بعد مرور نحو عام على الحرب: لن ننتصر بهذه الصورة
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

  • حتى تلك العروض التقديمية الفاخرة التي عرضها نتنياهو في مؤتمره الصحافي، لا يمكنها إخفاء الواقع الصعب. فإسرائيل وقعت في حفرة استراتيجية تزداد عمقاً. كيف وصلنا إلى هذا الوضع، وبتنا نحارب على سبع جبهات من دون أن ننجح في تحقيق النصر في أيّ منها؟
  • الحدث المؤسس لهذا كله، طبعاً، هو ما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر. لكن بعده مباشرة، تبنّت إسرائيل ثلاثة قرارات استراتيجية خاطئة. تمثّل الخطأ الأول في تبنّي السردية التي تقول إننا نحارب في غزة ضد تنظيم "إرهابي". ما حدث هو أن دولة غزة، التي تأسست فعلياً سنة 2007، شنّت حرباً ضد دولة إسرائيل. وفي الحرب بين الدول، من الصواب استخدام التفوق النسبي على العدو، وتفوُّقنا لا يتمثل في الجانب العسكري، بل في القدرة على خنق الطرف الآخر اقتصادياً.
  • يتمثل الخطأ الثاني في تبنّي شعار "الضغط العسكري فقط"... ومَن تبنّى هذه الفكرة لا يدرك طبيعة الحروب في القرن الواحد والعشرين، لأن العنصر الأهم في حروب اليوم هو السكان. تدرك "حماس" ذلك جيداً بينما لا نفهمه نحن. بينما من على شاكلة السنوار لا يخشون الضغط العسكري، و"لا يتأثرون بعدد القتلى في صفوفهم". السنوار، مثل لويس السادس عشر والقيصر الروسي، يخشى من أمرين فقط: وجود بديل سلطوي، ومن جموع جائعة وغاضبة. إسرائيل أهملت بذل الجهود على هذين الصعيدين.
  • هذا ما يقودنا إلى الخطأ الثالث: عندما سأل الرئيس بايدن نتنياهو في تشرين الأول/أكتوبر عن "اليوم التالي للحرب"، كرر نتنياهو أخطاء كلٍّ من بيغن، وشامير، ورابين، وباراك، وشارون، إذ قال كل واحد منهم، بطرق مختلفة، لكن برسالة مشابهة: "مشكلة الفلسطينيين هي مشكلتنا نحن، ونحن مَن يحلّها".
  • في تشرين الأول/أكتوبر، كان لدى إسرائيل فرصة نقل المشكلة إلى ساحة أُخرى، ولم يكن يترتب علينا سوى أن نقول التالي: في "اليوم التالي"، لن يكون هناك حُكم لحركة حماس” في غزة، لكن أيضاً، لن يكون هناك إدارة عسكرية إسرائيلية. الآن، إسرائيل مستعدة لإجراء حوار مع الدول العربية والدول الغربية، على أن يتم قبول أيّ حلّ يضمن أن تكون غزة منزوعة السلاح.
  • إذاً، ما الذي كان علينا فعله؟
  • كان من المفترض أن تحسم جلسة "الكابينيت" في نهاية آب/أغسطس بين استراتيجيتَين. الأولى: الموافقة على صفقة الأسرى، بكل ما تنطوي عليه من تنازلات مؤلمة. الفائدة من ذلك: استعادة الأسرى، ووقف الانقسام الشعبي، ووقف إطلاق النار في غزة، وهو ما يفتح الباب لتسوية في الشمال، ويسمح بتركيز الجهود على الضفة الغربية التي تشكل، اليوم، تهديداً أكبر من غزة. بالإضافة إلى ذلك، إنها فرصة لتحسين مكانة إسرائيل في العالم واستقرار الاقتصاد.
  • الخيار الثاني هو التنازل عن الصفقة ومواصلة القتال في غزة. يدّعي مؤيّدو الخيار الثاني أن هذا سيؤدي إلى تحقيق "النصر الكامل"، وهنا يكمن الخطأ. فاستمرار الحرب بالطريقة التي نديرها منذ 11 شهراً لن يؤدي إلى النصر، بل إلى أسوأ النتائج: سيموت الأسرى، وسنفقد فوائد إنهاء الحرب في غزة، ولن ننتصر.
  • لا يمكن الانتصار في غزة ما دامت "حماس" تتمتع بأربع ميزات: دخول المساعدات إلى غزة بكميات تهدئ السكان؛ مسؤولية "حماس" عن توزيع المساعدات، وهو ما يعزز مكانتها السلطوية؛ قدرة "حماس" على بيع المساعدات بأسعار مرتفعة ليزداد ثراؤها أكثر بهذا المال، ستعرف "حماس" كيف تجنّد مزيداً من المقاتلين للحلول محل مَن قُتلوا.
  • لذلك، يتعين حتى على مَن يختار الخيار الثاني (مواصلة الحرب مع التخلي، فعلياً، عن استعادة الأسرى) وضع استراتيجيا مختلفة، تستهدف جميع الميزات التي تتمتع بها "حماس". أحد الخيارات التي كان من الأفضل تنفيذه قبل عشرة أشهر هو السيطرة الكاملة على شمال القطاع.
  • يحاصر الجيش الإسرائيلي شمال القطاع منذ تشرين الثاني/نوفمبر، يجب على إسرائيل أن تعلن لـ300 ألف من السكان المتبقّين في هذه المنطقة ضرورة الانتقال جنوباً خلال أسبوع. بعد ذلك، سيتم وقف دخول أي إمدادات إلى هذه المنطقة. سيكون أمام 5000 مقاتل من "حماس" ثلاثة خيارات: الاستسلام، أو الموت جوعاً، أو استغلال الممرات المخصصة لخروج المدنيين والهرب. في كلتا الحالتين، خلال بضعة أشهر، لن يبقى عدو هناك.
  • بعدها، سيحدث أحد أمرين: إمّا أن تفقد "حماس" هذه المنطقة، ما دامت الحرب مستمرة، أو سيكون من الممكن تنسيق دخول قوات عربية، أو دولية، لتولّي مسؤولية منطقة خالية من "حماس". نعم، ما يُقترح هنا يتوافق تماماً مع القانون الإنساني الدولي. يُسمح باستخدام الحصار لتجويع العدو، بشرط توفير ممرات خروج آمنة للسكان.
  • مَن يعتقد أن هذه الفكرة سيئة، يمكنه اقتراح شيء آخر، بشرط ألّا نبقى عالقين في النهج الحالي الذي لا يضمن عقد صفقة أسرى، ويفترض أن الضغط العسكري وحده سيؤدي إلى النصر.
  • للأسف، لم يناقش "الكابينيت"، فعلياً، أيّ خيار من الخيارين. وبدلاً من ذلك، استغل رئيس الوزراء قضية "فيلادلفيا"، وطلب من "الكابينيت" التصويت على هذه المسألة الثانوية فقط. إن قرار الحكومة بشأن محور فيلادلفيا، إلى جانب رغبة رئيس الوزراء في أن يكون الجيش هو الذي يوزع الطعام على السكان، يشير إلى أن نتنياهو لا يريد فقط عدم التوصل إلى صفقة أسرى - بل أيضاً، هو لا يريد الانتصار على "حماس". إنه يريد إعادة سيطرة إسرائيل على قطاع غزة، تماماً حسبما يطلب سموتريتش وبن غفير. هذا هو الخيار الثالث، الأسوأ، والذي اختارته الحكومة. استمرار هذا التوجه سيُغرق البلد في حفرة أعمق وأعمق، ومن غير المؤكد ما إذا كنا سنعرف كيف نخرج منها.