من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- ما أثاره المدعي العام بشأن إمكان فتح تحقيق جنائي ضد المغني إيال غولان، عقب دعوته إلى "محو غزة تماماً"، أثار يوم أمس ضجة كبيرة؛ فمن جهة، من الجدير بنا أن نتساءل عن سبب تركيز النيابة العامة على غولان تحديداً، بينما تجاهلت تماماً التصريحات الداعية إلى الإبادة الجماعية للفلسطينيين من جانب عشرات السياسيين، والعسكريين، والصحافيين الذين أوغلوا في خيالاتهم المرضية التي تتحدث عن الإبادة، والتسوية بالأرض، وتجويع وتعطيش سكان غزة بالكامل.
- ومن جهة أُخرى، دعوني أطمئنكم أن غولان لا يواجه أيّ خطر، فهذا الشخص الذي خرج كالشعرة من العجين عندما اتُّهم بقضية استغلال جنسي لقاصرات، لن يدخل إلى السجن بالتأكيد، بسبب تحريضه ضد الفلسطينيين. يكفي الإنسان أن يعيش في إسرائيل ساعتين، ليدرك أن هذا "التحقيق" ليس سوى مسرحية فارغة للفت انتباه القضاة في محكمة لاهاي، والعم سام، لإظهار أن إسرائيل تتعامل بجدية مع جرائم الحرب والتحريض على الإبادة الجماعية، وهو ما ينفي الحاجة إلى تدخُّل "ذوي الحس المرهف" في شؤوننا، عبر أفكار تافهة، على غرار "الأعراف والمواثيق الدولية" و"المعاملة الإنسانية".
- إن مجرد طرح إمكان التحقيق مع غولان كان غريباً جداً، إذ تجاوز الاحتجاج على التحقيق الفوارق القائمة بين الاصطفافات السياسية الإسرائيلية، فامتدت الاحتجاجات من سمحا روتمان، وصولاً إلى أحمد الطيبي، حتى لو كان ذلك لأسباب متناقضة (سأخاطر بالمراهنة على أن الطيبي يعتقد أنه يجب إدانة كثيرين آخرين شجعوا على الإبادة الجماعية في غزة، بينما روتمان يعتقد أنه لا ينبغي مقاضاة أيّ يهودي، لأن جريمة "التحريض" هي جريمة عجائبية، لا يقوم بارتكابها إلا العرب).
- ومن التعليقات الكثيرة، برز تعليق شديد التفاهة، وهو تعليق المحلل في موقع "Ynet" أتيلا شومفليبي، الذي يعمل اليوم مستشاراً إعلامياً لديه طموحات سياسية غامضة؛ إذ كتب: "إليكم مواد جديدة أكتبها لكي تحققوا فيها، بموجب القرار السخيف من المدعي العام: ’فلتُمحَ غزة! تعالوا الآن وحققوا معي’." وما من حاجة إلى الإشادة بشومفليبي على جرأته، فهو يعلم جيداً بأن الدولة توفر كل الدعم لمن يدعون إلى محو غزة، بل أيضاً تشيد أساساً بمن يقومون بمحوها فعلياً. لو كان شومفليبي متحمساً للدفاع بجسده عن حرية التعبير، لتعيّن عليه ربما النضال من أجل المواطنين العرب الذين تم فصلهم من وظائفهم، أو اعتقالهم، أو ضربهم على مدار الأشهر الأخيرة بسبب قيامهم بأمور قانونية تماماً؛ مثل كتابة منشورات في وسائل التواصل الاجتماعي، نصُّها "العين تبكي على غزة"، أو نتيجة ارتداء قميص كُتبت عليه كلمات بالعربية، أو الخروج في تظاهرات سلمية مناهضة للحرب.
- لكن منشور شومفليبي ليس فقط مثيراً للشفقة، بل أيضاً خطِر؛ فهو يحوّل إمكان بقاء مليونَي إنسان حقيقي، على الرغم من الحرب، إلى مجرد وسيلة بلاغية في نقاش نظري بشأن حقوق اليهود (تماماً كما تتحول دعوة إبادة جميع اليهود بالغاز، باسم حرية التعبير، إلى قضية مجردة).
- هذا المنشور التافه يمثل ظاهرة أوسع كثيراً؛ وهي ظاهرة المحو الكامل للفلسطينيين من الوعي الإسرائيلي. بالطريقة نفسها، دان الرئيس يتسحاق هرتسوغ المذبحة التي ارتُكبت في قرية جيت، والتي ادّعى أنها "تمسّ بالمستوطنين جميعاً"، و"بمكانة إسرائيل"، من دون أن يذكر بكلمة واحدة الأذى الذي لحِق بالفلسطينيين الذين حاول المستوطنون إحراقهم، بينما كتبت تسيبي ليفني "هم يعتقدون أنهم يحرقون منازل الفلسطينيين، لكنهم يحرقون الأسس التي بُني عليها الوطن القومي للشعب اليهودي، وكأن المنازل الفلسطينية المشتعلة هي مجرد أوهام، وليست جوهر الحدث".
- إن التعامل مع حياة الفلسطينيين على أنها تسلية نظرية مجردة، أو لِنقُل، مشكلة إعلامية في أقصى تقدير، يحول ملايين البشر إلى شخصيات شبحية لا وجود لها، أو لا أهمية لها، إلاّ بقدر مساهمتها في إلقاء الضوء على النقاش الداخلي بين اليهود. المحو الرمزي ليس بالضرورة أسوأ من المحو الفعلي، لكنه سهل الحدوث؛ فالحياة التي لا تعدو كونها أداة بلاغية، لن يكون لدينا مشكلة في إبادتها والقضاء عليها.
___________
[1] يَرِدُ هذا المقال على خلفية الضجة التي أُثيرت في الإعلام الإسرائيلي بشأن مغنٍ إسرائيلي شرقي، هو إيال غولان، ويُعتبر أحد أهم المغنّين الشعبيين الذين يخاطبون القاعدة الشعبية التقليدية لحزب الليكود. لقد قال في لقاء أجرته معه "القناة 14" الإسرائيلية إنه "يجب مسح غزة تماماً عن وجه الأرض"، وإن على الجيش الإسرائيلي "عدم ترك إنسان واحد حيّاً هناك." وقيام النيابة العامة باستدعاء غولان للتحقيق معه، وما تلا ذلك من اصطفاف شعبي ورسمي واسع وراءه في معركة إعلامية، الهدف منه تحقيق غايتين، أولاهما نزع الإنسانية عن الفلسطيني ومواصلة الدعوة الصريحة إلى قتله، وثانيهما الهجوم على "مؤسسات القانون" في الدولة، استكمالاً للانقلاب القضائي الذي يدعمه مؤيدو حكومة نتنياهو [المترجم].