يجب ردع إيران، من دون ارتكاب الأخطاء نفسها
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • تدور حرب ظلال بين إسرائيل وإيران في عدد من الساحات منذ عشرين عاماً. وعلى الرغم من ذلك، فإن حرب "السيوف الحديدية"، من دون شك، غيّرت الصورة كلياً، وللمرة الأولى، دار قتال مباشر بين إسرائيل وإيران.
  • خلال الأشهر التي سبقت الحرب، كانت إيران تتموضع بثقة عالية بالنفس، في الوقت الذي كانت تستغل النقاشات الداخلية الحادة داخل المجتمع الإسرائيلي بسبب الإصلاحات القضائية كي تمنح حزب الله الضوء الأخضر للتصعيد على الحدود الشمالية، ومن ضمن ذلك عمليات ضد إسرائيل: العملية في مجيدو، وأيضاً إطلاق القذائف على شلومي في عيد الفصح العام الماضي، ونشر الخيام في "مزارع شبعا" داخل المناطق "السيادية" الإسرائيلية، والأخطر من هذا كله نشر آلاف المقاتلين من قوة الرضوان على بُعد عشرات الأمتار عن بيوت المطلة وزرعيت، وحانيتا، وهم في جاهزية للهجوم واحتلال الجليل.
  • عشية اندلاع الحرب، استمرت إسرائيل في انتهاج سياسة الاحتواء والتجاهل، وطمحت إلى الهدوء بأيّ ثمن، على الرغم من العمليات ضدها والخروقات الواضحة للقرار 1701 من طرف حزب الله. هذا ما شجّع الإيرانيين وحزب الله على الاستمرار في التصعيد ضد إسرائيل التي كانت تمرّ بأزمة داخلية عميقة.
  • في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ومع اندلاع الحرب والفشل الإسرائيلي الصارخ، تفاجأ الإيرانيون وكثُر في الشرق الأوسط بالضعف الإسرائيلي، وبدأوا بتفعيل "حلقة النار" - رؤية سليماني التي بناها على مدار سنوات طويلة، وحققت نجاحات كبيرة:
  1. إغلاق الحوثيين لمضيق باب المندب، وهو مسار بحري دولي مهم جداً - وبالتالي شلّ ميناء إيلات كلياً.
  2. فتح حرب استنزاف صعبة تفرض تحديات في الشمال، وذلك عبر تحقيق إنجاز استراتيجي رهيب - حزام أمني داخل إسرائيل وإجلاء 70 ألفاً من سكان الشمال عن بيوتهم.
  3. الإيرانيون يراقبون من بعيد، ويستغلون هذا الطريق المسدود الذي دخلت إليه إسرائيل على جميع الجبهات، من أجل تحقيق إنجازات إضافية.
  4. تقوية النقاش الداخلي في إسرائيل، وتصاعُد الأزمة الخطِرة مع صديقتنا الكبرى الولايات المتحدة، وتعظيم الشعور بالضعف الأميركي في الشرق الأوسط.
  • وفي المقابل، لا يزال الإيرانيون يتقدمون في المسار النووي، من دون إزعاج، والذي يشمل تخصيب اليورانيوم إلى درجة 60% والتقدم في مشروع السلاح، من دون أيّ ردّ إسرائيلي، أو دولي. عملياً، إيران اليوم هي دولة على العتبة النووية. على مدار 10 أشهر، نجح الإيرانيون في إدارة المعركة ضد إسرائيل، محققين إنجازات مختلفة بتفعيل "حلقة النار" في 6 ساحات مختلفة حول إسرائيل، بهدف استنزافها ودفعها إلى الانهيار. وفي الوقت نفسه، الإيرانيون لا يدفعون أيّ ثمن، تقريباً، في مقابل التوجيه وإدارة المعركة ضد إسرائيل.
  • اغتيال الجنرال محمد رضا زاهدي في بداية شهر نيسان/أبريل هذا العام، كان نقطة تحوُّل دراماتيكية في حرب الظلال التي تديرها إسرائيل وإيران ضد بعضهما البعض. الاغتيال في وسط دمشق في مبنى تابع للقنصلية، خلق شعوراً بالإذلال، وألحق الضرر بالشعور القومي الإيراني. وكشف هذا الحدث التقديرات غير الدقيقة التي قللت من خطورته لدى الاستخبارات بشأن نيات إيران. قدّر البعض أن إيران لن ترد، أو سيكون الرد ضعيفاً جداً، إلا إن ردها كان خطِراً جداً لم يتوقعه أحد، وتجاوز الخطوط الإسرائيلية الحمراء، إذ اعتُبر محاولة إيرانية لفرض معادلة جديدة في مواجهة إسرائيل، وهي أن كل ضرر إسرائيلي بالمصالح الإيرانية، أو المسّ بالمسؤولين الكبار، سيكون الرد عليه بضرب إسرائيل مباشرة.
  • كان الرد الإسرائيلي، في أعقاب الضربة الصاروخية الإيرانية، صغيراً ودقيقاً، وأضرّ بتحصينات القيادة لمنظومة الدفاع الجوي S-300 بالقرب من أصفهان. أرادت إسرائيل القول إن المنظومة الإيرانية قابلة للخرق، ويمكنها أن تضرب في كافة المناطق الإيرانية. من غير الواضح ما إذا كانت هذه الرسالة قد وصلت إلى القيادة الإيرانية وتم استيعابها فعلاً. من الممكن أن يكون الرد الصغير أوصل رسالة عكسية. من الواضح جداً أنها ليست طريقة لترميم الردع، بعد هجوم إيراني كبير إلى هذا الحد.

إنجازات قبل إطلاق الصاروخ الأول

  • الأسبوع الماضي، استفاق الشرق الأوسط على إسرائيل مختلفة؛ هجومية، وتأخذ زمام المبادِرة، مع جرأة وقدرات هائلة للاستخبارات الإسرائيلية وسلاح الجو. لقد خلقت الاغتيالات حالة من الحرج والإذلال، وألحقت الضرر بالكرامة الوطنية لكلٍّ من إيران وحزب الله. هذه الاغتيالات، بالإضافة إلى النيران التي اندلعت في مرفأ الحُديدة، قبل أسبوعين، أمور كلها حققت، إلى حد معيّن، ترميم الردع الإسرائيلي داخل الشرق الاوسط، وشكلت إنجازاً على صعيد الوعي، ورفعت المعنويات في المجتمع الإسرائيلي. لكن، يجب التوضيح أن هذه الاغتيالات لا تخلق واقعاً استراتيجياً آخر.
  • وعلى صعيد اغتيال إسماعيل هنية في طهران، والذي يُنسب إلى إسرائيل، هناك فشل كبير على صعيد تقدير نيات العدو الذي يخطط للرد بهجوم صعب على إسرائيل. من الواضح أن هذا الاغتيال سيؤجل صفقة التبادل، ويبدو أنه سيدفع إلى هجوم صاروخي إضافي على إسرائيل، بقيادة إيران، ومن جميع الجبهات. أنا أشك فيما إذا كان الاغتيال صحيحاً، مقارنةً بهذه الإسقاطات.
  • حقيقة أن إسرائيل لم ترد بقوة على هجوم 14 نيسان/أبريل هو خطأ خطِر. ممنوع علينا الاكتفاء بالاعتراض الناجح للهجوم الصاروخي والعمل الاستثنائي للدفاعات الجوية في سلاح الجو وقوى الائتلاف، بقيادة الولايات المتحدة. إن هذا يُلحق ضرراً كبيراً بالردع الإسرائيلي، ويشكل تعزيزاً للثقة الإيرانية بالنفس، واستغلالاً للضعف الأميركي الواضح. من الواضح للإيرانيين أيضاً أن منظومة القوات التابعة للولايات المتحدة والائتلاف الإقليمي في المنطقة يهدفان إلى الدفاع والاعتراض خلال الهجوم. وفي الوقت نفسه، لا يوجد أيّ تهديد أميركي بضرب إيران، أو أرصدة إيرانية.
  • في هذا الوقت، يجلس الإيراني مع ممثلي محور المقاومة في غرفة عمليات مشتركة في وسط طهران، ويخططون وينسّقون بشأن الهجوم على إسرائيل، والذي يبدو أنه سيكون هجوماً مشتركاً من عدة ساحات، في محاولة لتضليل منظومة الدفاع المتعددة الطبقات لدى إسرائيل، وقوات الائتلاف المنتشرة في مناطق مختلفة في الشرق الأوسط. وبالإضافة إلى الأهداف العسكرية في وسط الدولة، من الممكن أيضاً أن يحاول الإيرانيون استهداف مؤسسات إسرائيلية في خارج البلد. الآن، حققوا إنجازات جيدة، قبل أن يطلقوا الصاروخ الأول: استنزاف وخوف في أوساط كثيرين من الإسرائيليين، وضرر اقتصادي جرّاء إلغاء عدد كبير من شركات الطيران الرحلات إلى إسرائيل.
  • السؤال المركزي هو كيف سترد إسرائيل على هذا الهجوم؟ طبعاً، هذا متعلق بالقتلى الذين ستخسرهم إسرائيل جرّاء الهجوم الإيراني. وسيكون هناك أيضاً ضغوط أميركية من أجل عدم التصعيد وتدهور المنظومة الإقليمية، والسعي لإنهاء هذه الجولة في مواجهة إيران. سيكون على إسرائيل الرد من أجل ترميم الردع وضرب أهداف استراتيجية داخل إيران. وستكون الرسالة واضحة أن إيران ستدفع ثمن كل هجوم صاروخي ضد إسرائيل.
  • عموماً، إيران دولة يمكن إلحاق الضرر بها أكثر من إسرائيل، وهي أقل حمايةً منها بكثير. إنها دولة كبيرة جداً من حيث الحجم، ولديها منظومة دفاع جوي محدودة، وخاصة في المواقع الحيوية، كالمواقع النووية. البنى التحتية الوطنية الأساسية الإيرانية، مثل مواقع تكرير البترول والكهرباء والماء، مكشوفة جداً أمام أيّ هجوم إسرائيلي.
  • التصعيد في مواجهة إيران وحزب الله يوضح الحاجة الإسرائيلية الماسة إلى العمل على عقد صفقة تبادُل. إنها ليست واجباً أخلاقياً فقط، بل هي التزام أخلاقي عميق تجاه مَن تخلت عنهم الدولة والجيش لـ"مخربي حماس" يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر. الصفقة هي أيضاً أداة ضغط استراتيجية ضرورية من أجل تغيير الواقع والخروج من الطريق المسدودة في الجبهات المختلفة، وللسماح بوقف إطلاق نار في غزة والشمال. هذا سيسمح لإسرائيل بحل المأزق الاستراتيجي في الشمال وإعادة الـ70 ألفاً من النازحين إلى منازلهم، سواء عبر تسوية، أو قتال لا مفرّ منه في لبنان.
  • هذه الصفقة ستسمح باستغلال الفرصة الاستراتيجية وخلق محور استراتيجي مع الدول السنية بقيادة الولايات المتحدة، في مقابل التهديد المركزي الإيراني. وحده الرد الإسرائيلي القوي على أرض إيران ضد أهداف استراتيجية، وفي الوقت نفسه، المضيّ في صفقة تبادُل تسمح بخلق هذا الحلف الإقليمي في مقابل إيران، سيسمحان بترميم الردع الإسرائيلي.
  • وفي المقابل، يتوجب على إسرائيل تحسين جاهزيتها لضرب إيران، والتي أهملتها كثيراً في الأعوام الأخيرة. يجب على رئيس الموساد ديفيد برنياع قيادة المعركة ضد إيران، وليس المفاوضات بشأن صفقة التبادل. التفكير السائد خلال السنوات الماضية في "أن إيران غير معنية بحرب شاملة"، يجب إعادة البحث فيه من جديد، استناداً إلى الواقع المعقد اليوم.
  • حرب الاستنزاف على 7 جبهات هي حرب شاملة، في نظر القيادة الإيرانية. هذه الجبهات السبع هي جبهات استنزاف في مواجهة إسرائيل. إنها "حلقة النار" الفعالة جداً تحت مظلة دولة على العتبة النووية. دعم المحور المتطرف مع روسيا والصين وكوريا الشمالية، يمكن أن يدفع القيادة الإيرانية إلى الاعتقاد أن الضعف الإسرائيلي، إلى جانب الضعف الأميركي، يشكلان فرصة لضرب إسرائيل. وفي نظرهم، الحرب الإقليمية الشاملة تمنحهم فرصة لمرة واحدة في ضرب "العدو الصهيوني" بقوة، كجزء من الصراع على الهيمنة في الشرق الأوسط.

 

 

المزيد ضمن العدد