الحرب تحولت إلى هدف: في غزة عالقون، وفي لبنان لا يوجد استراتيجيا خروج، وليس لدى نتنياهو مصلحة للمضي قُدُماً
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • في عمق الشهر الـ 12 لأطول حرب، والأكثر إنهاكاً في تاريخنا، تجد دولة إسرائيل نفسها في دوامة أمنية، والحدث يلاحق الهدف، والردات تتلاحق، ولا نهاية للأحداث في كل الجبهات حولنا. من الناحية الأمنية، وضعنا ليس فقط لا يتحسن، بل أيضاً يزداد تعقيداً، ومن جهة أُخرى، لا يوجد أفق يدل على نهاية الحرب أو حتى التوجه نحو حل للوضع.
  • وفي غزة، إسرائيل غارقة ومدماة، والحرب التي كان يمكن أن تنتهي قبل نصف عام، عندما جعل نتنياهو الناس تصدق أننا على مسافة شبر من النصر، تحولت إلى حملة لا تنتهي. والجهد الأساسي للجيش اليوم هو كبح إعادة بناء "حماس" قوتها، وهي التي لا تزال تسيطر على القطاع بمساعدة المخازن الملأى بالإمدادت والعتاد. إن حقائب المال التي وصلت إليها بيدَي حكومة نتنياهو ساهمت في بناء قوتها، كما تقايض المساعدة الإنسانية الضخمة، ويصل إليها مال كثير، وهو ما يسمح لها بإعادة بناء نفسها من جديد. واتضح أن حجة محور معبر فيلادلفيا في عرض رئيس الحكومة لا مغزى له بعد أن تبين عدم وجود نفق واحد فعال، لكن المال الكثير الذي يتدفق يساعد "حماس" في أعادة بناء نفسها من جديد.
  • من الواضح أن نظرية نتنياهو التي أدت إلى كارثة 7 تشرين الأول/أكتوبر، والتي فحواها أن "حماس" مفيدة لإسرائيل، لا تزال مستمرة حتى اليوم، والدليل على ذلك رفض نتنياهو استبدال حكم "حماس" في غزة، بينما منذ شباط/فبراير، تحاول المنظومة الأمنية بلورة خطة لاستبدال حكم "حماس"، لكن هذه الخطط رُفضت مرة تلو المرة، وهذا دليل واضح على أن نتنياهو يريد إبقاء سطوة "حماس" على ما هي عليه، وما يجري هو التقصير الأكبر والأخطر منذ بداية الحرب. لقد قُتل من صفوفنا 1657 شخصاً على يد هذا التنظيم "الإرهابي"، بينما حكومة نتنياهو غير مهتمة باستبدالهم.
  • وإن بقايا "حماس" الذين يعيدون تنظيم أنفسهم من جديد يستخدمهم نتنياهو من أجل بناء سردية جديدة؛ "التهديد الوجودي"، الأمر الذي يسمح له بالتمسك باستمرار الحرب والامتناع من التوصل إلى صفقة مخطوفين تدفع قُدُماً بإنهاء الحرب. عملياً، غزة هي مستنقع كبير، وقد بذل الجيش كل ما في وسعه من أجل تجفيف جزء غير صغير منه، لكن استمرار القتال من دون استبدال حكم "حماس" لن يؤدي إلى أي نتيجة، فهو يحصد حياة أفضل جنودنا من دون إنجاز يغير الواقع. في هذا الوضع، ليس لدى دولة إسرائيل ما تفعله في القطاع غير إعادة المخطوفين، وعليها الخروج من هناك في أسرع وقت ممكن.
  • أمّا في الشمال، فإسرائيل في ذروة حرب استنزاف لا تبدو نهايتها في الأفق، فالجليل يشكل منطقة لاستهدافات حزب الله، وسكان الشمال يشكلون وقوداً لمدافعه، ويشن الجيش هجمات يومية على حزب الله، وعلى حساب الضربات التي يتلقاها السكان التعساء... إن إمكان دخول بري إلى لبنان من دون أي استراتيجيا خروج أو فكرة بشأن ما يمكن أن يحققه، حتى لو كان دخولاً محدوداً، سيزيد في تعقيد الوضع أكثر.
  • حزب الله لن يوقف القصف نتيجة لذلك، إنما يمكن أن يزيده، وكما جرى في رفح، في غياب قدرة الحكومة وضعفها في اتخاذ القرارت، فإن إسرائيل ستبقى هناك عالقة في جبهتَين في آن واحد مع ثمن كبير، وهو ما سيؤدي إلى استنزاف الجيش بحيث يصبح غير قادر على تركيز جهوده في أي مكان، وسنكون في خطر كبير.

من بن غفير وصولاً إلى الأردن: مصير السلطة الفلسطينية

  • في الضفة الغربية أيضاً يزداد التصعيد حدة، فبن غفير، مشعل الحرائق، يبذل كل ما في استطاعته من أجل إشعال الميدان، ويتنافس مع سموتريتش على من سينجح في التسبب بحرب شاملة ستؤدي إلى احتلال الضفة الغربية من جديد، وتسقط السلطة الفلسطينية، وتطرد جموع الفلسطينيين. ليست لدى هذين المسيانيَين أي فكرة عن التداعيات الخطِرة لأعمالهما، وإلى أي حد من مشكلة عدم استقرار إقليمي ستؤدي لامبالاة رئيس الحكومة إليه.
  • المشكلة الأولى التي ستنشأ هي انهيار الحكم في الأردن، الذي يعتمد بصورة مطلقة على استقرار الضفة الغربية. وفي هذا الأسبوع، للمرة الأولى، فاز الإخوان المسلمون "المتطرفون" بالأغلبية في البرلمان الأردني، وهي الخطوة التي من شأنها إضعاف الملك...
  • وفي سورية، يجري بناء ذراع إيرانية مشابهة لحزب الله مع صناعة عسكرية تخدم القوتين. وعلى الجبهة الإيرانية، لولا وجود الأسطول الأميركي، الذي سيغادر بعد الانتخابات في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر، لكان من المعقول أن نكون الآن في ذروة تبادل إطلاق النار بين طهران وتل أبيب، الأمر الذي يمكن أن يحدث قريباً. وفي مواجهة هذا كله، بماذا ينشغل رئيس الحكومة؟ بمحور فيلادلفيا... من الصعب أن نصور بالكلمات إلى أي حد رئيس الحكومة بعيد عن الواقع ومنقطع عنه هو وحكومته.
  • نتنياهو الذي تهمه فقط الاعتبارات السياسية والشخصية يبني لعبة حرب خاصة به، ويحاول ربط الجدول الزمني لبقائه بالحرب التي تخدمه، ومع ذلك، فإن قصة فيلادلفيا لم ترفع نسبة التأييد له، ويبدو أن الناس لا تسارع إلى تصديقه. وفي وضع كهذا، ومن أجل الاستمرار في الحرب التي تخدمه، فمن الممكن أن نرى عملية برية في لبنان قريباً. وفي ظل غياب كابينت حرب، وفي وضعٍ يجد فيه وزير الدفاع نفسه مع الجيش من دون خيار، ربما نجد أنفسنا نعود إلى لبنان بسرعة.
  • وهذا سيسمح لنتنياهو بتعميق الحرب، ووقف صفقة المخطوفين، وسيشكل حجة للقضاة في كانون الأول/ديسمبر لعدم مثوله أمامهم، لأن البلد في وسط حرب. إن الحرب التي تخدم نتنياهو لا تضمن فقط خسارة الحرب الحالية، بل أيضاً خسارة الجولة المقبلة التي تحضّر إيران نفسها لها بكل قوة، فهي تبني قدرات جديدة وكبيرة حول إسرائيل، وتتعلم الدروس من الجولة الحالية، وليست لدى إسرائيل أي استراتيجيا إزاءها، وأي رؤية للمضي قُدُماً، وهناك فقط استراتيجيا إيرانية وانجرار إسرائيلي وراءها.

.....

الحرب تحولت إلى هدف

  • في الوضع الحالي، تحولت الحرب إلى هدف يشكل مصدراً لاستقرار نتنياهو وحكومته، وليست هناك أي مصلحة له في إنهائها، بينما الجهة التي تدفع أثمانها هي الدولة وليس هو. لم تشهد دولة إسرائيل في كل تاريخها، ولا أي دولة ديمقراطية أُخرى في العالم، وضعاً يغير حياتها كهذا، ويكرس فوضى الحرب، ويفضله على وضع الاستقرار والسلام، ويدفع فيه الشعب ثمناً من التضحيات من أجل إرضاء زعيمه والمحافظة على الاستقرار السياسي لحكومته ومن أجل بقائه. إن الأساس الذي يعتمد عليه نتنياهو وشركاؤه هو استمرار الحرب، ومن هنا يأتي التوجه نحو التصعيد.
  • ليس لدى الجيش الآن أهداف محددة، وهو يقاتل بشجاعة على الرغم من الصعوبات التي يواجهها... الحرب كهدف من دون نهاية هي في جوهرها حرب تكتيكية من دون إنجازات استراتيجية، وشلل سياسي مطلق من دون نقطة خروج.
  • كل الأبواب التي حاول وزير الدفاع فتحها من أجل التوصل إلى إنجاز في الحرب أغلقها رئيس الحكومة. ورئيس هيئة الأركان والجنرالات وكبار القادة ووزير الدفاع المتهمون بالإخفاق في 7 تشرين الأول/أكتوبر يفعلون كل شيء من أجل تفكيك العدو بنجاح. لكن في هذه الأثناء، فإن الهدف الأمني للحرب تغير وأضحى سياسياً، وأضحى الهدف الوحيد هو استمرار الحرب، وكلما تعمقت وتعقدت، كان هذا أفضل.
 

المزيد ضمن العدد