التصدي للهجمة أظهر القدرات الإسرائيلية، لكنه أبدى أيضاً موافقة إسرائيل على ذلك الروتين غير المحتمل في الشمال
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • طوال اليومين اللذين أعقبا تصاعُد المواجهة العنيفة بين إسرائيل وحزب الله، شهدت الحدود مع لبنان هدوءاً نسبياً حتى مساء أمس (الاثنين). إذ خفف الطرفان هجماتهما، وحصَرا تحركاتهما في نطاق ضيق على جانبَي الحدود.
  • على الرغم من ذلك، فإن هذا الرجوع السلس إلى الروتين السائد، المتمثل في قبول روتين قصف الشمال، بات يعبّر عن اعتياد وضع غير قابل للاحتمال. إن سكان الجليل والجولان على حق: فإسرائيل، من خلال تصرفاتها الأخيرة، عندما كان حزب الله يحضّر لإطلاق طائرات مسيّرة في اتجاه قواعد استخباراتية في منطقة غليلوت، شمالي تل أبيب، أوصلت رسالة مفادها، عملياً، بأن مسألة قصف الشمال مقبولة منها.
  • في ظل غياب تسوية سياسية على الحدود الشمالية، وعدم وجود تحرُّك عسكري فاعل، يمكن القول إنه لا يوجد في الوقت الراهن مسار يُطمئن سكان الشمال بأن الدولة تسعى لإعادتهم إلى منازلهم قريباً. حتى إن تاريخ 1 أيلول/سبتمبر[1] سيمرّ الأسبوع المقبل، من دون أن يطرأ أيّ تحسّن على أوضاعهم، ومن دون تاريخ مستقبلي محدد لعودتهم. إذاً، لا عجب في أن يقاطع رؤساء المجالس المحلية في المناطق الواقعة على الحدود اللبنانية زيارات الوزراء لهم (إذا افترضنا أن الوزراء يقفون في الطابور لكي يزوروا الشمال)، ولا عجب أيضاً في أنهم كالوا الاتهامات الغاضبة لكلٍّ من وزير التربية والتعليم وقائد الجبهة الداخلية.
  • يشير نهج عمل حزب الله وعدم الرد الإيراني حتى الآن، على ما يبدو، إلى أن بيروت وطهران تفضلان في هذه المرحلة تجنُّب الدخول في حرب إقليمية، وبصورة خاصة في وقت تعزز الولايات المتحدة وجودها العسكري في الشرق الأوسط.
  • إن تصدّي الجيش الإسرائيلي لهجوم حزب الله يعكس ميزة استخباراتية وعملياتية واضحة، كانت مُفتقدة بشدة في إبّان الفشل الفادح الذي حدث في "غلاف غزة" في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وفي إسرائيل، هناك ميل إلى رؤية نجاح التصدي للهجوم، بصفته دليلاً متجدداً على تعزيز إسرائيل قدرتها الرادعة، إقليمياً، وتفوّقها الاستراتيجي. ومع ذلك، يبدو أن هذا التقييم بعيد عن الدقة. صحيح أن خطاب حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، كان "مليئاً بالأكاذيب والتحايل"، لكنه كان يحمل أيضاً درجة من الاستعلاء. بعد عشرة أشهر ونصف من القتال، يبدو أن المحور الإيراني لم يعد يشعر بالخوف من إسرائيل. وربما بات يفضل اختيار موعد المواجهة الواسعة بنفسه؛ كما لا يوجد أيّ دليل يفيد بأن إسرائيل، وليس المحور الإيراني، هي التي تستغل مرور الوقت من أجل ترقية قوتها العسكرية بصورة ناجعة، بل لعل العكس هو الصحيح.
  • لقد أتاح هذا الخبوّ المحدود في التوتر على الحدود الشمالية تجديد المحادثات بشأن صفقة التبادل. فالوفد الإسرائيلي ذهب إلى القاهرة، بعد ساعات معدودة على الهجوم المكثف الذي شنّه سلاح الجو على لبنان.
  • ظاهرياً، من المفترض أن يوضح ضبط النفس المحدد الذي مارسه كلٌّ من إسرائيل وحزب الله في أثناء تبادُل الضربات فيما بينهما، لقيادة "حماس" في قطاع غزة، أن آمالها باندلاع حرب إقليمية واسعة النطاق لن تتحقق قريباً. عملياً، ترفض "حماس" مقترحات الوساطة الجديدة من جانب الدولتين الوسيطتين، على خلفية معارضة نتنياهو للانسحاب من محور فيلادلفيا الواقع على الحدود المصرية، ومن محور نيتساريم الواقع في وسط القطاع.
  • يفترض نتنياهو أن الضغط العسكري المتصاعد، وتشديد ملاحقة السنوار شخصياً، سيؤديان في نهاية المطاف إلى تحسين قدرة المساومة الإسرائيلية في المفاوضات. فحواره مع المختطفات اللواتي أُطلق سراحهن يوم الجمعة الماضي، أثبت أنه لا يقوم بتهيئة الرأي العام لتنازلات محتملة قد تمليها عليه الصفقة، بل إنه، بعكس ذلك، يهيئ الأرضية للامتناع من التوصل إلى صفقة. في هذه الأثناء، يتصاعد القلق في صفوف المؤسسة الأمنية على مصير المختطفين في القطاع. المسألة لا تتعلق بظروف احتجازهم الصعبة فحسب، بل أيضاً بتعامُل "حماس" معهم، ما دامت الحرب مستمرة.

الهدف الأسمى

  • تم توضيح موقف نتنياهو من المفاوضات من خلال هجومه غير المألوف على المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي العميد دانييل هغاري. إذ أصدر ديوان نتنياهو، تحت غطاء "مصدر سياسي رفض ذكر اسمه"، بياناً للإعلام ينتقد المتحدث باسم الجيش، بعد أن أكد في مؤتمر صحافي أن استعادة المختطفين تمثل هدفاً أسمى للحرب. ثم نشر ديوان نتنياهو قائمة أطول من الأهداف (بما في ذلك "تأمين إعادة سكان الشمال إلى منازلهم"، وهو الهدف الذي لم تكترث الحكومة، حتى الآن، لإعلانه هدفاً رسمياً للحرب)، وزعم أن تصريحات هغاري "تتعارض تماماً مع توجيهات القيادة السياسية".
  • منذ بداية الحرب، يعقد هغاري مؤتمرات صحافية متكررة، ويجيب عن أسئلة الصحافيين بصراحة، ويتحدث مع الجمهور بمبادرة منه، حتى لدى إعلانه الأخبار السيئة، على غرار مقتل ثلاثة مختطفين تمكنوا من الفرار من أسر "حماس"، ثم تصفيتهم على يد قوات الجيش الإسرائيلي. في الواقع، غالباً ما كان هغاري بمثابة درع بشري لنتنياهو وأنصاره، وبصورة خاصة في ظل غياب مركز إعلامي وطني-مدني فعال في أثناء الحرب. بينما يفضل رئيس الوزراء التحدث إلى الجمهور في أعقاب تحقيق نجاحات عسكرية. ومؤخراً، بات نتنياهو بالكاد يكلف نفسه عناء نشر بيانات تعزية مختصرة، بعد مقتل الجنود في الحرب.
  • كان الهجوم العلني الذي شُنّ على هغاري، بالتعاون مع وسائل الإعلام، عبر عرضها أقوال "المصدر السياسي" (على الرغم من أنه مجرد بيان مكتوب من ديوان رئيس الوزراء)، يهدف إلى تحقيق عدة أهداف. إذ إن هذا الهجوم طال الجيش، بالذات، في اليوم الذي قدم أداءً جيداً في الهجوم على لبنان؛ فالبيان صوّر الجيش مهزوماً، في إطار تحميل الضباط مسؤولية الإخفاقات في 7 تشرين الأول/أكتوبر. في حين أظهر نتنياهو لقاعدته السياسية الانتخابية أنه يتبنى مواقف صارمة بشأن المفاوضات.

غير قادر على التحكم في نفسه

  • كل ما يقوم به نتنياهو يبدو باهتاً، مقارنةً بما يرتكبه الوزير المؤتمن على الأمن القومي، إيتمار بن غفير. فأول أمس، نشرت كتلته "قوة يهودية" إعلانات ضخمة في الصحف تهاجم رئيس الشاباك رونين بار، وذلك بعد أن أرسل بار رسالة تحذير من استفزازات بن غفير الخطِرة في الحرم القدسي، محذراً من أنها قد تؤدي إلى اندلاع مواجهات جديدة في القدس والضفة الغربية.
  • اتهم حزب "قوة يهودية"، الذي قد يكون موّل نشر هذه الإعلانات بأموال دافعي الضرائب الإسرائيليين، رئيس الشاباك بأنه يقود إسرائيل إلى كارثة أُخرى، بسبب تأييده "صفقة متهورة". وعندما أُثير الموضوع في اجتماع الحكومة، ردّ نتنياهو بكلمة قصيرة موجهة إلى وزراء الحكومة، داعياً إياهم إلى التحلي بضبط النفس.
  • إلّا إن بن غفير لم يُظهر ذرة من ضبط النفس في إثر ذلك. فخلال الساعات الـ 48 الماضية، استكمل تعيين مفوض عام جديد للشرطة، خاضع لكل نزواته؛ ثم أعلن ترقية ضابط شرطة عنيف [تم توثيق تصرفات هذا الشرطي العنيفة في قمعه تظاهرات المعارضين للسياسات الحكومية في تل أبيب، أكثر من مرة، وتحول في وسائل التواصل الاجتماعي الإسرائيلية إلى رمز لسيطرة بن غفير على الشرطة وتحويلها لخدمة أجنداته]، ثم تجاهل قرار المستشارة القضائية للحكومة غالي باهاراف ميارا. وكي لا يختفي اسمه للحظة من العناوين الصحافية، هدد بإنشاء كنيس يهودي في الحرم القدسي.
  • أمّا نتنياهو، فأعلن تحفُّظه، كالعادة، لكن من الواضح أن هذين الشخصين يلعبان لعبة معقدة، فيها ما فيها من تنسيق من خلف الكواليس. ففي إطار جهوده لاستقطاب الاهتمام الإعلامي، يقوم بن غفير بالمساس بالأمن العام للسكان، ويحاول إشعال الشرق الأوسط بأقصى قوته. وما نجحنا في اعتراضه في الجنوب اللبناني، قد نراه يشتعل في القدس نفسها في نهاية المطاف.

__________

[1] موعد عودة الطلاب إلى المدارس، الذي سيؤثر بصورة كبيرة في الأوضاع الداخلية، من حيث عدم وجود أطر تستقبل التلاميذ، واضطرار العائلات إلى التغيب عن أعمالها، ما دام الطلاب باقين في مواقع لجوئهم.