الخطاب خطاب نتنياهو، والموقف موقف سموتريتش
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

  • لم يكن سبب قيام الوزير إيتمار بن غفير بنشر تغريدة يعبّر فيها عن إعجابه بخطاب رئيس الوزراء نتنياهو في الكونغرس الأميركي في شبكة X (تويتر سابقاً) التملق، ولم يكن دافعها محاولة التصالح معه، بعد تصريحاته عن السماح لليهود بالصلاة في الحرم القدسي، هذا إذا كان هناك حاجة إلى التصالح بينهما. كلا. هذا ليس أسلوب بن غفير: بل إنني أجزم بأن الرجل أُعجب حقاً بكلام نتنياهو، لأن هذه الكلمات، في الأغلب، كانت كلماته وكلمات رفيق دربه الوزير بتسلئيل سموتريتش. لقد كانت اللكنة الإنكليزية في الخطاب من إبداع نتنياهو، وكذلك الأسلوب، والتقديم، وحركات الوجه، والمواضع التي رفع فيها صوته، أو حرّك يديه، وغيرها من التفاصيل الصغيرة. لكن 95% من فحوى الخطاب ورسالته الأساسية مأخوذ من المدرسة الفكرية المشتركة التي تجمع ما بين بن غفير وسموتريتش. لقد عبّرت هذه الأفكار عن رؤيتهما للعالم، وإن كانت قد خضعت لتعديلات وعملية تحرير لغوي بسيطة.
  • قيل عن الخطاب إنه كان مؤثراً، لكنه يفتقر إلى عنوان، وأنه كان خطاباً توضيحياً موجّهاً إلى الآذان الأميركية، وأنه، على الرغم من كونه خطاباً إسرائيلياً جداً، فإنه منفصل جداً عن الواقع الإسرائيلي. هناك حقيقة في كل التوصيفات المذكورة أعلاه. ومع ذلك، فإن هذه السمات كلها ليست السمات الأساسية للخطاب. إذ اختار نتنياهو، بوعي، أن يعرض في خطابه تصوراً قاتماً ويائساً ومرعباً وغاضباً لإسرائيل، كدولة تعيش حرباً لن تنتهي قط. حرب أبدية بينها وبين قوى الظلام التي تحاصرها وتنهض لملاحقة اليهود في كل جيل لتدميرهم. هذا التصور يقول إن إسرائيل محكوم عليها بأن تكون ساحة المعركة الأبدية بين "الخير المطلق" (نحن) وبين "الشر المطلق"، هم: الإيرانيون، والفلسطينيون، والمتظاهرون، وقضاة لاهاي، وغيرهم كثيرون من ورثة "العماليق"، وملوك بابل، وهيرودس، ومحاكم التفتيش، وهتلر، وستالين، والمفتي (أمين الحسيني). هؤلاء هم الـ "هم" الذين عناهم نتنياهو عندما قال "نحن سننتصر، وهم سيُهزمون". لقد قال سننتصر، كما أوضح لمستمعيه، في جولات متكررة لا تنتهي من الحرب المستمرة، دفاعاً عن البقاء، الحرب التي حُكم علينا العيش في ظلها إلى الأبد.
  • هكذا يعود نتنياهو، بعد أن انشغل على مدار سنوات بنشر أيديولوجيا صهيونية متفائلة [كتابه "مكان تحت الشمس"]، إلى تبنّي النظرة الشديدة التشاؤم لوالده المؤرخ [واليميني المتعصب]، وزميليه في الحكومة، سموتريتش وبن غفير: نحن اليهود لنا حق حصري، كما ورد واضحاً في الاتفاقية الائتلافية الراهنة، في التحكم بجميع مناطق أرض إسرائيل، لكي نبني عليها حلمنا ونحقق فيها تطلعاتنا الدينية والوطنية، والويل كل الويل لمن يحاول أن يعترض طريقنا. لم يبقَ أمام الفلسطينيين سوى قبول السيطرة اليهودية غير القابلة للتشكيك على كل أرض إسرائيل، من البحر إلى النهر، بما يشمل قطاع غزة. وهي سيطرة تستند إلى دورنا الفريد، بصفتنا شعب الله المختار: أن نكون حماة الحضارة في مواجهة جميع أعدائها.
  • أنا أشك فيما إذا كان أعضاء الكونغرس، الذين وقفوا عشرات المرات تحيةً لخطاب نتنياهو، قد فهموا مغازي وآثار هذا التصور المتطرف وغير القابل للتفاوض، الذي عرضه الرجل أمامهم.
  • في "فصول الآباء [الأوائل]".[1]  يقول الحاخام عكيفا "إن كل شيء يمكن التنبؤ به والإذن معطى". وعلى الرغم مما يبدو كحتمية يهودية دينية تسرق الحق في التحديد المسبق للمصير، فإن اليهودية أيضاً تحافظ على هامش واسع لحرية الفرد والشعب، وتحفظ الحرية للخروج عن مسلّمات الماضي وتغييرها من أساسها. فللمرء الحق في أن يكون قديساً، أو شريراً، وله الحق في أن يكون ساعياً للسلام، أو للسيطرة على شعب آخر. هناك خيار. أمّا بالنسبة إلى نتنياهو موديل 2024، فإن هذا الحق غير قائم، ولا بديل من الصراع الشامل المفروض علينا. لذلك يقول الرجل إن علينا ألّا نحارب لنعيش، بل أن نعيش لنحارب. أمّا إسرائيل، حسبما يفيد المعنى العميق لكلمات نتنياهو، فهي ليست دولة، بل رسالة، أمّا نتنياهو (مع زوجته)، فهما الرسول.. الرسول المطلق.

______________

[1] مجموعة من التعاليم والحكم الأخلاقية من التقليد اليهودي الحاخامي. وهو جزء من الأدب الأخلاقي اليهودي التعليمي. وبسبب محتوياته، يُطلق عليه أحياناً اسم "أخلاق الآباء" [المترجم]