نتنياهو ليس تشرشل، بل هو أسوأ رئيس حكومة في تاريخ إسرائيل
تاريخ المقال
المواضيع
فصول من كتاب دليل اسرائيل
مهند مصطفى
أسامة حلبي, موسى أبو رمضان
أنطوان شلحت
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي، الذي كان يبدو في الماضي شخصاً ذكياً، قال في مقابلة أجراها رافي ريشف في الأسبوع الماضي (عبر القناة 12، 14/7/2024): "إن التاريخ سيسجل أن نتنياهو هو الشخص الذي نجح في تعزيز قوة إسرائيل". وعلى خلفية ما مرت به إسرائيل منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر حتى الآن، يبدو كلام هنغبي غريباً فارغاً، لا أساس له، ولا منطق.
- يبدو أنني أفهم بعض الشيء في كتابة التاريخ، وليس لديّ شك في أن التاريخ سيكتب في العقود المقبلة أنه أسوأ رئيسٍ للحكومة. من المعقول الافتراض أنه يسعى لتحقيق "النصر المطلق" على "حماس" في الأشهر المقبلة، كسبيل "للحصول" على مكانة جيدة في تاريخ شعبنا. لكن حتى لو تحقق "النصر المطلق"، لا أعتقد أن هذا سيغيّر حُكم التاريخ بصورة جوهرية. سيظل نتنياهو يحمل وصمة 7 تشرين الأول/أكتوبر، وكذلك زجاجات الشامبانيا [التي حصل عليها نتنياهو كرشوة واتُّهم بالفساد]، إلى الأبد.
- هل عزز نتنياهو قوة إسرائيل؟ إسرائيل اليوم ضعيفة، وتبدو في نظر أعدائنا ضعيفة، على الرغم من مخزونها من القنابل في الأقبية، وعلى الرغم من كتائبها المدرعة ووحداتها الخاصة. المسؤول الأول عن ذلك هو رئيس الحكومة الذي يتولى منصبه منذ 15 عاماً (مع توقُّف مدة سنة ونصف في الفترة 2021-2022). منذ 9 أشهر، وبجيش مؤلف من نصف مليون جندي، لم تنجح إسرائيل في القضاء على تنظيم "إرهابي" مؤلف من 30 ألف مقاتل مزودين، في الأساس، ببنادق وقذائف آر بي جي وصواريخ مضادة للدبابات، ضمن منطقة جغرافية صغيرة (مع معرفتي بتعقيد المعركة في منطقة سكنية، وبمتاهة الأنفاق التي لم تجد إسرائيل حلاً فعالاً لها).
- إسرائيل لا تتجرأ على ضرب حزب الله بجدية، وهو الذي يقصف مستوطنات الشمال بالقذائف والصواريخ والمسيّرات يومياً، وهي لا تتجرأ على ضرب إيران التي أطلقت مئات الصواريخ والمسيّرات عليها في نيسان/أبريل، وتعمل على إدامة الهجوم المتعدد الساحات على بلدنا منذ تسعة أشهر، هل إسرائيل قوية فعلاً؟
- يُكثر نتنياهو من ذِكر رئيس الحكومة البريطاني ونستون تشرشل خلال الحرب العالمية الثانية، وهو يلتقط صوراً مع كتب تتحدث عنه. ويشبّه نفسه، ضمنياً، بهذه الشخصية البريطانية الكبيرة.
- لكن لا توجد مقارنة أكثر سخافةً من هذه المقارنة. تشرشل كان رجلاً شجاعاً ومقداماً، استطاع منذ البداية رؤية الخطر الذي يتربص ببلده، وفي نهاية الأمر، وحّد شعبه في مواجهة الخطر النازي. مقارنةً بتشرشل، فشل نتنياهو في تشخيص التهديد الأمني، على الرغم من التحذيرات المتتالية من رؤساء المنظومات الأمنية، وفي العامين الأخيرين، نجح في تفكيك شعب إسرائيل من خلال محاولاته تقويض النظام الديمقراطي والاستخدامات المختلفة لمسار الحرب، وفشله في حل مشكلة المخطوفين.
- زعيم حقيقي، مثل تشرشل، يعرف كيف تُتخذ القرارات الكبيرة. في المقابل، برع نتنياهو، منذ سنوات، في التردد ـ الذي يعتبره البعض جبناً، ونجح ببراعة كبيرة في تسويقه وسط مؤيديه الجهَلة على أنه ذكاء وحكمة. في بداية حرب غزة، والتي أطلق عليها اسماً غريباً "السيوف الحديدية" (أعتقد أن هذا الاسم سيُنسى بعد سنوات، مثله مثل اسم "سلامة الجليل"، الذي أطلقه مَن سبقه في زعامة اليمين مناحِم بيغن على حرب لبنان الأولى)، أجّل نتنياهو الغزو البري لغزة عدة مرات، وهذا ما فعله في الجولات السابقة ضد "حماس".
- حالياً، يتهرب نتنياهو، منذ 9 أشهر، من حسم المواجهة مع حزب الله. طوال سنوات تولّيه رئاسة الحكومة، امتنع أكثر من مرة من الحسم في مواجهة المشروع النووي الإيراني، والذي أصبح الآن على وشك أن يتحقق. وعموماً، خلال السنوات التي تولى فيها نتنياهو منصبه، امتنع من حسم مستقبل الضفة الغربية: هو لا يسير مع الضم، ولا مع الانفصال ضمن إطار سلام يعتمد على دولتين لشعبين.
- كان تشرشل، خلال مسيرته المهنية الطويلة، شخصية موضع خلاف أحياناً، وكوزير في الحكومة البريطانية، اتخذ العديد من المبادرات التي أثارت المعارضة من اتجاهات متعددة، لكنه ظل شخصية تحظى بتأييد الجمهور العريض، وفي سنة 1940، وحّد الشعب حول قضية نبيلة.
- في المقابل، نجح نتنياهو في التحريض والتقسيم طوال مسيرته المهنية الطويلة. لقد حرّض ضد الليبراليين، وضد يتسحاق رابين، وضد العلمانيين، وضد اليسار ("الذين نسوا كيف يكونون يهوداً")، وفرّق بين السفارديم والأشكينازيم. كل عمله كان التحريض والتفرقة. رئيس الحكومة السابق يتسحاق شامير، من الليكود، كان محقاً عندما وصف نتنياهو بـ"ملك التخريب". اليوم، هو يحرّض ضد زعماء المنظومات الأمنية، وضد عائلات المخطوفين؛ وقبل عام، حرّض ضد المنظومة القضائية وهيئات فرض القانون، كل هذا خدمةً لمآربه الشخصية، أي الاستمرار في الحكم والتملص من السجن.
- هناك فوارق كبيرة بين نتنياهو وتشرشل، فالبريطاني كان يتمتع بحس قوي من السخرية، بما فيها السخرية من نفسه. لا أتذكر أن نتنياهو سخر ذات مرة من نفسه، وغالباً ما تكون ابتساماته (النادرة) للسخرية من الآخرين. كذلك، لا يوجد أيّ شبه من حيث البراعة في اللغة الإنكليزية. كان تشرشل يتقن اللغة الإنكليزية ببراعة، ونجح في تحويلها إلى أداة قوية لتعبئة الشعب والتأييد الخارجي لبريطانيا في أصعب الأوقات. ونجح في ترسيخ الحلف البريطاني - الأميركي.
- في المقابل، في العقود الأخيرة، ومن خلال رفضه احتمالات السلام مع الفلسطينيين وتعميق السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، سيطرة سمحت باستمرار الجرائم ضد السكان الفلسطينيين، نجح نتنياهو في تقويض العلاقات الخاصة بين الدولة اليهودية وبين زعماء العالم الحر. ومن خلال شخصيته الفاسدة، زرع العداء لإسرائيل وسط جماهير كبيرة في الغرب، وهذا العداء انفجر في وجوهنا بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر. واليوم، يبدو أنه يزيد في الصدع بين إسرائيل والشعب الأميركي، وخصوصاً الجيل ما بين 15 و45 عاماً، وهذا يشمل عدداً كبيراً من اليهود، بسبب أفعال نتنياهو وشخصيته.
- ومقارنةً بتشرشل، فإن معرفة نتنياهو باللغة الإنكليزية هي في مستوى خريج في المرحلة المتوسطة من جامعة أميركية جيدة، لا أكثر. وخلال السنوات الطويلة التي أمضاها في رئاسة الحكومة، هل صدرت عنه عبارة يمكن أن تُسجّل في تاريخ الشعب؟ (من أقوال تشرشل المأثورة قوله للشعب البريطاني: "ليس لديّ ما أقدمه سوى الدم والنضال والدموع والعرق")ـ لكن يجب الاعتراف بأن نتنياهو يجسد ما تنبأ به والده المؤرخ بن تسيون نتنياهو عندما قال إن ابنه مناسب لأن يكون وزيراً للخارجية...
- في الأشهر الأخيرة، رفض نتنياهو كل محاولة لتأليف لجنة تحقيق حكومية في أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر. السبب الأساسي واضح، وهو التهرب من المسؤولية، ومن المساءلة بشأن أفعاله وإخفاقاته. لكن الأمر له علاقة أيضاً بموضوع التسجيلات. لا شك في أن أوامر نتنياهو التي طلب فيها وقف التسجيلات في مقر هيئة الأركان العامة وأماكن أُخرى، كان الهدف منها عدم وصول هذه التسجيلات إلى لجنة التحقيق، إذا شُكلت. ومن هنا، فإن التقرير الذي سيصدر عن اللجنة هو الذي سيستند إليه المؤرخون في المستقبل بشأن تقديرهم لأداء نتنياهو (مثلما تُستخدم وثائق لجنة "أغرانات" اليوم من جانب الباحثين في حرب يوم الغفران – حرب أكتوبر 1973).
- لكن في غضون ذلك، لدينا اليوم صحف، وعدة قنوات إخبارية إلكترونية، تزودنا بسيل من المعلومات بشأن ما حدث قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، وفي ذلك اليوم، وفي الأيام التي تلته. وإذا أردنا أن نحكم وفق ما نشر، سيُدرج نتنياهو في كتب التاريخ بصفته الرجل الذي أضعف إسرائيل، وزاد في قوة "حماس" وأعداء إسرائيل الآخرين.
- ووفق ما نُشر، زوّد نتنياهو "حماس" بالمال (عن طريق قطر)، ومنح حزب الله وإيران الهدوء الذي احتاجا إليه لاستكمال قوتهما، ونجح في تقليص القوات البرية في الجيش الإسرائيلي، وضلل الأجهزة الاستخباراتية والجيش بشأن نيات "حماس" من خلال تطبيق نظرية "حماس مردوعة".
- في الوقت عينه، عمل على إضعاف السلطة الفلسطينية وإذلالها، سعياً لمنعها من التقدم نحو حل دولتين لشعبين (وهنا يجب أن أعترف بأنه لديّ شكوك كبيرة في رغبة الفلسطينيين وقدرتهم على التوصل إلى تسوية إقليمية مع إسرائيل، حتى الآن، وفي كل منعطف، رفضت القيادة الفلسطينية منذ أيام الحاج أمين الحسيني، وياسر عرفات ومحمود عباس، وطبعاً "حماس"، اقتراحات الحل والتسوية. هذا ما جرى في سنة 1937، وفي الفترة 1947-1948، وفي سنة 2000، وسنة 2008. لكن هذا لا يعفي زعماء إسرائيل من محاولة التوصل إلى حلّ على أساس الدولتين، وهو الحل الوحيد الذي سيحقق السلام في المنطقة، ويؤدي إلى الاعتراف بأن السيطرة على شعب آخر أعواماً طويلة لم يعد ممكناً في القرن الواحد والعشرين).
- ليس لديّ أدنى شك في أن التأريخ للحرب الحالية في المستقبل سيجد أن نتنياهو هو المذنب الأساسي، سواء عن التقصير الاستخباراتي، أو عن الأداء الفاشل للجيش في 7 تشرين الأول/أكتوبر وما بعده (مثلما تبين أن تشامبرلين مذنب في الهزيمة التي حدثت في نيسان/أبريل – أيار/مايو في بداية الحرب العالمية الثانية). ويمكننا الافتراض أن نتنياهو وأتباعه سيزعمون، دفاعاً عن أنفسهم، أن كتابة التاريخ (مثل الصحف) هي في قبضة اليسار الليبرالي، وأن هناك عدداً قليلاً من المؤرخين من اليمين. لكنني متأكد من أنه حتى المؤرخين من التوجهات اليمينية، سيجدون في المستقبل أن نتنياهو هو المسؤول والمتهم بإخفاقات السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وبإضعاف إسرائيل وتقوية أعدائها.
- لا أعلم ما إذا كان "نتنياهو هو الرجل الأكثر حقارةً في تاريخ الشعب اليهودي": كما يقول نحميا شتراسلر في كل أسبوع في "هآرتس" ، لكن لا شك في أنه الشخص الأكثر فساداً والأقل كفاءةً من بين زعماء دولة إسرائيل على مرّ التاريخ، هكذا سيحكم عليه التاريخ.