الأسلوب الجديد للجيش الإسرائيلي في غزة إزاء استراتيجية "حماس" في شمال القطاع
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • يستخدم الجيش الإسرائيلي في الشهر الأخير أسلوباً جديداً: أيّ مكان في غزة تُطلق منه صواريخ، يصله بعد مرور ساعات أمر بإجلاء السكان. وفي ظل استمرار القصف المتقطع من أغلبية مناطق القطاع (باستثناء المنطقة الإنسانية)، فإن معظم هذه المناطق هي اليوم عرضة لأوامر الإخلاء. وما من شيء يدفع "حماس" إلى الجنون أكثر من عمليات إجلاء السكان. لكن في شمال القطاع فقط، لا يجري إجلاء السكان الذين تستخدمهم "حماس" "دروعاً بشرية"، مثلما حدث يوم السبت الماضي، عندما تعرضت قيادة "حماس" للقصف في مدرسة في حيّ درج التفاح.
  • إن مفتاح انتصار إسرائيل على "حماس" موجود هناك، في شمال القطاع، وليس في رفح، أو خانيونس. وهذا هو السبب الرئيسي لـمطالبة "حماس" بعودة مليون نازح إلى منازلهم في المدينة خلال المرحلة الأولى من صفقة المخطوفين.
  • في 1 تموز/يوليو، أُطلق 20 صاروخاً من منطقة خانيونس على مستوطنات جنوبي "غلاف غزة". بعدها فوراً، أصدر الجيش أمراً غير مسبوق، من حيث الحجم، بإجلاء ربع مليون من سكان خانيونس، الذين عادوا إلى منازلهم منذ أشهر فقط، هؤلاء جمعوا أمتعتهم، وغادروا بسرعة في قوافل اتجهت غرباً، إلى المنطقة الإنسانية.
  • لكنهم فوجئوا بأن الجيش الإسرائيلي لم يحتل المنطقة مجدداً، بل اكتفى بإطلاق القذائف المدفعية. بعد مرور أيام، بدأ السكان بالعودة إلى المنطقة، وفهموا أن الإخلاء كان أداة لنقل رسالة: مَن يسمح بإطلاق الصواريخ، سيتم إخلاء منزله. بعد أسابيع، تكرر الأسلوب عينه: أصدر الجيش أمراً بإخلاء منطقة كبيرة تقع بين محور كتسوفيم وبلدة القرارة، وحتى الجنوب الشرقي من خانيونس. السكان الذين أصبح لديهم خبرة في الأمر، عندما يسمعون أصوات الحرب، يسارعون إلى مغادرة المنطقة. في الأيام الأخيرة، كرر الجيش استخدام المعادلة: بعد إطلاق 4 صواريخ على كيسوفيم، أُعلن إخلاء جديد، وهذه المرة، استُهدف حيّ حمد (الذي بناه أمير قطر)، شمال غربي خانيونس.

النزوح أسوأ من الحرب بألف مرة

  • يشكو الغزيون من الإخلاء في وسائل التواصل الاجتماعي من دون توقف؛ سامر، من سكان غزة، كتب في حسابه في إنستاغرام أن "النزوح أسوأ بألف مرة من الحرب. لقد توقفنا عن التفكير في العودة، وفي نهاية الحرب. كل ما نريده الآن، البقاء في مكان واحد، من دون فوضى، ومن دون إذلال، ومن دون نزوح من مكان إلى آخر. أرى الناس يبكون ويتساءلون: إلى أين نذهب"؟
  • مَن تابع ما يُنشر في مواقع التواصل في غزة الشهر الماضي، يمكنه أن يلاحظ ظاهرة قلّل الجيش الإسرائيلي من أهميتها في بياناته ومنشوراته، وهي أنه خلال شهر ونصف الشهر، عمل الجيش بصورة أساسية في شمال غزة. ومما لا شك فيه أنه في ظل أحداث مهمة، مثل اغتيال محمد الضيف، والعثور على أنفاق تهريب إلى مصر، والعمليتين في بيروت وطهران، من الصعب الانتباه إلى هذه الظاهرة التي تتطلب متابعة يومية منتظمة: تتحدث تقارير كثيرة في مواقع التواصل الغزية عن أن حجم القصف الإسرائيلي في شمال غزة هو أكبر كثيراً من سائر المناطق. وفي الواقع، دارت معارك يومية في مدينة غزة طوال شهر، وخصوصاً في حيّ تل الهوا وصبرا، حيث اكتُشف نفق كبير بالقرب من مركز للأونروا، وأيضاً في مناطق أُخرى من المدينة. وعلى ما يبدو، قُتل عدد من قياديي "حماس" جرّاء القصف، بينهم روحي مشتهى، صديق السنوار الذي شاركه الزنزانة في السجن في إسرائيل. ولا يمرّ يوم من دون قصف على حيّ الزيتون، الذي أمل الجيش الإسرائيلي، قبل نصف سنة، بالبدء بتجربة إقامة حُكم محلي- مستقل فيه، من دون "حماس".
  • في الأسبوع الماضي، قصف الجيش حيّ الشيخ رضوان والمدرسة التي كانت تُستخدم كمركز إيواء، لكنها عملياً، استُخدمت "مركزاً" لقيادة "المخربين". وكان بين عشرات القتلى قائد كتيبة بيت حانون، الذي نزح من حيّ الشيخ رضوان برفقة عدد كبير من "مخربي" جباليا القريبة، الذين هربوا منها عندما كانت الفرقة 98 تعمل هناك...
  • طوال الأشهر الأخيرة، تدور بين الجيش وبين "حماس" لعبة القط والفأر، الشبيهة بلعبة الكراسي الموسيقية: تتمركز القوات الإسرائيلية في حيّ معين خلال كل عملية توغُّل؛ مرة في جباليا، ومرة أُخرى في حيّ الزيتون، أو الشجاعية، وأحياناً في بيت حانون، ومجدداً في حيّ الزيتون. ويُصدر الجيش أوامر بإجلاء سكان الحيّ، وأحياناً، يطلب منهم، علناً، التوجه جنوباً إلى محور نتساريم، لكنهم لا ينصاعون للأوامر. الغزيون يسمّونه "صموداً"، فهم يصرّون على البقاء في المدينة. وتُظهر صور النزوح الجماعي من الحيّ السكان، وهم يسيرون مع أعضاء "حماس"، الموزّعين في وسطهم، جنباً إلى جنب، وينتقلون إلى حيّ آخر لا يعمل الجيش الإسرائيلي فيه، وبعد بضعة أيام، يعودون إلى الحيّ الأصلي الذي دمرته الحرب، ويقيمون فيه موقعاً جديداً. وبهذه الطريقة أصبح حيّ الشيخ رضوان مركزاً لـ"حماس" في غزة، بعد إخلاء الشجاعية.
  • مرة واحدة فقط، قبل شهر تحديداً، تخوفت "حماس" من أن يؤدي تنفيذ الجيش الإسرائيلي عمليات كبيرة في مدينة غزة، إلى خضوع جزء من سكان المدينة وإجبارهم على الرحيل جنوباً... على الفور، أطلقت "حماس" حملة دعائية في مواقع التواصل الاجتماعي، عنوانها هاشتاغ # مش طالعين، نشرته في تويتر [منصة إكس] وتيليغرام... حققت الحملة نجاحاً مذهلاً: في الأسبوع الأخير، ازداد إطلاق الصواريخ من قطاع غزة (في الأساس من بيت حانون) على "مستوطنات الغلاف": سديروت ونير عام وزيكيم وأشكلون. وحاول الجيش إصدار أوامر بالإخلاء، لكنه اعترف أمام المراسلين العسكريين بأن هذه الأوامر لم تُنفّذ، ولم ينزح أحد. عاد الجيش وأمر سكان بيت حانون بالمغادرة، وهذه المرة مع خريطة تدلهم على كيفية التحرك جنوباً، لكن الحديث الداخلي لسكان بيت حانون في قناة تيليغرام كان واضحاً: عدم مغادرة المدينة؛ لا تنزحوا، # مش طالعين.

الحرب على الوعي وصفقة المخطوفين

  • الصمود في مدينة غزة هو في مركز الحرب على الوعي، الدائرة بين الجيش الإسرائيلي وبين "حماس"... تصرّ "حماس" على عودة سكان غزة إلى المدينة خلال المرحلة الأولى من صفقة المخطوفين. وهي تدرك أن مليون مواطن سيعودون إلى مدينة غزة فور البدء بصفقة المخطوفين، وسيكون بينهم أيضاً آلاف "المخربين" وعناصر من سلطة "حماس"، الموجودين في جنوب القطاع حالياً. أمّا السلاح والصواريخ فيمكنها الحصول عليها من الأماكن السرية التي لم يعثر عليها الجيش في المدينة.
  • هذه هي الحرب الحقيقية التي تدور في قطاع غزة حالياً: "حماس" تنجح في إحكام قبضتها، ويجب أن نكون أكثر تشدداً مع السكان الذين يُستخدمون "دروعاً بشرية" لسلطة "حماس" التي لا تزال فاعلة في المدينة. وحده إجلاء ربع مليون شخص من شمال القطاع إلى جنوبي محور نتساريم سيشكل المنعطف المطلوب للضغط على السنوار من أجل استعادة المخطوفين، ولكي ننتزع من يد "حماس" السلاح الاستراتيجي القائم على استخدام مئات الآلاف من الناس "دروعاً بشرية".