إسرائيل تعود إلى المربع نفسه الذي كانت فيه قبل تصفية هنية
تاريخ المقال
المصدر
- لن تجدوا، تقريباً، باحثاً، أو محللاً إسرائيلياً، أو عربياً، لم يُفاجأ باختيار يحيى السنوار لرئاسة المكتب السياسي لحركة "حماس"، خلفاً لإسماعيل هنية الذي تمت تصفيته في طهران. لقد قررت حركة "حماس" اتخاذ خطوة من الواضح أنه لا يمكن تطبيقها: فمن داخل أنفاق القطاع المعرّضة للقصف في الحرب، لا يمكن عقد اجتماعات قيادية، أو إجراء لقاءات مع زعماء دوليين، أو إصدار بيانات صحافية.
- إذاً، ما هو سبب اتخاذ هذه الخطوة الغريبة؟ يمكننا أن نذكر ثلاثة أسباب محتملة. الأول، هو الضغط الشديد من إيران، نظراً إلى تقديرها أن خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي السابق لحركة "حماس"، قبل تعيين هنية، قد يتم تعيينه مرة أُخرى في هذا المنصب. وطهران تكره مشعل بسبب انتقاده النظام السوري منذ اندلاع الحرب "الأهلية" في سورية.
- الاحتمال الثاني، هو أن هذه خطوة ذكية من قطر، تهدف إلى دفع السنوار إلى مغادرة غزة، وهو ما يسمح بإنهاء الحرب. أمّا الاحتمال الثالث، الذي يبدو منطقياً أكثر، فهو أنها مجرد "تحية رمزية" من قيادة "حماس" في الخارج إلى "الإخوة المقاتلين على الجبهة"، مع العلم بأن السنوار لن يكون قادراً على أداء دوره فعلياً، وستظل المنظمة تحت قيادة كبار المسؤولين في قطر.
- وبغض النظر عن السبب، يبدو أن اليوم التالي لتعيين السنوار لن يكون مختلفاً بشكل جذري عمّا كان عليه، بما في ذلك إزاء مسألة "الصفقة". إذ إن السنوار، حتى قبل اغتيال هنية، كان الجهة الرئيسية التي تدير الحرب، وشؤون الصفقة معها.
الأمور تستمر كالمعتاد
- يحاول كبار قادة "حماس" في الخارج الإشارة إلى أن الأمور تسير كالمعتاد، بعد انتخاب السنوار، ويؤكدون أن هذا الانتخاب جرى بالإجماع؛ وأن "حماس" ما زالت تفتح أبوابها للمفاوضات؛ وأن السنوار سيُظهر مرونة ما إذا كانت مصلحة الشعب الفلسطيني على المحك.
- تسود الأوساط الفلسطينية والعالم العربي رواية منحازة، مفادها أن اغتيال قائد "معتدل" سعى للدفع في اتجاه إتمام الصفقة، يؤدي إلى تعزيز الجناح المتشدد في "حماس"، ويقلل من فرص التوصل إلى صفقة. لكن علينا أن ندرك أولاً، أنه لا يمكن وصف هنية بالمعتدل. ثانياً، تأثير هنية في المفاوضات كان محدوداً من البداية.
- على الرغم من الاتجاه الواضح في الاستمرارية في القيادة، فإن تعيين السنوار نفسه قد يُفاقم توتّرين قديمَين قائمَين في "حماس"، الأول بين الجناح الذي يؤيد إيران، بقيادة السنوار، وبين المقربين من قطر وتركيا، بقيادة مشعل. وتخشى الفئة الأخيرة من توسّع النفوذ الإيراني في الحركة. محور التوتر الثاني هو بين القادة الآتين من الضفة الغربية، الذين يقودهم مشعل مجدداً، وبين قادة "حماس" من القطاع.
- تقف إسرائيل في النقطة نفسها التي كانت فيها قبل تصفية هنية، وهي تواجه الآن معضلتين تتطلبان رداً واقعياً، وليس شعارات فارغة، أو نظريات غير مترابطة. المعضلة الأولى هي معضلة القضاء على "حماس"، وهو أمر لا يمكن تحقيقه من دون السيطرة المباشرة على الأرض، وحالياً، يبدو أن لا أحد يريد القيام به. أمّا المعضلة الثانية فهي تنفيذ الصفقة. في خلفية الأمور، تبرز أطروحة نتنياهو، ومفادها أن تكثيف الضربات الموجهة إلى "حماس" سيؤدي إلى موافقتها على بقاء الجيش الإسرائيلي في محورَي نتساريم وفيلادلفيا، بعد انتهاء الحرب. لكن هذا الموضوع يبدو خطاً أحمر بالنسبة إلى حركة "حماس"، ولن توافق عليه.
- قد تمثل تصفية السنوار نفسه نقطة تحوّل استراتيجية في المعركة، إذ ستكون لها تأثيرات رمزية وعملية كبيرة. ومع ذلك، من الضروري هنا أيضاً اتّباع نهج واقعي نابع من فهم عميق لحركة "حماس": فالحركة لن ترفع الراية البيضاء، ومن المحتمل أن يتسم "لاعبو الاحتياط"، الذين سيخلفون القادة الذين تمت تصفيتهم، والذين ستتم تصفيتهم لاحقاً، بالحماسة الأيديولوجية نفسها. حتى لو تمكنت إسرائيل من بتر أذرع "حماس" التنظيمية، فمن المحتمل أن تتمكن الحركة من الاستمرار، والشيء الوحيد الذي يمكن أن يؤدي إلى انهيار النظام الذي تمثله هو السيطرة على كامل القطاع والبقاء في المنطقة فترة طويلة. وطالما ظل هذا السيناريو غير متاح، أو غير مرغوب فيه، وفي ضوء إدراكنا أن "عقيدة الغارات" المحدودة لن تؤدي إلى محو سلطة "حماس"، فيُنصح بالنظر جدياً في خيار التوصل إلى صفقة، مع كل ما تحمله من تكاليف باهظة.