تعيين السنوار لن يغيّر مبادىء الصفقة وفرص نجاحها
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • العملية السريعة لتعيين السنوار رئيساً للمكتب السياسي لحركة "حماس" لن تغيّر مسار المفاوضات وفرص نجاحها. لقد قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في هذا الشأن "أشدد على حقيقة أن السنوار يتحمل مسؤولية اتخاذ القرار بشأن ما إذا كان يجب المضيّ قدماً في صفقة وقف إطلاق النار". لكن لا جديد في هذا الكلام. فالسنوار، وليس هنية، هو الذي كان "صاحب القرارات" طوال الوقت، وذلك بفضل الموقع الذي حصل عليه بواسطة الحرب التي شنّها ضد إسرائيل، وبسبب سيطرته على مصير المخطوفين.
  • السنوار هو الشخص الذي  قرر التنازل الكبير في أيار/مايو، عندما وافق على التخلي عن شرطه للموافقة على وقف إطلاق النار، الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من غزة، وقبل انتقال الطرفين إلى المرحلة الثانية من المفاوضات، بعد الانتهاء من المرحلة الأولى  "الإنسانية". وبذلك، منح المفاوضات فرصة في التقدم. منصبه الجديد كرئيس للمكتب السياسي للحركة، والزعيم العسكري والسياسي لـ"حماس"، لن يغيّر هذه المعادلة التي تنتظر ردّ بنيامين نتنياهو.
  • وبحسب البيان الصادر عن "حماس"، فإن قرار تعيين السنوار جاء بعد مشاورات مع كل أعضاء مجلس الشورى في الهيئة العليا التي تحدد أيديولوجية واستراتيجية وسياسة الحركة. وتتألف هذه الهيئة من 320 عضواً موزعين على 4 محافظات: الضفة، وغزة، وأعضاء الحركة في الخارج، والأسرى، ومن ضمنهم 25-50 شخصاً في "مجلس الشورى المصغر"، كنوع من مطبخ موسع. نشب خلاف داخلي حاد بين أعضاء هذا المجلس، بين مَن يؤيد علاقات وثيقة مع إيران، مثل هنية وصلاح العاروري، وبين مَن يفضل العودة إلى "الحضن العربي"، وهو الخط الذي يقوده خالد مشعل.
  • وفي الواقع، يُعتبر السنوار من الذين ينتمون إلى مؤيدي العلاقة الوثيقة مع إيران، وفي الوقت الذي كان لهنية والعاروري علاقة وثيقة بالمرشد الأعلى علي الخامنئي، وعلى معرفة شخصية به، كان السنوار يعتبر إيران مصدراً للمال والسلاح، لكنه لا يشاركها أيديولوجيتها بالضرورة، على الرغم من تعبيره، عدة مرات، عن شكره لها على مساعدتها الحركة. ويبدو أنه لم يبلّغ شركاءه في الحركة، وفي إيران، تفاصيل الهجوم على إسرائيل، الأمر الذي أغضب إيران. ...
  • وفي أيّ حال، وعلى الرغم من توزيع الوظائف بين "حماس" في الخارج و"حماس" في الداخل، وبين الضفة والقطاع، فإن السنوار، من الآن فصاعداً، سيتولى نشاط الحركة كله على الصعيدين العسكري والسياسي. المشكلة التقنية هي كيف سيدير السنوار الحركة من داخل الأنفاق في غزة، ولا تشكل عائقاً حقيقياً. لقد نجح السنوار في إرسال رسائله وقراراته من خلال وكلاء، وأساساً، من خلال خليل الحية، الذي يُعتبر نائبه وموضع ثقته، وبالتالي، فإن غزة هي المشكلة الأساسية، والمطلوب من السنوار معالجتها.
  • لكن بالإضافة إلى التحركات المباشرة المتعلقة بالمفاوضات بشأن تحرير المخطوفين، المجمدة حالياً، فإن مسألة وقف إطلاق النار متعلقة بقرار من إسرائيل، فالسنوار ومثله قادة الحركة، هم مُلزمون بوضع الشروط التي تمنع تفكُّك الحركة، وليس فقط خسارة سيطرتها على غزة. على سبيل المثال، لا تزال هذه القيادة تبحث في فرض الدفع قدماً بتسوية مع "فتح"؛ وكيفية الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية ومتى؛ والبحث بصورة عملية في كيفية إدارة القطاع، أولاً معبر رفح، بواسطة ممثلين للسلطة الفلسطينية، أو بواسطة هيئة فلسطينية بديلة؛ وبعد ذلك، كيفية المشاركة في خطة إعادة إعمار القطاع بعد الحرب.
  • قد تبدو هذه المسائل غير عملية حالياً. لكن عندما تُجري إسرائيل نقاشات مع مصر والولايات المتحدة بشأن خطة الانسحاب من معبر رفح، وربما من محور فيلادلفيا، في إطار اتفاق شامل على وقف إطلاق النار، من المحتمل أن تتحول مسألة إدارة غزة إلى قضية مفصلية في وقت قريب، وستكون قرارات السنوار حاسمة في هذا المجال، وخصوصاً لأنها ستثبت أهمية الحركة بعد الحرب. وعلى ما يبدو، فإن هذه الاعتبارات كانت مطروحة أمام مجلس الشورى عندما قرر تعيين السنوار، لأنه بالإضافة إلى الرغبة في إرسال رسالة إلى إسرائيل والولايات المتحدة والجمهور الفلسطيني، مفادها أن "حماس" هي أكثر من قادة جرى اغتيالهم، كان من الضروري للحركة أن تُظهر أنها لا تزال تدير منظومة سيطرة هرمية، وأن السنوار هو جزء من هذه البنية، وليس "حاكماً مستقلاً"، على الرغم من أن هذا هو وضعه الفعلي.
  • لكن هذا الاعتماد المتبادل سيتعمق، من الآن فصاعداً، وسيُعطي مجلس الشورى دوراً جوهرياً في تحديد مسار الحركة. ومن أجل فهم هذا الاعتماد، يجب فحص الفارق ما بين مكانة هنية ومكانة السنوار. منذ بداية الحرب، كانت مهمة هنية نقل الرسائل من غزة إلى الدول الوسيطة وحمل إجاباتها. لم يكن في إمكان هنية فرض إرادته على السنوار، أو تحديد مسارات الحرب، وحجمها وشروط وقفها. صحيح أن هنية كان شخصية سياسية لديها علاقات مع زعماء الدول، لكنه لم يكن يسيطر على مركز القوة العسكري للحركة، إلّا إنه كان يحتفظ برصيد استراتيجي مهم ومميز: السيطرة على آليات تمويل الحركة...
  • لا يزال لدى السنوار جيش، أو على الأقل، قوة عسكرية تواصل الحرب، لكنه ليس رجلاً سياسياً. من أجل إدارة البنية التحتية لتمويل الحركة، سيظل يعتمد على العناصر والآليات التي تهتم بذلك الآن، والتي تملك أنبوب الأوكسيجين الذي يغذي السنوار ورجاله. وحالياً، ستكون الحاجة إلى الحرص على مستقبل الحركة، سياسياً واقتصادياً، أكثر أهميةً من الضغط العسكري الذي يمارَس على غزة، وستتحول هذه الحاجة إلى عنصر مركزي في قرارات السنوار بشأن مسألة صفقة المخطوفين ووقف إطلاق النار. ويبدو أن هذه هي الخلاصة التي توصلت إليها الإدارة الأميركية التي لم تعلن إدانتها تعيين السنوار، بل بالعكس، سارعت إلى انتهاج موقف جديد من السنوار والتشديد في رسائلها إليه على مسؤوليته وضرورة استغلال الفرصة لاستكمال مفاوضات تحرير المخطوفين.
 

المزيد ضمن العدد