مبدأ الانتقام يمكن أن يحبط التسوية على الحدود الشمالية حتى إذا تم التوصل إلى صفقة في الجنوب
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- "لقاء القمة" المتوقع عقده يوم الخميس مع ممثلي الدول التي تتوسط بين إسرائيل و"حماس"، للبحث في وقف إطلاق النار، بدأ يظهر كلحظة حاسمة ستحدد ما إذا كانت المنطقة في مواجهة حرب شاملة. حجم التخمينات والتقديرات والرهانات التي تحيط بالاجتماع الحاسم، وربما المصيري، بالنسبة إلى المخطوفين، هو غير مسبوق.
- هل ستنتظر إيران يوم الخميس كي تستخدم آلية انتقامها من إسرائيل، كي لا تظهر أنها تضرّ بفرص الاجتماع؟ أم ستأخذ زمام المبادرة وتعمل ضد إسرائيل، لكن "ليس بطريقة تُلحق ضرراً بوقف إطلاق النار"، وفق البيان الذي نشره الوفد الإيراني في الأمم المتحدة؟ هل سينتظر حزب الله هو أيضاً، أم سيبادر إلى هجوم "مؤكد" قبل القمة، كي لا يجد نفسه مقيداً بوقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه مع "حماس"؟ في غضون ذلك، هل ستعلن "حماس" أنها لا تنوي إرسال مندوبين من طرفها لأنها لا تجد فائدة من جولة محادثات سيجري خلالها طرح مقترحات جديدة، أو تعديلات على مقترحات سابقة، وتصرّ على تقديم خطة عمل خلال الاجتماع، يفصّل فيها الطرفان كيفية تطبيق الخطة التي تم الاتفاق عليها في 2 تموز/يوليو.
- من جهتها، واشنطن تلقي بكامل ثقلها على قطر من أجل حضور ممثلي "حماس" الاجتماع. وفي هذه المرحلة، لا يمكن معرفة ما إذا كانت قطر ستنجح في إقناع "حماس"، في الوقت الذي أعلنت، الأسبوع الماضي، أنها تفكر في التخلي عن دورها كوسيط، لكن نتيجة الضغط الأميركي، وافقت على تأجيل قرارها في هذا الشأن. تهديدات قطر بالتخلي عن الوساطة ليست جديدة: ففي نيسان/أبريل، أعلن رئيس الحكومة القطرية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن قطر تدرس الانسحاب من المهمة، وقال: "هناك حدود لدورنا، وحدود لقدرتنا على المشاركة بصورة بناءة في هذه المفاوضات"، واتّهم "الأطراف التي لها علاقة بالمفاوضات باستغلالها من أجل غايات سياسية ضيقة".
- فرضية العمل هي الرهان على أن الردع الأميركي الذي يتجلى في عرض القوة غير المسبوق الذي تقوم به أميركا في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى رسائل التهديد من واشنطن إلى طهران، يمكن أن تكبح الرد الإيراني في هذه الأثناء. لكن هل يعني هذا "الكبح" تأجيل "الانتقام"، أو تنفيذه بصورة محدودة فقط، بحيث لا يفرض على إسرائيل رداً كبيراً عليه.
- فرضية العمل هذه يمكن أن تُطبَّق أيضاً على ردّ حزب الله، الذي ما زال يتمسك بالربط بين وقف إطلاق النار في غزة ووقفه في لبنان. لكن هذا الربط الذي يبدو بديهياً، كان موجوداً قبل ظهور حساب الانتقام، بعد اغتيال فؤاد شُكر؛ كما أن الاستراتيجيا الإيرانية المعلنة، التي تدعو إلى منع نشوب حرب شاملة، تبلورت قبل اغتيال إسماعيل هنية.
- حسن نصر الله حرّر إيران وسورية من واجب المشاركة في حرب الانتقام التي وعد بخوضها ضد إسرائيل، لكن نصر الله لا يدير فقط جبهة لبنان، أو الدولة اللبنانية، فهو المسؤول عن الدفاع عن المصالح الإيرانية في لبنان، ويُعتبر منسّق العمليات في "جبهة الإسناد"، أو "وحدة الساحات"، التي يشارك فيها وكلاء إيران، وليس فقط على الصعيد العسكري. إذا تبنّى حزب الله وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس"، فإنه بذلك يفتح الطريق الطويلة للتسوية في لبنان.
- رئيس الحكومة اللبنانية تعهّد أن يؤدي وقف إطلاق النار في غزة إلى تحريك الخطوات السياسية مع لبنان، وأعلن أنه ينوي الدفع قدماً بتطبيق القرار 1701 بصورة كاملة. لكن لدى حزب الله شروطه الخاصة، وهو لم يوضح موقفه من المسألة. لا يريد حزب الله التخلي عن سلاحه، وهذا يشكل بنداً أساسياً في القرار 1701، ويبدو أنه لا يوجد اليوم طرف محلي، أو دولي، يمكن أن يطالبه بتطبيق هذا البند. لكن الحزب لم يوضح أيضاً موقفه من الانسحاب إلى ما وراء نهر الليطاني. وهي خطة العمل التي طرحها الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين وموفد الرئيس الفرنسي جان إيف لودريان، والتي تتحدث عن انسحاب قوات حزب الله إلى مسافة 8-10 كلم عن الحدود، وعن انتشار 15 ألف جندي لبناني، مع قوة دولية معززة من اليونيفيل، في الجنوب اللبناني.
- هذه المسافة يمكن أن تحمي مستوطنات الشمال من نيران الصواريخ المضادة للدروع، لكنها لا تكفي لضمان حمايتها من عشرات الآلاف من صواريخ حزب الله المتوسطة والبعيدة المدى. كما أن إعداد قوة من الجيش اللبناني لهذه المهمة هو أمر صعب، ويتطلب وقتاً. لقد أوضح قائد الجيش اللبناني خلال اجتماعه مع مسؤولي الإدارة الأميركية أنه بحاجة إلى مليار دولار من أجل تجنيد القوة العسكرية المطلوبة وتسليحها وتدريبها... كما أن وضع قوات اليونيفيل، التي تضم 10 آلاف جندي، لا يقلّ صعوبةً، في ضوء القيود المفروضة على نشاطها من طرف حزب الله والجيش اللبناني نفسه...
- وعلى الرغم من الصلاحيات المعطاة للقوات الدولية في الجنوب اللبناني، وفقاً للقرار 1701، فإن الحكومة اللبنانية حددت مناطق وأراضي لا يمكن لهذه القوات الدخول إليها، سواء بحجة أنها "أملاك خاصة"، أو "منشآت عسكرية" سرية. قوات اليونيفيل تنشر تقارير كثيرة بشأن التعاون مع سكان القرى الجنوبية، والمساعدات الطبية السخية التي تقدمها للجرحى والمرضى منذ بداية الحرب، لكن الاحتكاكات غير القليلة بين القوات الدولية وبين سكان القرى وقوات حزب الله، التي تمنع القوات الدولية من "انتهاك" الاتفاقات غير الرسمية، لا تحظى باهتمام كبير. في نهاية هذا الشهر، من المنتظر التجديد لقوات اليونيفيل سنة اضافية، وعلى ما يبدو، سيُتخذ القرار من دون تغييرات، لكن أيّ تسوية يتم التوصل إليها، بعد وقف إطلاق النار، ستتطلب تحديد طبيعة عمل الجيش، وأيضاً الصلاحيات العسكرية التي ستُعطى للقوات الدولية، كل ذلك بموافقة حزب الله.
- لكن ما دام قرار وقف إطلاق النار لم يُتخذ، فإن الحديث عن تسوية سياسية وعسكرية مع لبنان الآن، هو كلام نظري، ويتعين على سكان الشمال حبس أنفاسهم. في الواقع المباشر، إن "مبدأ الانتقام" من إسرائيل هو الذي سيحدد قواعد اللعبة. لقد تحول هذا المبدأ إلى جزء لا يتجزأ من "معادلة الردود" التي تطبع المواجهة بين حزب الله وإسرائيل، وإلى مكوّن استراتيجي جديد يحدد السياسة الإيرانية. والنتيجة المؤسفة أن وقف النار مع "حماس" تغيرت طبيعته، وتحوّل من شرط أساسي لإنجاز صفقة المخطوفين، إلى مصلحة استراتيجية دولية مستقلة، هدفها منع الحرب الإقليمية. والمغزى من ذلك أن إطلاق سراح المخطوفين وإنهاء المأساة الإنسانية والأخلاقية التي تسببت بها "حماس"، والتي تقع مسؤوليتها على عاتق الحكومة الإسرائيلية، تحولت إلى قواعد لعبة سياسية بشعة يقيس كل طرف بواسطتها "نصره المطلق".