دعكم من هرتسوغ، فلا أحد يمكنه إنقاذ إسرائيل من نتنياهو إلا المؤسسة الأمنية
تاريخ المقال
المواضيع
فصول من كتاب دليل اسرائيل
مهند مصطفى
أسامة حلبي, موسى أبو رمضان
أنطوان شلحت
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- دعا الأديب إيال ميغيد في صفحات "هآرتس" (16/8/2024) رئيس الدولة إسحق هرتسوغ للوقوف علناً ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي يتمسك بالكرسي ويستخدم الأدوات والصلاحيات المنوطة به (على غرار خوض حرب دامية، لا تاريخ لانتهائها، بما ينطوي ذلك على مخاطر ترك الرهائن لمصيرهم) بصورة غير مسؤولة ومدمرة، من أجل ضمان بقائه الشخصي والسياسي والقضائي. ويقول ميغيد إن ما يحول بين قيام الرئيس وبين "دعوة رئيس الحكومة، الذي يضع مصلحته فوق مصلحة بلده، إلى الانضباط"، هو مبدأ الحفاظ على الصلاحيات المؤسساتية، والذي يرى هرتسوغ أن عليه الالتزام به، لأنه لا يريد أن يظهر كرئيس للمعارضة، بل يرغب في الحفاظ على مكانته كرئيس جامع للدولة.
- على الرغم من أنه من الصعب الاتفاق مع هذا التقييم، فإن من الواضح منذ زمن بعيد، حتى لعناصر يمينية أصيلة، أن نتنياهو يستمر في الحرب، لا لشيء، إلّا لضمان استمرارها، من دون أن يكون لهذه الحرب أيّ هدف عسكري، فضلاً عن أن يكون لها هدف سياسي، (وقد كانت أغلبية هذه العناصر محسوبة في السابق على المؤيدين المتحمسين لنتنياهو، على غرار آشر زافراني، عضو الليكود من كريات شمونة، الذي سمعت خطابه المؤثر قبل أسبوع ونصف في التظاهرة الأسبوعية [الداعية إلى التوصل إلى صفقة] في مدينة حيفا)، وعلى غرار كثيرين غيره ومثله، قد يصوتون اليوم لحزب نفتالي بينت وأفيغدور ليبرمان، إذا أقيم مثل هذا الحزب.
- هناك آلاف مؤلفة في إسرائيل، محسوبة على اليمين واليسار والوسط، ترى أن هذا الذي أُنيطت به مسائل سلامتها وأمنها، بات معنياً بخلق حالة طوارئ دائمة في البلد والحفاظ عليها فترة زمنية غير محدودة، بحيث يمكنه مواصلة التهرب من مسؤوليته عن "كارثة" السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، تحت ستار حالة الطوارئ هذه، لا بل الاستمرار فيها إلى ما لا نهاية. انتظروا لتروا أيّ كارثة يحضّرها الرجل من أجلنا مع اقتراب موعد شهادته [في قضية الفساد المنسوبة إليه أمام المحكمة] بتاريخ 2 كانون الأول/ ديسمبر المقبل. إن الأمر الذي يحول بين قيام هذه الجموع بالتدفق نحو الشوارع، إلى جانب الحالة الحربية (على أهميتها)، هو أيضاً الشلل الذهني، الذي يعود إلى رفض هذه الجموع تصديق ما تراه عيونها: إن رئيس الحكومة الإسرائيلية اتّخذ قراراً فعلياً لتدمير دولة اليهود ومؤسساتها، وتعريض حياة مواطنيها للخطر، من أجل مصلحته الشخصية، ومصلحة أسرته.
- لا يُعقل الافتراض أن رئيس الدولة لا يدرك أن "التصرف بطريقة نبيلة ومؤسساتية" في ظل الوضع الطارئ والفريد الذي يعيشه البلد اليوم، يعني بالضبط ما قاله له ميغيد: القيام بكل ما يمكنه القيام به من أجل إنقاذ الدولة من هذا الإنسان الذي فقد صوابه، وبات يشكل خطراً محققاً وواضحاً على مستقبل مواطنيه، من مؤيدي اليمين واليسار معاً. وبناءً عليه، فلا مناص من الاتفاق، مع التفسير الذي قدمه هنا أوري مسغاف في مقاله في "هآرتس" (15/8/2024): "لقد تم انتخاب هرتسوغ لمنصب رئيس الدولة بفضل نتنياهو، ولذا، فإن الأول موجود في جيب الأخير".
- بالإضافة إلى أنه لو كان لدى هرتسوغ رؤية حقيقية بشأن مستقبل الشعب والدولة، ربما كان سيجد في داخله القوة اللازمة للهروب، من أجل إسرائيل، من جيب الشخص الأكثر وضاعةً في تاريخ الشعب اليهودي، حسبما وصفه نحميا شترسلر بحق. لكن للأسف، هذا لا يحدث هنا. إن هرتسوغ شخص متعلم وذكي، وإنسان قارئ، وكاتب بليغ، وناقد عميق للكتب، ومثل هذه الشخصيات صار من النادر مصادفتها بين الساسة الإسرائيليين اليوم، فضلاً عن أنه ينحدر من عائلة لها أثر عميق في تاريخ الشعب اليهودي في القرن الماضي، ومع ذلك، فهو ليس شخصاً يمتلك رؤية.
- إلّا إن النزر اليسير من "الرؤية" التي أظهرها هرتسوغ في الماضي كانت شكواه، عندما كان يشغل منصب رئيس حزب العمل وزعيم المعارضة لنتنياهو (في سنة 2016)، بأن الجمهور الإسرائيلي يرى أن أعضاء حزب العمل بصفتهم "محبين للعرب"، وأنه من الأفضل للحزب التوقف عن بثّ هذا الشعور للإسرائيليين. من المحتمل أن هرتسوغ لم يتخلّ عن هذه الفكرة في قلبه حتى اليوم، وربما هذا ما يمنعه من مواجهة نتنياهو، لأنه لا يزال هناك، حتى اليوم، حشد كبير من الحمقى الذين يرون أن نتنياهو "سيّد الأمن"، الشخص الذي يمكنه حمايتهم من العدو العربي، أكثر من أيّ شخص آخر، حتى الآن، بعد أن جلب هذا الرجل على رؤوسنا أكبر الكوارث التي حطّت على الشعب اليهودي منذ المحرقة النازية، من خلال تمويله غير المباشر والمنهجي لـ"الإرهابيين" في "حماس".
- إذاً، علينا ألّا نتوقع من هرتسوغ إنقاذنا من نتنياهو. كما تفضل السيد مسغاف بالتوضيح هنا. وبناءً عليه، فإن الطريقة العملية الوحيدة الضامنة لإنقاذ إسرائيل من هذا الرجل تتمثل في الوقوف العلني والموحد ضده من جانب وزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان ونائبه، ورئيس جهاز "الشاباك"، ورئيس الموساد، وقائد سلاح الجو، ورئيس الاستخبارات العسكرية، لمطالبته بإعلان فقدانه الأهلية، ثم الاستقالة.
- هناك مَن سيقول إنها دعوة إلى انقلاب عسكري ضد رئيس حكومة منتخَب، في تناقض مع نواظم الديمقراطية. هذه ليست سوى ديماغوجية رخيصة لا أساس لها من الصحة. لا أحد يعتقد، حاشا لله، أن دور القادة العسكريين يتمثل في اعتقال رئيس الحكومة والاستيلاء على السلطة بالقوة، كما يحدث في الأنظمة الديكتاتورية. فكل ما هو مطلوب، في حال أفشل نتنياهو (مجدداً) الصفقة التي يتم التفاوض بشأنها الآن، بهدف إطلاق سراح المختطفين وإعلان وقف إطلاق النار، هو أن يقوم قادة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بعقد مؤتمر صحافي في أفضل ساعات البث، الساعات التي يفضلها المتهم، وأن يعرضوا أمام الشعب، بصورة مفصلة ومحسوسة، مع الالتزام بالحفاظ على أسرار الدولة بالطبع، كيف يتسبب نتنياهو، بصورة ملموسة، باستمرار الحرب من دون أن يكون لهذا الاستمرار أيّ فائدة أمنية؛ كيف قام ويقوم بإحباط التوصل إلى صفقة تبادُل، ولماذا سيؤدي استمرار تمسُّكه بكرسي الحكم إلى تهشيم الدولة بصورة تامة، إذا ما استمر.
- بمجرد تقديم قادة المؤسسة الأمنية تحليلاتهم الأمنية والمهنية للشعب الإسرائيلي، ومن المحتمل قبل الشروع في إقرار استخدام إجراء "عدم الأهلية" القانونية ضد نتنياهو، هناك ربما احتمال لتدفّق جموع الإسرائيليين، الجالسين الآن، مشلولين في منازلهم، والمصدومين، وهم يأملون بأن ما تراه أعينهم ليس سوى كابوس سيتبدد، ويخرجون إلى الشوارع، والبقاء فيها إلى أن يستقيل الرجل الأخطر على مستقبل البلد ومواطنيها. وربما ينضم الرئيس هرتسوغ، أخيراً، إلى الجماهير، لكي يقف على الجانب الصحيح من التاريخ.