قوة الرد على هجوم مجدل شمس ستحدد إذا كان سيكون هناك تصعيد أم حرب
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • فور وصول رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بدأت بعد ظهر أمس سلسلة استشارات أمنية بشأن الرد الإسرائيلي على إطلاق الصاروخ على الجولان الذي أدى إلى مقتل 12 ولداً وجرح عشرات الأشخاص في بلدة مجدل شمس هناك. ولن تمرّ الحادثة الخطِرة هذه من دون رد قاسٍ من الجيش الإسرائيلي. وتمحورت النقاشات بشأن قوة العملية المطلوبة، وتضمنت محاولة لتقدير رد حزب الله عليها. وسيقرر تبادل الضربات المقبل ما إذا كانت هناك انعطافة في الحرب ستتمركز على الجبهة الشمالية، أم المزيد من التصعيد الذي من الممكن احتواؤه من دون تغيير كبير في التوجه.
  • منذ إصابة ملعب كرة القدم بالصاروخ، يحاول نصر الله تكذيب الأمر والتنصل من المسؤولية عن إطلاق الصاروخ، ولقد أحرجت الحادثة الحزب في ضوء إصابة أطفال دروز، جزء من عائلاتهم لا يزال يحمل الجنسية السورية. ومن أجل مهمة "التكذيب والتضليل"، جرى تجنيد سياسيين وزعماء روحيين دروز من لبنان وسورية حاولوا توجيه التهمة إلى إسرائيل. عملياً، الحقائق واضحة؛ فالملعب أصيب بصاروخ فلق الثقيل من إنتاج إيران، وقد أطلقه عناصر من حزب الله من منطقة مزارع شبعا شمال غربي جبل الشيخ، وقد نشر الجيش اسم القائد المحلي في حزب الله المسؤول عن إطلاق الصاروخ.
  • من المعقول افتراض أن الحزب لم يكن يوجه صاروخه إلى مجدل شمس، إنما إلى موقع عسكري للجيش الإسرائيلي في جبل الشيخ في منطقة مزارع شبعا القريبة، لكن هذا لا يغير شيئاً كثيراً؛ فمنذ بداية الحرب، أطلق حزب الله مئات الصواريخ على جبل الشيخ، كما سجل وقوع قصف في مجدل شمس وضواحيها وبالقرب من القرى الدرزية في شمال الجولان، وحزب الله يعرف ذلك، كما يعرف أن سكان القرى الدرزية في الجولان لم يغادروا منازلهم، وهو يتحمل كل المسؤولية منذ بدأ حرب الشمال في 8 تشرين الأول/أكتوبر، وانضم بعد مرور يوم واحد (عبر إطلاق النار ومن دون الهجوم على الحدود) إلى الهجوم الذي شنته "حماس" في الجنوب.
  • تدرك قيادة حزب الله أن إصابة مدنيين بصورة كبيرة هي خرق لقواعد اللعبة غير المكتوبة التي تبلورت في الحرب. وعموماً، فقد ركز الطرفان على الأهداف العسكرية، وحاولا تجنب إصابة مدنيين، وقد أطلق حزب الله أكثر من مرة النار عن قصد في اتجاه مواطنين إسرائيليين، بعد أن أصاب الجيش الإسرائيلي عن طريق الخطأ مواطنين لبنانيين، أو بعد أن انتظر عناصره لفترة طويلة جداً في كمائن أعدوها للقوات الإسرائيلية، وفي النهاية قرروا مهاجمة مدنيين نتيجة تعذر عثورهم على هدف عسكري. ومنذ اللحظة التي عرف فيها حزب الله أن المستوطنات جرى إخلاؤها بأوامر من الجيش، بدأ يوجه نيرانه إليها يومياً على افتراض أنه سيصيب جنوداً. ويدرك الحزب أن إسرائيل لن تسكت على مقتل مدنيين، وأنها تنوي الرد بقوة نسبياً.
  • وفي أوضاع كهذه، يُجري الحزب عموماً استشارات مكثفة مع النظام في إيران وكبار المسؤولين في الحرس الثوري، محاولاً صوغ سياسة عمل مشتركة. وفي الواقع، فإن المرشد الأعلى للثورة في إيران، علي خامئني، يقيم وزناً كبيراً لنصائح الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، ومنذ وفاة قاسم سليماني في عملية اغتيال أميركية في العراق سنة 2020، ونصر الله هو الذي يقود، إلى حد بعيد، المحور الشيعي في مواجهة إسرائيل.
  • وهناك اعتبارات معقدة لطهران؛ فحرب الاستنزاف ضد إسرائيل تخدم مصالحها، وليس من الأكيد أن حدوث مواجهة شاملة الآن هي ما ترغب فيه حالياً، ومن الجهة الأُخرى، تمارس الولايات المتحدة ضغطاً على إسرائيل كي لا ترد بصورة قاسية في لبنان، ويتخوف الأميركيون من نشوب حرب إقليمية تنعكس في المعركة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة، كما يتخوف المجتمع الدولي من أن تسيطر حرب كهذه على جدول الأعمال العالمي في ذروة الألعاب الأولمبية.
  • وهناك تداعيات متبادلة بين ما يحدث على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، والحرب ضد "حماس" ومفاوضات صفقة تبادل الأسرى. لقد باتت لزعيم "حماس" في القطاع، يحيى السنوار، مصلحة الآن في الانتظار وعدم الدفع قدُماً بالصفقة فوراً؛ فإذا كان هناك إمكان لأن تنجر إسرائيل إلى حرب إقليمية بتدخّل مباشر من حزب الله وغير مباشر من إيران، فإن هذا سيكون بمثابة ربح صافٍ بالنسبة إليه. لكن بحسب كل المؤشرات، فإن نتنياهو هو الذي يعرقل تقدم المفاوضات، والرد الإسرائيلي الأخير الذي نُقل إلى الوسطاء يوم السبت تضمّن تشدداً واضحاً في المواقف، وبحسب مصدر أمني مطلع على ما يحدث، فإن فرص أن ترد "حماس" بصورة إيجابية، حتى قبل ارتفاع حرارة المواجهات في الشمال، كانت ضئيلة.
  • وتوجد فجوة بين الخطاب العلني الإسرائيلي المتشدد بعد مقتل الأولاد في الجولان وبين السياسة العملية التي تنتهجها؛ فهناك سلسلة متحدثين إسرائيليين هددوا في الأيام الأخيرة حزب الله بأنه سيدفع ثمن ما فعله، لكن في المقابل، فإن العديد من هؤلاء يعرف القيود التي ستصطدم بها العملية العسكرية: عرقلة الولايات المتحدة وصول السلاح الجوي الدقيق، والعبء الملقى على القوات المقاتلة في الجيش النظامي وفي الاحتياط، والصعوبة التي ينطوي عليها أي غزو بري لجنوب لبنان. هناك من ينصح بحل آخر، وهو قصف البنى التحتية المدنية في الدولة اللبنانية، لكن ثمة شك في أن يساعد هذا، ولا سيما في ضوء القدرة الضئيلة للحكومة اللبنانية والجيش اللبناني على التأثير في اعتبارات حزب الله...

 

 

المزيد ضمن العدد