إسرائيل تتحول إلى دولة منبوذة، شيئاً فشيئاً، غير أن نتنياهو لا يزال "شرعياً"
تاريخ المقال
المواضيع
فصول من كتاب دليل اسرائيل
مهند مصطفى
أسامة حلبي, موسى أبو رمضان
أنطوان شلحت
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- في أيلول/سبتمبر 2022، استضاف مؤتمر "فايننشال تايمز" في لندن ميخائيل خودوركوفسكي، الشخص الأكثر ثراءً في روسيا، الذي أمضى في السجن مدة 11 عاماً، في أعقاب ملاحقات الرئيس فلاديمير بوتين. وسُئل عمّا إذا كان بوتين إنساناً عقلانياً. وهكذا كانت إجابته: طبعاً نعم، لكن منظومته القيمية مختلفة جداً عمّا هو مقبول. وبحسبه، فمن أجل الحفاظ على حُكمه، وبالتالي حياته، يوجد في رؤية بوتين قضيتان: إنه على استعداد للتسبب بموت عشرات الآلاف من البشر؛ ومن ضمنهم أبناء شعبه. كنت سأجيب إجابة مشابهة بخصوص نتنياهو. وهناك تحليل بديل من فهم تصرفاتهما، وهو أن كليهما لديه شخصية نرجسية.
- هناك كثير من أوجه الشبه بين نتنياهو وبوتين، ولا أريد فلسفة الأمور، فالمغزى واضح: الغرب تواصل مع بوتين خلال سنوات حُكمه، منذ وصل إلى السلطة في سنة 1999. وحاول التقرب منه والتعاون معه، وحتى الضغط عليه. ومع اجتياح أوكرانيا، تغيّر كل شيء، "فتحول إلى منبوذ"، وباتت روسيا معزولة أيضاً. فلم تشارك مثلاً في أولمبياد بكين 2022، وأيضاً أولمبياد هذا الصيف في باريس. وإذا تعامل الغرب مع نتنياهو كما يتعامل مع بوتين، فستسنح أخيراً فرصة التغيير. الآن، تتحول إسرائيل إلى دولة منبوذة، شيئاً فشيئاً، لكن نتنياهو لا يزال "شرعياً".
- نتنياهو يُلحق الضرر بمصالح الغرب. لماذا يجب على قادة الغرب أن يتحملوا في بلادهم الاحتجاجات ضد حرب إسرائيل في غزة والمنطقة - حتى لو كانت رداً على الهجمات القاتلة - هذه الخطوات هي نتاج تفكير المراهق غير المسؤول الذي يشعل الشرق الأوسط؟ المصلحة واضحة، وهي إزاحته. ويوجد لدى الغرب كثير من أوراق القوة لاستبدال نتنياهو بطريقة ديمقراطية. هذا ما سيصبح ممكناً حين يحصل النظام السياسي المحلي على الإشارات المطلوبة، وبحسبها، فإن نتنياهو تحول فعلاً إلى شخصية منبوذة.
- هل رئيس حكومة إسرائيل هو فعلاً حليف للولايات المتحدة، ووضعية بوتين مختلفة؟ يجب التفريق ما بين مصلحة إسرائيل ومصلحة نتنياهو. بمرور الوقت، باتت الفجوة أوسع بين المصلحتين، والآن، أصبحت كبيرة جداً. نتنياهو يحول إسرائيل إلى دولة مستبدة، وفي هذه الحال، لن تستطيع البقاء شريكة حقيقية للولايات المتحدة.
- بوتين ونتنياهو شخصيتان سياسيتان شبيهتان: كلاهما يحمل "بشرى قومية"، ومنفصل عن المشاعر الأساسية وحسابات الضمير، ويطمح إلى السلطة المطلقة. وكما هي الحال في إرشادات حُكم الرجل الواحد، فهُما أبعدا الأشخاص المعقولين من حولهما، أو تحوّل هؤلاء إلى رجال بلاط ينفّذون مطالبهما؛ وحاولا السيطرة على النظام القضائي والإعلام، بالتدريج؛ وحوّلا النظام إلى نظام لصوص يسرق الموارد؛ وعيّنا المقربين منهما في السلطة وأجهزة الأمن؛ ومأسسا الفساد ونظام رؤوس الأموال، وقاما بتحالفات مع حكام يشبهونهما.
- نتنياهو يقود إسرائيل في المسار الذي سار فيه بوتين في دولته. وفي هذا الوقت، يموت الجنود والمواطنون، ويخرب الاقتصاد، ويهرب أفراد الطبقات العليا في المجتمع. ولا أمل لجيل الشباب.
- نتنياهو استراتيجي فاشل بشكل متسلسل. لم يشخّص خطر "حماس"، وقدّم استشارات بلهاء لإدارة بوش، أدت إلى تورُّطها في العراق قبل 20 عاماً، والأهم من هذا كله أنه استمر في أخطائه ونمّاها حتى باتت إيران في نهاية المطاف دولة على العتبة النووية. سيأتي يوم يصبح فيه حبيب الأمة في إيران.
- اللاعبون السياسيون في إسرائيل لم يفهموا بعد الحاجة إلى نزع الشرعية. لا ينجحون في رؤية نتنياهو كحصان ميت وإيجاد بديل في هذا الكنيست، أو ما بعده. نحن ندور في حلقة سياسية مفرغة: لأننا لا نرى ذلك، فالحصان ليس ميتاً. هذا بالإضافة إلى أنهم لا يفهمون أنه حتى إذا بقي نتنياهو في الساحة، لن يكون هناك مزيد من الانتخابات الحرة في إسرائيل، ففي أفضل الأحوال، سيكون هناك قيود على مجموعات معينة، كالعرب؛ وفي حالة أقل من ذلك، سيتم تأجيلها بسبب حالة الطوارئ. هذه الأمور تتعلق أيضاً بالأحزاب الحريدية التي تتميز بضيق رؤية مذهل. إنها لا تفهم أن اعتماد نتنياهو على اليمين واليمين المتطرف يعزز انتقال الأصوات من ناخبيها نحو بن غفير، وأن التدهور الحاد للاقتصاد الإسرائيلي سيتركها من دون موارد الدولة التي تطالب بها.
- أمّا رؤساء الأجهزة الأمنية، فإنهم سذّج وأغبياء (وخريجوها أيضاً)، يعملون على طرح بدائل وسيناريوهات ممكنة لنتنياهو. السيناريو واحد: حرب من دون هدف، ومن دون نهاية، تسمح بتأجيل الانتخابات وبقائه في السلطة. ردّ الأشخاص الناضجين والمسؤولين يجب أن يكون واضحاً من دون خوف من "المستوى السياسي".
- لدى زعماء السوق والهستدروت قوة خاصة. لكنهم لا يتخذون أيّ خطوة، ولا يستجيبون لمطالب الإضراب الشامل. إنهم يكشفون عن خوفهم وضيق الرؤية لديهم وعدم مسؤوليتهم عن مستقبل الدولة. هذا بالإضافة إلى أنه من المؤلم رؤية أخطاء إدارة بايدن: الأولى، هي عدم التفريق بين مصالح نتنياهو ومصالح إسرائيل؛ والثانية، هي أن واشنطن ترى فيه قائداً شرعياً وصديقاً يمكن التأثير فيه.
- حل العقدة الغوردية [عقدة صعبة الحل يتم حلُّها بقرار جريء] في الشرق الأوسط يكمن في تبنّي رواية جديدة مختلفة كلياً. إذا فهموا في إسرائيل، وأيضاً في الغرب، أنه رئيس حكومة أقلية، لا يملك دعماً من الجمهور، حينها سيفهمون أنه غير شرعي. يمكن تغيير حكومة إسرائيل، ويجب تبديلها بطريقة ديمقراطية، وهناك مجموعة من أدوات القوة لتحقيق ذلك. مثلاً، الحوار مع الأحزاب الحريدية، التي تملك 18 مقعداً ضرورياً في هذا الكنيست، أو التالي. وأيضاً الحلفاء من الغرب وأوروبا، لديهم أدوات ضغط - لأسباب أقل من هذه كثيراً، دفعت بالاتحاد الأوروبي، في سنة 2011، إلى تبديل رئيس حكومة إيطاليا بيرلسكوني، وبطريقة ديمقراطية. فقط، حين ترى إدارة بايدن أن نتنياهو هو شبيه لبوتين، فستتولد دينامية جديدة.
- لبايدن أيضاً مصلحة واضحة في مساعدة كامالا هاريس على الفوز. سياسة قادرة على إطاحة نتنياهو وإزاحته عن المشهد السياسي ممزوجة بدعم حقيقي للمصالح الإسرائيلية، إلى جانب شرح جيد للدوافع الكامنة خلف هذه السياسة، وبذا، سيرسل رسالة قوية واضحة للولايات المتحدة، ويساعد هاريس على الفوز.
- حالياً، نتنياهو يقود إسرائيل نحو الهاوية. إنه يُشعل الشمال والجنوب والضفة، ويرتكب كل خطأ ممكن مع إيران. إن لم يوقف النظام السياسي والغرب هذا بسرعة، ويستبدلا نتنياهو بشخص ناضج ومسؤول، فإن إسرائيل ستنتحر مع رئيس حكومتها.