إسرائيل تتورط في تصعيد في الشمال، قبل أن تنجح في فرض استقرار على الجبهة في الجنوب
تاريخ المقال
فصول من كتاب دليل اسرائيل
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- تمارس إسرائيل لعبة "الروليت الروسية" في الشمال منذ أشهر طويلة. لقد أطلق حزب الله على مدار تلك الفترة آلاف الصواريخ ومئات الطائرات المسيّرة على بلدات الجليل والجولان، وحتى الآن، لم تتسبب عملياته بأيّ حادثة قتل جماعي. لقد انهارت النتائج التراكمية الإحصائية هذه بعد ظهيرة السبت في ملعب كرة القدم في قرية مجدل شمس الدرزية، الواقعة على سفوح جبل الشيخ، إذ قُتل 12 طفلاً وشاباً جرّاء سقوط صاروخ كبير أطلقه حزب الله. كما أصيب 29 شخصاً آخرين، بعضهم في حال الخطر.
- جاءت عملية القصف التي نفّذها حزب الله، رداً على هجوم إسرائيلي في قرية كفركلا، حيث قُتل أربعة من أفراد وحدة الرضوان، وهي وحدة الكوماندوس التابعة لحزب الله، وفي وقت سابق من مساء اليوم، عُقدت مشاورات عاجلة في صفوف قيادة المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وهددت مصادر لم تذكر اسمها بأن إسرائيل سترد رداً قاسياً على حادثة مجدل شمس.
- لم يتمكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من المشاركة في هذه النقاشات، إلا عن بُعد. فإصراره الأناني على تمديد زيارته للولايات المتحدة حتى نهاية الأسبوع، تركه في واشنطن، بينما كانت إسرائيل وحزب الله أقرب ما يكون إلى حرب شاملة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر. ومن الصعب القول إن سلوكه هذا كان غير متوقع تماماً.
- بعد ساعات من التأجيل والتردد، أعلن ديوان نتنياهو أنه "أعطى تعليماته بالعودة إلى إسرائيل بأسرع وقت ممكن". في حين تأخر إصدار تصريح علني يعلن الأسف لمقتل أطفال الجولان لمدة استمرت عدة ساعات، وقد تُركت هذه المهمة، كما جرت العادة مؤخراً، للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي. فالحديث عن الإخفاقات الأمنية ليس من ضمن قائمة اهتمامات نتنياهو.
- لقد حرصت إسرائيل، على امتداد أشهر الحرب مع "حماس"، على إدارة جبهة الصراع مع حزب الله كجبهة ثانوية. وفي بداية الحرب، دفع وزير الدفاع يوآف غالانت وبعض كبار قادة الجيش الإسرائيلي في اتجاه توجيه ضربة استباقية لحزب الله، تحفّظ نتنياهو عن الأمر، نتيجة ضغوط أميركية كبيرة. منذ ذلك الحين، تصاعدت الضربات المتبادلة بين الطرفين، لكنهما تجنبا، حتى الآن، الانزلاق إلى حرب شاملة. وقد تمثل أكثر التدابير عدوانيةً من جانب إسرائيل، في سلسلة من الاغتيالات الموجهة إلى ضباط كبار في التنظيم الشيعي.
- لقد صعّد حزب الله ردات فعله على هذه الضربات بالتدريج، وفي الآونة الأخيرة، أطلق وابلاً من الصواريخ التي تراوح عددها ما بين 100 و200 صاروخ، وأحياناً، وصلت هذه الصواريخ إلى أعماق على بُعد 40 كيلومتراً عن الحدود، رداً على كل عملية اغتيال. وهذا ما حدث اليوم أيضاً، حين أطلق الحزب عشرات الصواريخ على الجليل وجبل الشيخ وشمال الجولان، على الرغم من أن إسرائيل لا تعلم بوجود أيّ من القادة الكبار في صفوف القتلى الذين خلّفهم الهجوم الإسرائيلي.
- في ظل غياب استراتيجيا إسرائيلية حقيقية، تم تسويق الاغتيالات على أنها استجابة ملائمة لعدوان حزب الله، لكن تأثيرها العملياتي غير واضح. إن عمليات الاغتيال هذه لم تردع الحزب بكل تأكيد. أمّا الآن، فمن المرجح أن يقرر نتنياهو وغالانت والمنظومة الأمنية القيام بردّ أكثر صرامة. يعتقد بعض المعنيين أنه يمكن دفع حزب الله إلى الزاوية من خلال تصعيد أكثر كثافةً للقتال، يستمر عدة أيام، من دون الانجرار إلى حرب شاملة بالضرورة. وهذه المخاطرة من الصعب التنبؤ بنتائجها.
- ما هو واضح فعلاً، أن عدم التوصل إلى اتفاق لتبادل الرهائن ووقف إطلاق النار مع "حماس" في الجنوب، سيعقّد الوضع في الشمال أكثر.
- لقد فضّلت إسرائيل عدم خوض حرب شاملة على جبهتين في وقت متزامن . أمّا الآن، فقد تكون على عتبة تصعيد مكثف في الشمال، من دون أن تكون حققت الاستقرار على الجبهة الجنوبية. والآن، أكثر من أي وقت مضى، تبدو الوعود التي أطلقها نتنياهو بشأن النصر المؤزر في الولايات المتحدة فارغة. وربما يكون التدخل الأميركي الحازم هو الوحيد الذي يستطيع إيقاف التدهور الآن.
الاتفاقية تزداد ابتعاداً
- التقى رئيس الوزراء ثلاثة من كبار المسؤولين الأميركيين قبل نهاية رحلته إلى الولايات المتحدة، وهم الرئيس جو بايدن، ونائبته كامالا هاريس، والمرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب. وعرض هؤلاء مواقف متشابهة بشأن إنهاء الحرب بين إسرائيل و"حماس". إذ يعتقد الثلاثة، بناءً على التصريحات الصادرة عنهم خلال الأيام الأخيرة، أن الحرب يجب أن تنتهي قريباً، وأن تشمل وقفاً كاملاً لإطلاق النار، إلى جانب عودة جميع الرهائن الذين تحتجزهم "حماس".
- ومع ذلك، فإن فرص حدوث تقدّم مفاجئ في المفاوضات لا تبدو مرتفعة. بل إن العكس هو الصحيح: فجميع القادة الأمنيين الإسرائيليين يتشاركون القلق من أن خطوات نتنياهو الأخيرة تهدف إلى ضمان عدم إحراز أيّ تقدّم في المحادثات في المستقبل القريب. ويبدو أن نتنياهو يجهز الأرضية لفشل آخر في المفاوضات، في حين أن التصعيد على الجبهة الشمالية، اليوم، قد يؤدي إلى تدهور مسار المفاوضات.
- لقد أعلنت إسرائيل، اليوم [27/7/2024] ردها على الوثيقة الأخيرة التي قدمتها "حماس" في المفاوضات. ومن المقرر أن يجتمع وفد إسرائيلي برئاسة رئيس الموساد دافيد برنياع، بممثلين من الولايات المتحدة ومصر وقطر، غداً [28/7/2024]، في روما (علماً بأن التطورات على الجبهة الشمالية قد تؤثر في الجدول الزمني هنا).
- لكن على مدار الأسابيع الأخيرة، حرص نتنياهو على إضافة مزيد من القيود على المواقف الإسرائيلية المتعلقة بمسائل، مثل استمرار السيطرة على محورَي "نيتساريم" و"فيلادلفيا" في قطاع غزة. لقد ساعد عناده هذا خلال شهر حزيران/يونيو، مترافقاً مع الضغط العسكري المتزايد الذي مارسه الجيش الإسرائيلي في القطاع، على دفع "حماس" إلى إبداء مرونة أكبر في المفاوضات. والآن،ها هو نتنياهو يراهن على أن مزيداً من التشدد سيؤدي إلى تحسين إضافي في شروط الصفقة.
- المشكلة هي أن جميع المشاركين في المفاوضات تحت إمرة هذا الرجل يعتقدون أن رهانه هذا خطِر. إذ من المحتمل أن تضيع فرصة التوصل إلى صفقة، مع استمرار القتال، وفي هذه الأثناء، سيموت مزيد من الرهائن في الأسر، مثلما جرى في الأشهر الأخيرة، في ظل ظروف احتجازهم الرهيبة في القطاع.
- الكثير يتعلق بموقف بايدن الذي وعد، خلال محادثاته الجيّاشة بالعواطف مع عائلات الرهائن، بالعمل على التوصل إلى اتفاق قريباً. لكن هذا لم يمنع نتنياهو، بعد اجتماع بارد مع هاريس، من إطلاق تصريحات ضد المرشحة الديمقراطية الجديدة للرئاسة، وشنّ هجوماً عليها يتهمها بالتعاطف مع "حماس" وإفشال الصفقة. لقد انضم ترامب إلى الهجوم، بعد اجتماعه بنتنياهو وزوجته في فلوريدا أول أمس. ومن المرجح أن يكون هذا الهجوم قد هدفَ إلى إرضائه، لكنه أيضاً يمثل مخاطرة: إذ أنه يمثل مواجهة مباشرة مع مرشحة لديها فرص قوية في منافسة ترامب بشكل وثيق.
- من ناحية سياسية داخلية، فإن نتنياهو يسبح قريباً جداً من شاطئ الأمان الموقت: فهناك العطلة الصيفية للكنيست التي تضمن، تقريباً، استقرار حكومته في الأشهر الثلاثة القادمة. توفّر له هذه العطلة، ظاهرياً، فرصة لتبنّي مسار عمل جديد: الدفع في اتجاه التوصل إلى تفاهمات بشأن المرحلة الإنسانية من الصفقة، والتي تشمل الإفراج عن النساء وكبار السن والمرضى والجرحى من بين الرهائن. حتى إنه قد يكون من الممكن التوصل إلى تفاهمات صامتة مع شريكيه من اليمين المتطرف، أي حزبَي "قوة يهودية" و"الصهيونية الدينية"، بشأن انسحابهما الموقت من الائتلاف والعودة إليه بعد 42 يوماً، إذا انهارت المفاوضات بسبب عدم الاتفاق مع "حماس" (وهو أمر متوقع إلى حد ما) بشأن تنفيذ الجزء المتبقي من الصفقة.
- حالياً، لا يُظهر نتنياهو علامات على استعجاله للتوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن. ومن الواضح أن القرار في قبضته، وأن الاعتبار الرئيسي هنا متعلق بفرص بقائه في الحكم. أمّا مجلس الحرب الذي أعرب العديد من أعضائه عن دعمهم للصفقة، فقد تم إقصاؤه عن عملية اتخاذ القرار. في الواقع، هناك شخص واحد يستلم الدفة، وهو الذي يتحكم بقرار له أبعاد خطِرة، هو قرار الحرب.
- يمكن تشخيص الشعور النسبي بالأمان الذي تشعر به الحكومة، على الرغم من التوترات التي تسود بين نتنياهو والوزير إيتمار بن غفير، نظراً إلى عودة الأجندات التي سبقت السابع من تشرين الأول/أكتوبر. إذ تعود هذه الأجندات، هذه المرة، من دون ضجة كبيرة، وأن الوزراء وأعضاء الكنيست التابعين للائتلاف عادوا إلى تعزيز قوانين الانقلاب القضائي، والانخراط في العمليات التشريعية ذات الطابع المصلحي، وطبعاً: تجاهلوا حاجات الشعب.. وأظهرت استطلاعات نهاية الأسبوع تحسناً طفيفاً في شعبية نتنياهو، بعد تسعة أشهر ونصف على ارتكاب "المذبحة، التي وقعت في عهده (وهي حقيقة حرص نتنياهو على تجنّب ذكرها في خطابه في الكونغرس). وحتى لو انهارت حكومة نتنياهو بطريقة ما، يبدو أن الرجل ليس بعيداً عن تحقيق هدفه المتمثل في نزع الشرعية عن التحالف مع القائمة العربية الموحدة [الحركة الإسلامية الجنوبية التي يمثلها منصور عباس] بصورة تحول دون تمكّن خصومه من إقامة الائتلاف الحكومي المقبل من دون الليكود، ليضمن بذلك تعادلاً ضامناً للشلل في الانتخابات المقبلة،عندما يحين موعد هذه الانتخابات في نهاية المطاف.
- جذبت مقابلتان تم بثهما على القناة 12 الانتباه في نهاية هذا الأسبوع. الأولى، هي المقابلة مع عدينة موشيه من كيبوتس "نير عوز"، التي اختُطفت وأُطلق سراحها لاحقاً في تشرين الثاني/نوفمبر، ورفضت موشيه أن تُظهر أي تأثّر ببلاغة نتنياهو في خطابه في الكونغرس، وتساءلت بحق كيف يمكن لمثل هذا الخطاب أن يقرّب الصفقة وإنهاء الحرب. أمّا المقابلة الثانية، فقد أُجريت مع رونين ناوترة، وهو مواطن إسرائيلي - أميركي تم أسر ابنه الجندي عومر في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر من المعارك التي دارت في "غلاف غزة". لقد شارك الرجل في الاجتماعات التي عُقدت بين نتنياهو وعائلات الرهائن في واشنطن، وكذلك في الاجتماع المشترك مع بايدن. واشتكى والد الأسير، مثل الآخرين، من التعامل البارد من جانب نتنياهو، ومما يتبدى في انعدام رغبته في التوصل إلى صفقة تبادُل.
- هذه الكلمات ربما تشجع مزيداً من الإسرائيليين على الخروج إلى الشوارع، للتظاهر والمطالبة بالتوصل إلى اتفاق في المستقبل القريب. ويبقى أن نرى مدى استعداد المسؤولين عن المنظومة الأمنية للقيام به، بخلاف تصريحاتهم المتكررة المجهولة المصدر، والتي تبثها وسائل الإعلام، لكي يعرف الشعب حقاً ما الذي يحدث في المفاوضات، ومن أجل محاولة دفع نتنياهو إلى الزاوية، بما قد يضمن، أخيراً، توقيع الصفقة. هذه الأمور صارت متعلقة، ابتداءً من اليوم، بالتطورات الجارية على الجبهة الشمالية، وأصبحت شديدة التعقيد بصورة غير مسبوقة. من المحزن جداً أن نضطر إلى قول التالي: ربما قمنا، فعلاً، بتضييع فرصتنا.