ما هي تداعيات اختراق معسكرَي "سديه تيمان" و"بيت ليد" على الجيش الإسرائيلي؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

المؤلف
  • أحداث اختراق معسكرَي الجيش في "سديه تيمان" و"بيت ليد" تستحق النقاش في عدة أبعاد. إنها تستحق النقاش على صعيد الدولة عموماً، وصورتها الأخلاقية وصورة المواطنين فيها. وأيضاً تستحق النقاش على صعيد الإدارة السياسية للدولة وقيادات الحكومة والأحزاب في الكنيست وخارجه. هذا المقال يركز على بُعد آخر يستحق النقاش المنفصل: البعد الخاص بالجيش - بدءاً من القيم والأمور المتبعة في الجيش، وصولاً إلى تصرفات جنوده خلال تنفيذ المهمات - عندما يجد نفسه أمام خرق شعبوي للقانون من داخله وحوله.
  • المركّب المركزي في كل هذه الأحداث ليس الاختراق العنيف لقواعد الجيش، إنما الأعمال التي يُشتبه في أن جنود الاحتياط، الذين يخدمون في "سديه تيمان"، قاموا بها. الإذلال الذي يُنسب إليهم، والذي مارسوه على "المخرب" الموجود تحت رقابتهم، كان بحسب النص القانوني، "عملاً شائناً في ظروف اغتصاب، وإلحاق ضرر خطِر، وإذلالاً في ظروف خطِرة، وسلوكاً غير لائق"، وقال البعض، بحق، إنه "اعتداء وعامل إزعاج في خدمة الجمهور".
  • الضرر الذي لحِق بقيَم الجيش.
  • على الرغم من أنه من المفهوم، ضمناً، أن هذه الأفعال غير مقبولة، فإننا سنشرح الضرر الذي لحِق بقيَم الجيش، باختصار.
  • المؤسساتية: إن عمليات الجندي في إطار خدمته العسكرية في اللباس العسكري، يجب أن تكون ملتزمة بالمطالب الأساسية للعمل المؤسساتي: أولاً: عليها أن تكون ملائمة لمبادئ سلطة القانون؛ وثانياً: إجراؤها من أجل مصلحة الجماعة، بحسب رؤية الجيش والقانون؛ وثالثاً: يجب أن تكون ملائمة للمبادئ والأساسيات، أو لوظيفة الجندي، بحسب رؤية الجيش والقانون.
  • احترام الإنسان: إذلال الإنسان هو دائماً أمر مرفوض في حال لم يكن إلحاق الضرر بهذا الإنسان مبرراً. مَن يضرّ بأسير، يضرّ بإنسان لا يشكل أيّ خطر يبرر إلحاق الضرر به. وليس لمن يُلحق الضرر أيّ سلطة لمعاقبة الآخر. مَن يُلحق الضرر يتخطى اللائق، بحسب القيمة الأخلاقية الأساسية للحفاظ على كرامة الإنسان التي تُعتبر واحدة من "قيَم الجيش"، وأحد المركّبات الأساسية لدولة إسرائيل كدولة "ديمقراطية".
  • طهارة السلاح: السلاح وكل أداة أُخرى لتفعيل القوة في حوزة الجندي مخصصة فقط لتنفيذ المهمات المفروضة على الجندي، بحسب الأوامر. لا يوجد أيّ أمر يسمح بالاعتداء الجنسي، أو إذلال الأسرى والمخطوفين، وإن كان هناك أمر كهذا، فهو غير قانوني: ممنوع منح هذا الأمر، وممنوع الانصياع له، إذا صدر.
  • التمثيل: كل أفعال الجندي في إطار خدمته، يجب أن تعكس الأوامر وقيَم الجيش، وليس فقط شخصية الجندي نفسه. لا يمكن أن تكون العملية العسكرية منظمة وفعالة، إن لم يقُم الجندي بفرض قيود على أفعاله، ويدار بيد الضباط، وبشكل غير مباشر بيد الجيش، عبر القواعد والقيم التابعة له. الجندي الذي يمارس الإذلال يخلق صورة كاذبة للجيش، بأنه يمارس الإذلال، وبذلك، هو يضرّ بزملائه وضباط الجيش.
  • المهنية: كل أعمال الجندي في إطار القيام بواجبه هي عمليات بهدف تنفيذ مهمة محددة، بحسب المبادئ المهنية التي تقود عمله. هناك قواعد مهنية للحفاظ على الأسرى والمساجين، ولا يوجد فيها أيّ أساس لعمليات إذلال واعتداءات كهذه.
  • المسؤولية: الجندي يتحمل مسؤولية أفعاله، وضمن ذلك النتائج المتوقعة لأفعاله. الجندي الذي يعتدي على الأسرى مسؤول عن النتائج الخطِرة الممكنة لأفعاله على صعيد القانون الدولي الذي يمكن أن يرى أن أفعاله وما قام به الضباط في الجيش بمثابة جريمة حرب.
  • الالتزام بالمهمة: الجندي الذي يعرف جيداً ما عليه القيام به لتنفيذ المهمة الموكلة إليه، عليه الالتزام بها، وليس فقط بمفهوم الاستعداد للاستمرار في الجهود من أجل تنفيذها، بل أيضاً على صعيد أفضل الطرق للقيام بها. الاعتداءات، وحتى الاعتداءات المشينة، لا يمكن أن تكون جزءاً من تنفيذ المهمة بشكل مهني، وبحسب الأوامر والقيم.
  • وبسبب الشكوك الكبيرة في أن جنود الاحتياط عملوا بعكس واجبهم، بحسب القانون، وبحسب قيَم الجيش، فإن هذا يدلل على مشاكل عامة سنناقشها باختصار. سنطرح المشاكل والخطوط التي يمكن أن تشكل بدايةً لحل كلّ واحدة منها.
  • بالنسبة إلى خرق القانون
  • في مركز الأحداث التي جرت في معسكرات الجيش في "سديه تيمان"، وأيضاً "بيت ليد"، هناك مخالفة في الاعتداءات التي نفّذها بعض جنود الاحتياط. التظاهرات الداعمة للمشتبه فيهم واختراق المعسكرات جذبا الاهتمام الإعلامي، وربما يكون السبب فرصة للتصوير، لكن أيضاً بسبب الحاجة إلى الدفاع عن "قيَم" الجيش إزاء المخالفات التي في مركز الصورة وأساسها.
  • بسبب ظاهرة المخالفات القانونية، يجب أولاً، تفعيل المنظومة الداخلية لحفظ القانون في الجيش. إنها منظومة قضائية داخلية تابعة للجيش، وتشمل النائبة العامة العسكرية وطاقم النيابة العسكرية والشرطة العسكرية التي تحقق، والتي يتم توجيهها في حالات معينة من النائب العام للبحث في الشبهات في سلوك جنائي للجنود. في ظروف ملائمة، تحاكم النيابة العامة الجندي أمام المحكمة العسكرية. ويمكن للجندي المتهم الاستئناف أمام المحكمة العسكرية للاستئناف.
  • مبنى المنظومة القضائية الداخلي للجيش يوازي مبنى المنظومة القضائية للدولة. هناك تفسيرات تاريخية لهذا التطابق، ومن اللائق الإبقاء عليها كما هي. الفكرة العامة هي أن سلطة القانون تُطبّق في الجيش، وفي منظومة النيابة العسكرية والشرطة العسكرية المحقِّقة، والمحاكم العسكرية، وممنوع الانزياح عن الطرق المفتوحة أمامهم.
  • محققو الشرطة العسكرية الذين تم إرسالهم للتحقيق في الشبهات، قاموا بواجبهم، بحسب وظائفهم ومناصبهم. أنا لا أقبل الملاحظات المراهقة التي صدرت من داخل الجيش وخارجه بشأن أفضل الطرق لتنفيذ المهمة. وبدلاً من الانشغال المراهق بسؤال استعمال الكمامات في فترة الكورونا، كان من الأفضل أن يعبّر مَن كان لديه ما يقوله عن خطورة الجريمة والشكوك في ارتكاب أعمال شائنة، وعن التخوف الحقيقي لدى الضباط في سياق الاعتداءات الجنسية..
  • بعض التحفظات عن سلوك المحققين من الشرطة العسكرية كانت صادرة عن قسم الموارد البشرية، وهو الإطار الذي ينظّم عمل الشرطة العسكرية. لا يجب على الجنود أن يسمعوا في وسائل الإعلام أن ضباطهم يتحفظون عن سلوكهم المهني. يجب أن تصل الانتقادات دائماً عبر القناة المهنية. كان يجب تقديم شروحات مهنية وناجحة أمام الجمهور بشأن سلوك الشرطة العسكرية وعدم التبرؤ منها بلهجة إشكالية فيها أيضاً بُعد أخلاقي. الطريقة إشكالية فقط عندما تخرق اعتبارات من العالم السياسي، وتُدخلها إلى العالم العسكري. وفي أساس هذا التخوف من مزج السياسي بالعسكري، هناك ظواهر أُخرى، لكن لا مجال هنا للتوسع فيها.
  • الدعم الذي منحه رئيس هيئة الأركان لعمل النيابة العسكرية العامة والمحققين من الشرطة العسكرية في هذا السياق مهم جداً. وكان من اللائق أكثر أن يوسّع رئيس هيئة الأركان هذا الدعم.
  • لا يجب على الضباط، الذين تم توجيه تهم جنائية خطِرة إلى جنودهم، الاكتفاء بالمسار القضائي المركّب، من تحقيقات الشرطة العسكرية حتى قرار المحكمة العسكرية. بمرور الوقت، سيكون عليهم تبنّي خطوات عقابية عسكرية لتنظيم الوحدة إزاء خطر الجرائم الماثل أمامهم. وقبل ذلك، سيكون عليهم أن يسألوا أنفسهم عمّا جرى في بنية القوة الخاصة بالوحدة، أو تفعيلها، أو كلاهما، حتى باتت الجرائم ممكنة وبشكل واسع.
  • لم أجد أيّ شيء في الأخبار التي غطّت عمل النيابة العامة، وأيضاً الشرطة العسكرية، يدفعني إلى الشك في عملهم، أو مَن هم. سُعدت بقراءة الدعم الذي منحه رئيس هيئة الأركان في هذا السياق. وسيكون هناك حاجة إلى الخوض في مركّبات التربية العامة في تجهيز الجنود في كل مراحل تجهيزهم للوظيفة، وأيضاً مركّبات التربية المحددة في حالة الحرب.
  • الجيش ليس "مرآة للشعب"، ولا يجب أن يكون كذلك
  • المواجهة بين الجيش والمخالفات الجنائية ليس محدوداً في قضية "سديه تيمان" و"بيت ليد" بسبب الشبهات في التصرف الجنائي للجنود. في هذه الأحداث، حصل الجنود المشتبه فيهم على دعم واسع من حيث التماهي، وأحياناً، على دعم علني من مواطنين، ومن ضمنهم أعضاء كنيست تجمعوا حول المعسكرات في "سديه تيمان" و"بيت ليد"، حتى إن بعضهم اخترق القاعدة.
  • عموماً، الجيش حساس تجاه رأي المواطنين، بسبب تأثير المواطنين من العائلات والأصدقاء في الجنود وقراراتهم بشأن الالتحاق بالوحدات في الجيش، كالتطوع في الوحدات القتالية والخدمة في جيش الاحتياط، وأيضاً بسبب المفهوم القائل إن الجيش هو "جيش الشعب".
  • الرؤية الواضحة والمقبولة والمبررة لـ"جيش الشعب" لم تعد موجودة، لكن حتى لو كان الجيش "جيش الشعب"، فلا يجب أن يكون "مرآة الشعب". الجيش جسم مؤسساتي وضروري ومهني، وفيه مناصب وأدوات وقيَم خاصة به. لا يمكن أن يقوم بدوره الضروري، عبر الأدوات لديه والقيم، إذا كان يعكس كل الآراء في أوساط المواطنين. هناك حالات، من واجب الجيش فيها الابتعاد عن الآراء التي يعكسها جمهور محدد من أجل الاستمرار في أخذ مكانته المؤسساتية والعمل بشكل لائق للقيام بدوره الضروري.
  • الحالة التي قام فيها العشرات، بل المئات من المواطنين، بالوصول إلى بوابات المعسكرات للدفاع عن جنود مشتبه في ارتكابهم جرائم صعبة، يجب أن يقف الجيش ضدها بحزم، وضد المتظاهرين، من مبدأ الوقوف ضد الجريمة نفسها.
  • الوضع مركّب وخطِر، وخصوصاً أن بين المتظاهرين أعضاء كنيست وحكومة. العمل المؤسساتي يفرض احترام أصحاب المناصب الذين يخدمون الجمهور، وأيضاً يتطلب التزاماً مطلقاً بسلطة القانون، كما يُطرح في الجيش، على يد النيابة العسكرية، بمساعدة الشرطة العسكرية. وإن كان هناك حاجة، فإن المحاكم العسكرية ستقوم بأدوار مهمة للحفاظ على سلطة القانون.
  • التعامل مع الخروقات المدنية
  • شهدت أحداث "سديه تيمان" و"بيت ليد" حالات من الإخلال بالنظام المدني (من طرف مواطنين إسرائيليين). مواطنون يحاصرون بوابات قاعدة عسكرية ويشوشون الحركة المطلوبة من الجنود داخل المعسكر، أو خارجه. المواطنون الذين اخترقوا القاعدة العسكرية شوشوا العمل العسكري الذي يجري في الداخل. المواطنون يحاولون منع محققي الشرطة العسكرية من اعتقال الجنود المشتبه فيهم بجرائم، ويشوشون تنفيذ المهمة الملقاة على عاتق المحققين، ويجب تنفيذها. المواطنون يحاولون تحرير الجنود من الاعتقال داخل قاعدة عسكرية للتحقيق في شبهة ارتكاب جرائم، وبذلك، هم أيضاً يشوشون العمل العسكري.
  • في هذه الحالات، يجب أن يكون هناك تدخُّل عملي جدّي لإحباط تشويش العملية العسكرية. ولأن مَن شوّش هم مواطنون إسرائيليون، فهذه مهمة الشرطة التي يجب عليها وقف الإزعاج باستعمال الأدوات التي لديها. الجنود استدعوا الشرطة، وعلى الشرطة إبعاد المخلّين بالنظام للسماح للجنود بالقيام بمهمتهم.
  • كان يتوجب على أفراد الشرطة أن يعرفوا كيفية التعامل مع مواطنين إسرائيليين يشوشون عمل الجنود، وكان يجب أن يكون هناك جنود مدربون على تفعيل القوة لإحباط هذا التشويش وإعادة النظام كما كان عليه، حتى لو كان من مواطن واحد، أو أفراد، أو حتى مجموعات كبيرة.
  • مستقبلاً، يمكن تدريب الجنود على العمل في وظيفة شرطة يساعدون الجنود على القيام بمهماتهم، في ظل محاولات تشويش من مدنيين. يمكن أن نكون بحاجة إلى ذلك، في حال كان عدد أفراد الشرطة قليلاً، ولم يستطيعوا السيطرة على المتظاهرين، حينها، يمكن استدعاء كتيبتين من سلاح البر مثلاً، وهي خطوة يسمح بها القانون، لكن بعد استنفاد جميع الخطوات السابقة التي فشلت في إحباط هذا التشويش.
  • بالنسبة إلى الشرطة، في حالة تشويش مدني
  • مؤخراً، شهدنا حالات من نوع آخر في سياق مساعدة الشرطة للجنود. فمثلاً، نُشر في الإعلام خبر عن مواطنين إسرائيليين يعرقلون دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. الشاحنات توقفت، وفي بعض الحالات تم رمي المساعدات من الشاحنات، وفي حالات معينة، تم إشعال النار أيضاً. مهمة إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة خلال الحرب هي جزء من الترتيبات الدولية، وكانت مهمة عسكرية. وعلى الرغم من استدعاء الشرطة إلى المكان، فإن أفراد الشرطة لم يصلوا ولم يحبطوا هذه العرقلة.
  • بعد أحداث "سديه تيمان" و"بيت ليد"، صدر ادّعاء أن الشرطة لم تقم بدورها كما يجب، للدفاع عن المواقع والجنود بسبب المخلّين بالنظام الذين كانوا مواطنين إسرائيليين. ومن دون الإقرار بأن هذا الادعاء إذا كان صحيحاً، فيجب نقاش آلية عمل الجيش اللائقة في حال عدم تدخُّل الشرطة، أو عدم قيامها بما هو مطلوب منها.
  • "قيَم" الشرطة تنقسم إلى ثلاثة أجزاء: قيَم الهدف؛ قيَم الوصول، وقيم التنفيذ. إن مهمة الشرطة أساساً هي "فرض القانون بأفضل صورة ممكنة في جميع الظروف، ومن دون عمل غير لائق في كل عملياتنا"؛ هذا بالإضافة إلى "المؤسساتية" والحياد والمهنية والموضوعية والمساواة والاحترام والتمثيل والالتزام بتنفيذ المهمة.
  • هذه "المبادئ والقيم" تفرض على الشرطة وأفرادها أن يكون لديهم مواصفات عملية واضحة. واستناداً إلى هذه المبادئ والقيم، يمكن وضع ملاحظتَين؛ الأولى، موضعية، والثانية عامة: في حال كان التشويش المدني للعمل العسكري جدّياً، ولم تعمل الشرطة بحسب القانون والقيم والمبادئ، فإن الجيش سيتخذ خطوات موضعية لإحباط التشويش. وسيعمل الجنود، استناداً إلى قيَم الجيش التي تتطلب العمل المؤسساتي والمهنية والحفاظ على "كرامة الإنسان وطهارة السلاح".
  • الملاحظة العامة أكثر تركيباً. في حال طلب الجنود مساعدة الشرطة في بعض الحالات للتعامل مع مواطنين إسرائيليين، لكن الشرطة لم تقدم لهم المساعدة، في هذه الحالة، وبعد التحقيق ومنح الشرطة فرصة للتفسير، يمكن إجراء بحث مكتبي عسكري في الأبعاد والمركّبات العملياتية والقانونية التي تقود إلى قرار عام: الجيش سيعمل على حماية الجنود من المواطنين الإسرائيليين الذين يعرقلون العمل العسكري داخل معسكرات الجيش، أو في أيّ مكان تجري فيه عمليات عسكرية، بحسب أوامر لا تتضمن مركّباً ثابتاً، وهو طلب المساعدة من الشرطة والاعتماد عليها.
  • هذا الانتقال إلى حالة استقلالية لدى الجيش في التعامل مع المواطنين الإسرائيليين الذين ينوون عرقلة العمل العسكري، يتطلب تدريب قوة عسكرية لتنفيذ هذه المهمات، وأيضاً تجهيز الجنود للعمل إلى أن تتدخل قوة الإحباط العسكري. هذا التجهيز سيتضمن الفصل الحاد بين العمل ضد العدو وضد مواطنين إسرائيليين يعرقلون العمل العسكري.
  • من المفهوم ضمناً أن يجري تجهيز الجنود للعمل أمام العدو، لكنه هنا في مواجهة مواطني الدولة. وعلى الرغم من ذلك، فإنه يجب الانتباه إلى أن مجرد عمليات التشويش هذه يخلق اشتباكاً بين الجنود والمواطنين، ولأنه ما من مهرب من هذا الاشتباك خلال التشويش، فلا مهرب من الاشتباك عند حل المشكلة أيضاً، ومع أخذ الوقت بعين الاعتبار. إن تجهيز قوة كهذه قد يقلل الضرر الناتج من هذا الاشتباك بين الجنود والمواطنين، والذي يسببّه المواطنون.
  • هذا الانتقال ليس خطوة في مسار خطِر لتفكيك الدولة. فنحن نعرف أن "حرس الكنيست" و"حرس المحاكم" ليست جهات تابعة للشرطة، أو "الشاباك". وعلى الرغم من أهمية إخضاع المجال لجهة مختصة، فيمكن أن يكون هناك حاجة إلى الفصل بين الجهات المختلفة في المجال نفسه، حيث يكون الاختصاص في جهة واحدة، إلّا إن تفعيل القوة يجري من طرف جهة أُخرى. وهو ما يجري في الطب والحراسة مثلاً. ولن يكون هناك مشكلة في جعل وحدة عسكرية تكون مسؤولة عن إحباط العمليات التي يقوم بها مواطنون إسرائيليون لتشويش العمل العسكري، إذ يجب الحفاظ على خطة في الدرج لإقامة "سلاح الدفاع عن الجنود" إلى جانب "سلاح الدفاع عن الحدود".
  • وفي يوم من الأيام، مع بدء مسار عسكري لتعريف قواعد السلوك في إطار "روح الجيش"، سيكون هناك مكان لملف يتناول قواعد التعامل مع مواطنين إسرائيليين يعرقلون العمل العسكري.
  • تربية الجنود
  • لا يجب الاكتفاء بالمسار القضائي داخل الجيش من أجل الحفاظ على سلطة القانون لدفع الجنود إلى التصرف بطريقة لائقة، بحسب القانون والأوامر و"قيم" الجيش. لذلك، المطلوب عملية تربوية يمكن التطرق إليها في هذا السياق.
  • كل مسار لزرع قيَم ومبادئ في تنظيم، أو مجموعة، يتضمن 4 مراحل، لا يمكن أن ينجح من دونها: الاعتراف، والفهم، والموافقة والاستيعاب. خلال العمل العسكري، يمكن للضابط الاعتماد على جنوده لكي يتصرفوا بالشكل اللائق، إذا اعتمد أولاً على مسار زرع القيم الذي مروا فيه. وإن تبين أن هناك مشاكل كان يجب أن تظهر وتُحل في مسار زرع القيم الناجح نفسه.
  • وبسبب الشبهات في ارتكاب الجنود جرائم جنائية خطِرة، يجب على الضباط البحث عن الجذور، والوصول إلى جذر هذا السلوك الجنائي من أجل إعادة الجنود إلى مكانهم القيمي اللائق بالعمل العسكري.
  • جذر المخالفات الجنائية في "سديه تيمان" و"بيت ليد" هو الخلل الأخلاقي والقيَمي في الرغبة في الانتقام. كل رغبة في الانتقام خطِرة ومرفوضة من جذورها. أولاً، لأن العلاقات الصحيحة بين البشر وبين المجموعات والدول يجب أن مكبوحة، وأن يسيطر عليها الفهم والعقل، وليس المشاعر المجنونة. البشرية واعية بمشاعر الانتقام، لكنها نضجت للسيطرة عليها، أولاً، عبر الأساسات القائمة على التعايش، وثانياً، عبر تبديل العالم الفوضوي بطبعه، الذي يقول إن السيطرة على المشاعر ضُعف، وأن مشاعر الانتقام غير المكبوحة يمكن أن تؤدي إلى انتقام عكسي وحرب انتقام حتى نهاية التاريخ.
  • إن عملية زرع القيم، وبمساعدة جهات مهنية، تتطلب زرع معارضة الانتقام بشكل مطلق في دولة ديمقراطية، وفي ذراعها العسكرية، حتى لو كان الغضب مبرراً والكراهية طبيعية. التعليم ضد الانتقام يجب أن يتمحور حول نزع الرغبة في الانتقام. وكلما كان الانتقام مسموحاً على صعيد المشاعر، وممنوعاً على صعيد الممارسة، كلما اقتربنا من ممارسته خلال عاصفة القتال. فعلى سبيل المثال، ليس كافياً أن تمنع جندياً من قتل أبرياء، كردٍّ على قتل أبرياء في صفوفنا، بل يجب ألّا يفكر مطلقاً في الانتقام، ومن اللائق ألّا يريد ذلك أصلاً. الجيش ليس جيش انتقام، إنما جيش دفاع، يعرف كيف يهاجم عند الحاجة. تُنفّذ عمليات الجنود دائماً باسم الجيش، لذلك، تُصوَّر عمليات الانتقام التي يقوم بها الجنود بأن الجيش هو الذي ينفّذها، إلّا إن صورة الجيش كجيش انتقام "كاذبة" وغير أخلاقية وغير مبررة، بأيّ شكل من الأشكال.
  • عمليات الاعتداء والإذلال باسم الانتقام تضرّ بـ"روح الجيش" و"قيَمه". مَن يعتدي باسم الانتقام يُخرج نفسه من الإطار القيمي والأخلاقي للجيش. المسار التربوي الذي يتوجب على الضباط إجراؤه بسبب حوادث الاعتداءات التي نفّذها جنودهم، يمكن أن يجعل الجنود يفهمون قيَم الجيش. أحد مؤشرات النجاح سيكون في نزع عمليات الانتقام من عمل الجيش، حتى لو كانت تبدو طبيعية وساذجة، وليس فقط عندما تصل إلى المرحلة الجنائية.
  • تربية قيَمية لجنود الاحتياط
  • الجنود المشتبه فيهم هم جنود احتياط. وأعتقد أنه يجب التطرق إلى هذا البعد والقيام بخطوات مركّبة لتصحيح الخط بسلوكهم وهم يرتدون الملابس العسكرية.
  • خلال هذه الحرب، عرضت عليّ وسائل إعلام غير إسرائيلية مئات الفيديوهات التي وجدتها في وسائل التواصل الاجتماعي، ويظهر فيها جنود يصورون أنفسهم خلال العمليات العسكرية. أنا ضد هذه الفيديوهات لأنها معاكسة لروح الجيش، ومجرد نشرها يتعارض مع أوامر الجيش، وعلى الرغم من ذلك، فإنني أودّ التطرق إلى محتواها. هذه الفيديوهات لم تتضمن جرائم حرب، لكنها تتعارض مع "روح الجيش". وانتبهتُ إلى ميزتين أساسيتين: أولاً، تقريباً، لم يظهر فيها ضباط، باستثناء فيديو واحد؛ وثانياً، إن الجنود في هذه الفيديوهات كانوا جنود احتياط. وعلى الرغم من الحذر، فإنه يجب القول إن الحفاظ على قيَم الجيش في أوساط جنود الاحتياط أقل كثيراً مما هو عليه في أوساط الجنود النظاميين.
  • ليس من الصعب معرفة سبب ذلك. فالجندي النظامي يمرّ بمسار كامل منذ بدء التجنيد لزرع "القيم" الخاصة بالجيش فيه خلال مراحل مختلفة. وفي المقابل، فإن جنود الاحتياط أنهوا خدمتهم العسكرية قبل بضعة أعوام، ولا يمرون بأيّ مسار مكثف، وخصوصاً أنه جرى استدعاؤهم إلى الخدمة خلال الحرب. فلا يجب أن نستغرب الفرق بين سلوك الجنود من النوعين.
  • الخلاصة مفهومة ضمناً على صعيد المبدأ، لكنها صعبة جداً على الصعيد العملي. فعملياً، المطلوب عمل مكثف، أو عمل جديد، من أجل توجيه جنود الاحتياط إلى التصرف بحسب "قيَم" الجيش. في الفترات العادية، يجب إعادة الحديث عن "قيَم" الجيش في أوساط جنود الاحتياط، وأيضاً خلال التدريبات التي يشاركون فيها، حتى لو كانت يوماً واحداً، ويكون الهدف زيادة مستوى الالتزام لديهم قيمياً.
  • خلال فترة العمليات العسكرية غير المكثفة، يجب تخصيص وقت محدد لعرض "قيَم الجيش" كأساس للجيش، وأيضاً كأساس لأوامر إطلاق النار، والأوامر الأُخرى. في فترة الحرب، وبسبب الوقت، يمكن الاكتفاء بالعرض في مجال "قيَم الجيش"، استناداً إلى الظروف والعمليات. ويجب تخصيص جزء في كل تحقيق عسكري لفحص الموضوع.
  • وفي الخلاصة، يجب التشديد على البعد التربوي وخصوصيته. الرد على صعيد الملاحظات من الضباط مختلف عن الرد القضائي، ومختلف عن ردّ قضائي مصحوب بالتهديد بعقوبة. هذا السلوك يضرّ بالعلاقة بين الجنود والضباط، وأيضاً بين العائلات والجنود، والعالم كله. الضرر بالقيم هذا يضرّ بالثقة بين الجنود والضباط، وأيضاً بالثقة بصوابية العمليات والثقة الدولية بالجيش.
  • الثقافة التنظيمية في الجيش
  • الظواهر التي انكشفت في أحداث "سديه تيمان" و"بيت ليد" لها جذور عميقة في الثقافة التنظيمية للجيش، ومن اللائق التطرق إلى الموضوع في إطار عملية شاملة تتم بعد الحرب، لكن يجب القيام بخطوات موضعية سريعة بقدر الإمكان.
  • خلال الأعوام الماضية، زاد عبء المهمات على كاهل الضباط في سلاح البر. أحياناً، كانت المهمات كثيرة لدرجة أنه لم يكن من الممكن قيام الضابط بها كلها بشكل لائق، استناداً إلى البحث والحسابات المطلوبة. لذلك، لم يكن أمامه من خيار سوى تنفيذ هذه المهمات، بحسب سلّم أولويات. وهو ما يجعل التنفيذ عملية تفضيل مهمة على أُخرى، أو تُنفّذ بطريقة أفضل، أو جزئياً، أو يكون التحضير لها سطحياً. ولذلك، نجد في سلاح البر ثقافة إهمال في العمليات.
  • أحد مظاهر هذا السلوك المهمل تجاهُل السلوك الخاطئ للجنود. فالضابط المشغول جداً، لن يجد وقتاً لضبط قضية "القيم" التي لا تتعلق بالمهمات ذات الأولوية. ولذلك، لا يمكن حصر هذا السلوك بمركّبات هامشية في المنظومة، صحيح أنها يمكن أن تبدأ بالهوامش، لكنها سرعان ما تنتشر إلى المركّبات المركزية في المنظومة.
  • مجال سلوك الجنود الذي بات في أسفل سلّم أولويات الضابط المنشغل، هو مجال شخصية الجنود الذي لا ينعكس فقط في الحديث بين الجنود شخصياً، بل أيضاً خلال عملياتهم العسكرية. لن ينشغل الضباط بضبط روح المؤسساتية في الجيش، ما دامت هامشية، لكن ما يجري أن الضباط لا يضبطون الجنود، كما يبدو، حتى لو حدث الخرق خلال العمليات العسكرية. المثال الأفضل هو الرسم الغرافيتي لعودة الاستيطان إلى غزة، بالإضافة إلى نماذج أُخرى، كعودة المخلّص، ولون ديني واضح خلال القتال تم التعبير عنه. لقد رأيت طبعات على ملابس الجنود تشير إلى عودة المخلّص في غزة. ولو قام الضباط بدورهم لما انتشرت هذه الظاهرة.
  • مسارات الانجراف بطيئة ومضللة، لكن من السهل الانجرار إليها. ظاهرة اعتداء جنود جنسياً على أسير، هي التعبير المتطرف عن سلوك الجنود، من دون ضبط من الضباط في الجيش لـ"قيم الجيش". هذا لم يحدث من فراغ، بل سبقه كثير من الظواهر الأُخرى المشابهة.
  • في يوم من الأيام، وبعد انتهاء الحرب، وانتهاء التحقيق، سيكون هناك مجال لتحقيق شامل ومعمّق بشأن الثقافة التنظيمية في الجيش. ويمكن البدء من السلوك الديني للجنود والضباط، وهو غير مسموح، بحسب الأوامر. هذا المجال حساس، ولن أُفاجأ إذا رفض بعض الضباط الخوض فيه، لكنه ضروري.
  • الثقة الجماهيرية بالجيش
  • مفاجأة السابع من تشرين الأول/أكتوبر وسلوك الأطر الكبيرة (الجيش عموماً) في اليوم الأول من الحرب أضرّ بشكل كبير بثقة المواطنين بالجيش.
  • لا يجب اختزال هذه العلاقة بالعلاقة الجماعية للمواطنين بالجيش الذي خدم فيه أولادهم، النظامي، أو الاحتياط. لهذه العلاقة مركّبات أُخرى مختلفة في الصورة، بعضها شخصي، وأخرى عامة، وبعضها الآخر عبارة عن ذكريات ومشاعر أيضاً. معنى "ثقة المواطنين بالجيش" يجب أن تكون الأهم لدى الجيش، وبأسرع وقت ممكن، مع نهاية الحرب وبدء التحقيقات. ثقة المواطنين بالجيش هي الأساس، وبحسبها، يجب أن يعرف المواطنون أن الجيش يعمل جيداً، وسيستمر في العمل لتنفيذ مهماته. وهنا معنى "العمل جيداً" على الصعيد العملياتي، وأيضاً القيَمي.
  • المراحل الأولى من حرب "السيوف الحديدية" كانت مفاجِئة، وزعزعت الأساس الذي كان يجمع المواطنين بالاعتماد على الجيش، والاعتقاد أنه يعمل جيداً على تنفيذ المهمات بصورة دائمة. في بداية الحرب، لم يعمل الجيش كما كان متوقعاً منه للدفاع عن المواطنين والدولة. وطوال الحرب، عمل بطريقة مهنية للدفاع عن المواطنين والدولة، وهو ما أدى إلى ارتفاع حاد في ثقة المواطنين بالجيش، حتى لو لم تصل إلى ما كانت عليه في فترات أُخرى.
  • هناك ظواهر كثيرة أدت إلى هذا التراجع، ومنها المجال القيَمي للعمليات. هناك كثير من الحالات المعروفة عن عمل الجنود بعكس "قيَم الجيش". ففي قضية "سديه تيمان" مثلاً، هناك سلوك معارض كلياً لـ"القيم" العسكرية، حتى أنه يصل إلى المستوى الجنائي. على الجيش ترميم ثقة المواطنين به وبضباطه، بعد أن قام جنود بإلحاق الضرر بهذه الثقة، وحصلوا على الدعم العلني أيضاً.
  • لا شك في أن الجيش سيمرّ بمسارات جدية لترميم ثقة المواطنين به. وكما هو معروف، فالثقة هذه مركّب ضروري في العلاقة بين المجتمع المدني والجيش. من دون هذه الثقة، سيكون الجيش ضعيفاً على الصعيد العملياتي، وأيضاً القيَمي. يتوجب على الجيش الخروج من هذا الوضع سريعاً.
  • في يوم من الأيام، سيكون لدى الجيش والجمهور الصورة الكاملة للحرب وخلفيتها السياسية، والتجهيزات العسكرية التي سبقتها، وسلوك الجيش في الأيام الأولى من الحرب والقرارات السياسية بشأن استمرارها والعمليات العسكرية خلال الأشهر الطويلة، والأهم السلوك السياسي والعمليات العسكرية فيما يتعلق بالمخطوفين. وفي إطار هذه الصورة، سيكون على الضباط تصحيح ما هو لازم وإعادة ترميم ثقة الجمهور بصوابية العمليات العسكرية على طول الهرمية القيادية، وستكون عملية طويلة وصعبة ومستمرة، وفيها عوائق اجتماعية وسياسية متنوعة. وفي هذه المراحل المبكرة، إذ لا تزال المطالب عامة، من المهم التشديد على الالتزام الكامل بـ"قيَم" الجيش" - وضرورة الدفاع عنها أمام كل خطر وتغيير.