديلة داخل غزة وخارجها، وهو ما كان من شأنه أن يخلق بديلاً من "حماس"، والأهم أنه كان سيدفع الدول العربية المعتدلة إلى المساعدة على تحقيق هذا الهدف.

التصعيد في الشمال

  • نتنياهو تطرّق إلى الموضوع بشكل هامشي، ولم يقترح أيّ خطة عمل، أو استراتيجيا عملية لإعادة سكان الشمال إلى منازلهم. أي استراتيجيا كهذه تمرّ من خلال صفقة تبادل وهدنة في الحرب في غزة، ومن شأن هذا السماح للجيش بالتحقيق والراحة والتحضير للمعركة الرئيسية ضد حزب الله. هذا في حال فشلت الجهود الدبلوماسية في التوصل إلى اتفاق سياسي يعيد الحياة الروتينية إلى الشمال.

إيران

  • امتنع نتنياهو في الخطاب من ذِكر أن الخطة النووية الإيرانية حققت اليوم أكبر تقدُّم في تاريخها، وبشكل مفاجئ، لم يطالب العالم بإيقافها. جرى التقدم الإيراني في أعقاب خروج الرئيس ترامب من الاتفاق النووي، بدفع من نتنياهو الذي وقف ضد الاتفاق في خطابه السابق في الكونغرس في سنة 2015. وبدلاً من السعي للتوصل إلى تفاهمات مع الولايات المتحدة تُترجم إلى خطة استراتيجية وعملياتية، وتتماهى مع تصريحات 4 رؤساء أميركيين بالالتزام بمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، ادّعى نتنياهو، بطريقة غريبة للغاية، أن إسرائيل تعمل على منع إيران من تطوير سلاح نووي، وأنها تدافع عن أميركا.

مواجهة متعددة الجبهات

  • هدد نتنياهو بأن جميع أعدائنا سيدفعون ثمناً غالياً إذا هاجمونا، وذلك بعد تبادل القصف مع الحوثيين. لكنه لم يقترح أيّ طريقة لمنع مسار وحدة ساحات الأعداء الذين يعملون ضدنا. لا يوجد لدى إسرائيل أيّ مصلحة في تشتيت عملياتها، أو مواردها العسكرية على 7 جبهات مواجهة، ومن الأفضل لها عدم الانجرار إلى حرب استنزاف متعددة الجبهات، يمكن أن تتدحرج إلى حرب كاملة في الشمال والشرق.

التطبيع و"حلف أبراهام"

  • فيما يتعلق بهذا الموضوع أيضاً، وزع نتنياهو شعارات، لكنه نسيَ أن يقول ما يجب القيام به من أجل تحقيق التطبيع - أي أن يوافق على فتح أفق سياسي لحل الصراع مع الفلسطينيين. هذا الالتزام لا يسمح له بن غفير وسموتريتش بالتكلم عنه.
  • الفيلسوفة حنة آرنت قالت مرة إن "القوة تتحقق فقط عندما تتلاقى الكلمات والأفعال". في خطاب نتنياهو في الكابيتول، يوم الأربعاء، كان التجسير بينهما غير ممكن. صفقة التبادل المطروحة على الطاولة هي الخطوة الأساسية الأخلاقية والاستراتيجية، التي يمكنها إخراج إسرائيل من المـأزق الذي دخلت إليه. لكن يبدو أن ما يوجّه نتنياهو ليس الضمير الأخلاقي وقيمة إعادة الرهائن، ولا الاعتبار الاستراتيجي الذي يمكن أن يقود إسرائيل نحو التطبيع ويمنع حرباً متعددة الجبهات، ويدفع قدماً ببناء ترتيبات إقليمية ودولية في مواجهة إيران التي تزحف نحو القنبلة النووية. ولسوء الحظ، من الواضح أن البوصلة الوحيدة التي تقود نتنياهو هي البوصلة السياسية ونجاته الشخصية.