موافقة نتنياهو تدفع السنوار إلى الزاوية
تاريخ المقال
المصدر
- يعيش المجتمع الإسرائيلي حالة بلبلة وإحراج بسبب التقديرات والردود على قمة الدوحة؛ وأيضاً بسبب استمرار المفاوضات في القاهرة، والتي أعلن وزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن أنها فشلت، وبحسبه، فإن بنيامين نتنياهو قبِل مقترح الوسطاء الأميركي - وهو المقترح نفسه الذي رفضته "حماس" سابقاً. طاقم المفاوضات الإسرائيلي يدير محادثات مع ممثلي الوسطاء، وبصورة غير مباشرة، مع "حماس"، بشأن صفقة التبادل، وأساساً، تدور هذه المحادثات حول خطوة دبلوماسية أوسع ستقرر وجهتنا: وقف إطلاق النار وهدنة استراتيجية، أو تصعيد واسع في جبهتَي الشمال والشرق، مع احتمال الانجرار إلى حرب إقليمية.
- الردود على خطة إدارة بايدن متناقضة. إذ تشير التقديرات من الجانبَين الأميركي والإسرائيلي إلى "تقدُّم"، وأن الكرة في ملعب "حماس". وبدورها، حمّلت "حماس" نتنياهو وبايدن المسؤولية، ثم عادت لتؤكد التزامها الخطة التي وافقت عليها في 2 حزيران/يونيو [2 تموز/يوليو في الواقع].
- ومن دون الدخول في عُمق القضايا الخلافية، فإن وجود الجيش في القطاع، وأيضاً قائمة "الإرهابيين" الذين سيتم تحريرهم، وإنهاء الحرب، هي القضايا الأساسية. ومنها تشتق السيناريوهات الأساسية في جولة المفاوضات الحالية:
- في السيناريو الأول، الذي يبدو أكثر تفاؤلاً في هذه اللحظة، سينجح الطرفان في تجسير الفجوات، وهما يقبلان اقتراح الوسطاء بقيادة الولايات المتحدة. هذا السيناريو سيحقق هدفَي الولايات المتحدة - إعادة المخطوفين ومنع التصعيد في الشرق الأوسط. بالنسبة إلى إسرائيل، هذا السيناريو أيضاً إيجابي. فهو يأتي بعد تحقيق جميع أهداف الحرب العسكرية في غزة، ويسمح بوقف إطلاق النار مدة 6 أسابيع على الأقل، ويقلّص المواجهة المتصاعدة في الشمال، ويقلل احتمال اشتعال حرب إقليمية في المدى القصير. والأهم، أن هذه الخطوة تسمح لإسرائيل بالوفاء بواجبها الأخلاقي تجاه مواطنيها وإعادة المخطوفين إلى منازلهم.
- كما أن وقف إطلاق النار في الشمال، حتى لو كان موقتاً، سيسمح لإسرائيل بإعادة بلورة مسارها بشأن الحرب المتعددة الجبهات وأهدافها، وضمنها تغيير الواقع الأمني في الشمال - إمّا عبر اتفاق، وإمّا بواسطة حرب محدودة. إن إدارة صحيحة للأمور ستسمح أيضاً بفتح الطريق لبناء ائتلاف إقليمي ضد إيران، وعلاقات مع السعودية. وفعلاً، دائماً كان هناك احتمال بدرجة معقولة أن تضع "حماس" معوقات أمام تطبيق مراحل الصفقة اللاحقة، وخصوصاً ما يتعلق بمسألة بقية المخطوفين. في هذه الحالة، يجب أن يكون هناك التزام مكتوب من طرف الأميركيين، ينص على أن إسرائيل ستكون في حِلّ من التزاماتها كاملة، ويمكنها العودة إلى القتال.
- في السيناريو الثاني، تفشل المفاوضات، والأميركيون يحمّلون "حماس" المسؤولية، بحسب تصريح وزير الخارجية بلينكن. إذاً، موافقة رئيس الحكومة على خطة الرئيس بايدن المحدّثة هي خطوة رابحة في جميع الأحوال. إذا قبِلت "حماس" الصفقة، فنحن في السيناريو الأول، وعلى الأقل، ستُنجَز المرحلة الأولى من الاتفاق. أمّا إذا رفضت "حماس" - فستكون هي المتهمة بالعرقلة، وعليها أن تتحمل المسؤولية الاستراتيجية، وسيستمر التنسيق والدعم الأميركي لاستمرار الحرب في غزة. وعلى الرغم من ذلك، من المهم أن نتذكر أنه في حال لم يعُد المخطوفون إلى منازلهم، ولم توقف إسرائيل المعركة في غزة، فإن الجبهة الشمالية ستبقى مشتعلة، وفي حالة تصعيد، وسيزداد احتمال اندلاع حرب إقليمية.
- على إسرائيل أن تكون جاهزة للتصعيد الإقليمي. من الممكن أن يكون هناك ردّ من حزب الله، وأيضاً من إيران، على اغتيال فؤاد شُكر وإسماعيل هنية، وهذا الرد سيقابله ردّ قوي من إسرائيل. وهذا كله يحدث في الوقت الذي يزداد تهديد "الإرهاب" من جبهة الضفة الغربية. لكن، لأن "حماس" ستكون المتهمة بإفشال الصفقة، سيكون لدى إسرائيل شرعية معينة، على الأقل من طرف الولايات المتحدة، للاستمرار في جهودها بهدف إبادة قوة "حماس" العسكرية.
- حينها، ستكون إسرائيل أمام معضلة تتعامل معها في هذه الأيام أيضاً: هل تستمر في القوة نفسها القائمة الآن، أو القيام بما يبدو صائباً أكثر - تغيير طريقة الضغط العسكري في غزة، بهدف تعميق استهداف "حماس" ومصادرة مزيد من المناطق منها، وأيضاً مزيد من القدرات السلطوية، وأن توضح لها ثمن عدم التوصل إلى اتفاق. في هذا السيناريو أيضاً، ستتعزز معضلة الحرب المتعددة الجبهات: هل يجب نقل الجهد المركزي إلى الشمال، وأيّ جهود عسكرية يجب القيام بها في غزة لمنع "حماس" من استعادة سلطتها وترميم قوتها - وهي أمور فشلت حكومة إسرائيل، حتى الآن، بمعالجتها خلال الأشهر العشرة الأخيرة.
- في السيناريو الثالث، تتحمل إسرائيل مسؤولية فشل الاتفاق، وذلك بسبب مطالب غير معقولة، في نظر الولايات المتحدة، وحتى في نظر المستوى المهني الذي يدير المفاوضات. وبعد إعلان وزير الخارجية الأميركي أن نتنياهو وافق على المقترح المحدّث، اختار رئيس الحكومة نشر فيديو، يشدد فيه على أن الاتفاق الأميركي ينص على تحرير عدد كبير من المخطوفين في المرحلة الأولى من الصفقة. صحيح أن الحديث يدور حول إنجاز مهم، إلا إن نشره قبل توقيع الصفقة يطرح أسئلة عمّا إذا كان رئيس الحكومة يحاول التلاعب مرة أُخرى، بعد أن وافق على خطة بايدن في الغرف المغلقة، وهل يحاول إلحاق الضرر بالخطة ودفع السنوار إلى جعل مطالبه أكثر حدةً. هذه الخطوات يمكن أن تؤدي إلى اتهام إسرائيل بإفشال الصفقة.
- إن تصرُّف رئيس الحكومة بهذا الشكل وتجاهُل التطورات والتهديدات بتوسيع الحرب في لبنان، ومع إيران، وفي مناطق متعددة في الإقليم سيؤديان، باحتمال عالٍ، إلى توسيع إسرائيل الحرب، وهذه المرة، من دون الدعم الواسع من الولايات المتحدة. الانغلاق الاستراتيجي الإسرائيلي يركز على غزة، ويصبّ في مصلحة طموح السنوار الذي لم يتحقق حتى الآن - التقاء الساحات بقوة كبيرة. بهذا السيناريو، سيبدو أن إسرائيل هي الرافضة، وهو ما سيصعّب العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة في الوقت الذي أرسل الرئيس بايدن إلى المنطقة قوات بحجم غير مسبوق من أجل الدفاع عن إسرائيل في مواجهة تهديدات إيران وحزب الله والحوثيين وبقية الجهات في محور المقاومة.
الخلاصة
- أنا لا أنتمي إلى جماعة "صفقة بأيّ ثمن". هناك قضايا لا يمكن التنازل عنها، وعلى رأسها الإبقاء على أدوات الضغط الموجودة لدى إسرائيل حتى المرحلة الثانية من الصفقة، مرحلة عودة بقية المخطوفين: الجنود والمواطنون الذين تعرّفهم "حماس" بأنهم جنود. على إسرائيل الإبقاء على أدوات تمنع قيام "حماس" بمدّ المفاوضات إلى الأبد، لتستمر في الإبقاء على المخطوفين الإسرائيليين. وعلى الرغم من ذلك، فإن المقترح الأميركي الذي تم طرحه يلائم مصالح إسرائيل، وبصورة خاصة قيَمها والتزاماتها تجاه مواطنيها، ويستند إلى اقتراح نتنياهو وبايدن من شهر أيار/مايو. لهذا السبب، ردّ رئيس الحكومة على بلينكن بأنه يقبله.
- وأكثر من المفاوضات في مقابل "حماس"، على إسرائيل السعى لتوقيع اتفاقيات جانبية وثنائية مكتوبة مع الولايات المتحدة، تسمح لها بالاستمرار في الضغط على "حماس" في حال رفضت الاتفاق، والتعامل مع كل خرق من الحركة، إذا تم التوصل إلى اتفاق، وتسمح لإسرائيل بالعمل على منع "حماس" من معاظمة قوتها وترميم نفسها، في أي حال من الأحوال. فضلاً عن أنه يجب الدفع قدماً بترتيبات مع الولايات المتحدة ومصر لإيجاد حلّ حقيقي يمنع التهريب إلى غزة، عبر الحدود المصرية، ويمنح الوجود الإسرائيلي شرعية، ما دام لا يوجد حلّ فعال بعد.
- إن قبول الصفقة، بحسب المعايير الأميركية المحدّثة، بمثابة مصلحة إسرائيلية واضحة تحقق أهداف الحرب، حسبما تم إقرارها في تشرين الأول/أكتوبر - إزالة تهديد "حماس" لإسرائيل وإعادة المخطوفين. وفي الأساس، تحقيق أهداف الحرب غير المعلنة التي لم يتم تحديثها منذ تشرين الأول/أكتوبر: منع نشوب حرب إقليمية؛ إيجاد ظروف ملائمة لعودة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان؛ تطبيع مع السعودية؛ تحضير للائتلاف الإقليمي والدولي للمواجهة مع إيران، قبل أن تحدث.