باراك حيرام و"القوة 100" يتمردان ضد بقايا الليبرالية في المجتمع، كلٌّ من زاويته
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- للوهلة الأولى، يبدو أنه لا يوجد قاسم مشترك ما بين الخطاب الذي ألقاه ضابط عسكري وبين الصدام الذي حدث بين الجنود ومنظومة القانون العسكرية. إلّا إن احتجاجات "القوة 100" [قوة خاصة لمحاربة الإرهاب] من "سديه تيمان" وخطاب الجنرال باراك حيرام هما جزء من تحدّي منظومة القيم داخل الجيش، الآتي من قلب الجيش في محاولة لإعادة بلورة هويته.
- خطاب حيرام كان تعبيراً واضحاً عن الرؤية الحردلية (القومية الدينية) - وهي فئة ينتمي إليها حيرام، اجتماعياً وأيديولوجياً، ونمت خلال العشرين عاماً الماضية بهدف إعادة صوغ الجيش وتقويض قيَمه العلمانية بمفهومها الواسع. ولم يكتفِ حيرام فقط بالهجوم على إسرائيل الليبرالية، بل عبّر في خطابه عن صورة المجتمع التي يرغب فيها، وبشكل أكثر دقة، صورة الجيش. هكذا نظر داعموه إلى الخطاب، وقرأوه بشكل صحيح.
- ظهرت بين سطور خطابه القيَم المرغوب فيها، وأيضاً المجموعات التي تؤمن بها في المجتمع والجيش. في نظر حيرام (وبأخذ أقواله سابقاً بعين الاعتبار)، فإن الخدمة العسكرية ليست توقفاً لروتين حياة الجنود الذي يريدون العودة إليه؛ الخدمة العسكرية هي روتين الحياة الجديد. التضحية ليست مطلوبة من أجل العودة إلى الوضع الطبيعي في المجتمع، التي في أساسها رفاهية الفرد، إنما هي مطلوبة من أجل تحقيق" القيم والإيمان القديم الذي يوحدنا ويحولنا إلى الشعب الأبدي".
- وفعلياً، بعد أن تبرّأ الحاخام إيلي سادان [حاخام حريدي مؤسس أول برنامج إعداد للخدمة العسكرية في إسرائيل] من الثقافة البريطانية المستوردة في سلاح الجو، بحجة أنها "مشبعة بالاستعلاء، والنبيذ والنساء"، دان حيرام الـ"الحزمة السطحية المرتبطة بالسعادة والمتعة". وكلاهما يرمز إلى الجيش الجديد من المقاتلين المتدينين الذين لديهم ثقافة مختلفة. لذلك، فإن الجيش وقبل المجتمع، يجب عليه أن يكون مرتبطاً بالأمة. أقواله تعبّر عن الحسم في الصراع على التربية في الجيش، التي اقتُلعت منها قيم التربية الليبرالية.
- هذه الجهود التي يقوم بها التيار القومي الديني تمنح القوة لـ"تمرد الياقات الزرقاء" في أوساط مقاتلي سلاح البر الذين ينتمون، في أغلبيتهم، إلى الفئات المتوسطة وما دون الوسطى، ويبرز بينهم الشرقيون والمحافظون. قصة أليؤور آزاريا عبّرت عن موجة التمرد هذه بوضوح. والحرب عززت هذا التمرد، والمقاتلون تحدّوا القيادة باستعمال منصات التواصل الاجتماعي، الآن، هناك تصعيد في التمرد مع احتجاج "القوة 100". هذا الصوت هو صوت المقاتلين الذين ينتمون إلى الفئات المهمشة داخل المجتمع، وكيف ينعكس داخل الجيش أيضاً، الذي يسمى جيش التكنولوجيا الفائقة الدقة. ففي مقابل إدانة جنود "سديه تيمان"، هناك تهليل وفخر لأفعالهم في هذا المجال.
- ينظر هؤلاء الجنود إلى خدمتهم على أنها خدمة رمادية ومحبطة، وفي الوقت نفسه، هي غير مقدّرة في المجتمع، ولا يمكن الاستفادة منها في سوق العمل. وكما جرى في قضية آزريا، يخرج إحباطهم عندما يشعرون أنهم ملاحقون من المنظومة القانونية العسكرية التي تفرض عليهم قيماً عالمية غريبة عنهم، ويتم الدفع بها من خلال منظمات حقوق الإنسان التي يعتبرونها خائنة. هم ليسوا مجموعات غوغائية يجري تحريضها من طرف السياسيين اليمينيين، إنما هم أشخاص يعبّرون عن صوت حقيقي وغير منظّم يستغله السياسيون والمنظمات. يجب اجتثاث جرائم الحرب التي يرتكبونها من الجذور، لكن يجب أيضاً فهم جذور الظاهرة التي تتعاظم بسبب عدم المساواة داخل الجيش، وتهدد تماسُكه الداخلي.
- الجنرال حيرام، وأيضاً "القوة 100"، يتمردان ضد بقايا القيم الليبرالية داخل المجتمع الإسرائيلي، كلٌّ منهم من زاوية مختلفة. كلاهما يريد إعادة صوغ جيش جديد يكون ملتزماً، أولاً وأساساً، بقيم الانتصار العسكري، ويدوس على كل عقبة تضعها أمامه إسرائيل الليبرالية، كما يبدو. المعسكر الليبرالي الذي لم يتبقّ منه كثير، هذا إذا تبقّى، يرد بالإدانة، لكنه لا يملك أيّ قدرة على بلورة بديل من جيش حيرام.