الهجوم على لبنان إنجاز عملاني مثير للإعجاب، لكن من غير المؤكد أنه يدفع قدماً بأهداف الحرب
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • إن الهجوم بتفجير أجهزة الاتصال في لبنان، والذي أسفر عن نحو 4000 إصابة و9 قتلى، أمس (الثلاثاء)، يقرّب إسرائيل وحزب الله من حافة حرب شاملة. لقد اتّهم التنظيم الشيعي إسرائيل بالهجوم الذي لم تتحمل مسؤوليته رسمياً، وتوعّدها بالانتقام. طوال الأشهر الماضية من المواجهة التي نشبت بعد 7 أكتوبر، كانت محاولة حزب الله السيطرة على طبيعة رده واضحة، والامتناع من حدوث تدهور شامل، ومن غير المؤكد أن هذا ما سيجري هذه المرة. فالعملية المنسوبة إلى إسرائيل كشفت ضُعف حزب الله. لا يمكن السكوت عن هذه الأمور في الشرق الأوسط.
  • وقعت سلسلة التفجيرات الكبيرة الساعة الرابعة بعد الظهر تقريباً، في الأساس في الضاحية الجنوبية لبيروت. لكن استناداً إلى عدد من التقارير، وقعت التفجيرات في دمشق أيضاً، وفي البقاع، وفي الجنوب اللبناني. وكان المستهدف عناصر حزب الله، بينهم مسؤولون رفيعو المستوى، على ما يبدو، كان جزء منهم في مراكز القيادة، وجزء آخر في عدد من المواقع المدنية. جرت التفجيرات في وقت واحد في أجهزة البيجر، وفي أجهزة الاتصال التي يستخدمها عناصر الحزب. وكان بين المصابين عابرو سبيل وأفراد من عائلات العناصر.  ويجري الحديث عن وقوع 9 قتلى و 400 جريح إصاباتهم خطرة، لكن التفاصيل لا تزال محاطة بالغموض، وعدد القتلى الذين خسرهم الحزب ليس واضحاً تماماً. كما جرى الحديث عن إصابة السفير الإيراني في لبنان، ومن غير الواضح ما إذا أصيب جرّاء انفجار جهاز اتصال يملكه، أم كان برفقة عناصر من الحزب.
  • يبدو أن أحداً نجح في التسلل إلى داخل شبكة الاتصالات السرية لحزب الله، وأخفى في أجهزة الاتصال عبوة ناسفة، في وقت سابق، يمكن تشغيلها عن بُعد عند الحاجة. وتُعرف هذه العمليات في المنظومة السيبرانية، وفي إطار عمليات  التخريب باسم "الزر الأحمر". أي إن العملية مُعدّة منذ وقت طويل، ويمكن تفعيلها عندما يحين الوقت، ومفاجأة العدو مفاجأة كبيرة. ومن الواضح أن مَن أعدّ العملية ونفّذها، قام بعمل احترافي ممتاز. لقد اتضح أن المنظومة العملانية للحزب مُخترقة بصورة كبيرة، وتعرّضت لأضرار كبيرة، الأمر الذي يمكن أن يثير عدم الثقة بين صفوف الحزب، ويُضعف منظومة القيادة والتحكم في الفترة المقبلة. من المعقول الافتراض أن حزب الله سيخصص الآن وقتاً كبيراً للوسائل الدفاعية، وكشف الاختراقات والمسؤولين عنها. ويمكن التقدير أن الحزب سيحقق في العمق في سلسلة التوريدات لهذه الأجهزة.
  • سبق الهجوم الذي نسبه حزب الله إلى إسرائيل تطورات عاصفة في المنظومة الأمنية والسياسية الإسرائيلية. في الأسبوع الماضي، بدأ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بنشر تقارير بشأن نيته القيام بعملية هجومية على لبنان، يمكن أن تصل إلى حرب شاملة، وذلك بعد امتناعه من القيام بذلك  خلال الأشهر الـ11 الماضية، ورفضه محاولات وزراء وضباط تحريك خطوات في هذا الاتجاه أكثر من مرة. لاحقاً، ازدادت حدة التوتر مع وزير الدفاع بوآف غالانت، وسُرّب في الأول من أمس أن نتنياهو على وشك الاتفاق مع عضو الكنيست جدعون ساعر بشأن انضمام أربعة من أعضاء كتلة اليمين الرسمي إلى الائتلاف، وعلى حلول ساعر محل غالانت.
  • المفاوضات السياسية جُمدت أمس، قبل ساعات من الهجوم. وذكر المراسلون أن نتنياهو وغالانت انتقلا إلى "معالجة موضوع مُلح". ويبدو أن قضية استبدال غالانت بساعر جُمدت موقتاً، وربما وقتاً طويلاً، في ضوء التصعيد المنتظر. ومن المحتمل أن يكون نتنياهو حقق الربح السياسي الذي يريده من الخطوة، من دون أن ينفّذها. وظهر أن ساعر مستعد للتخلي عمّا تبقى من صدقيته في مقابل منصب، كما ظهر أن غالانت لا يملك قوة سياسية مستقلة، وهذه المرة، لم يخرج الجمهور إلى الشوارع للاحتجاج على الممارسات القذرة لإقالته. وعلى ما يبدو، سيُبقي رئيس الحكومة عليهما ضعيفَين الآن، كلٌّ في مكانه. وسُرّب أن نتنياهو وساعر اتفقا على قرار انتخاب رئيس هيئة أركان جديد، بمشاركة رئيس الحكومة. سياسياً، إذا جرى استبدال غالانت بساعر، فسيصب في مصلحة نتنياهو الذي سيقود ائتلافاً مستقراً وواسعاً.
  • لكن كل عمليات البيع والشراء الحزبية تبدو قليلة الأهمية، في ضوء ازدياد مخاطر الحرب. إن تزامُن الأحداث بين المؤامرة لإطاحة غالانت وبين الهجوم على لبنان يُلقي ظلالاً كثيفة على مدى حكمة رئيس الحكومة و"الكابينيت". وإذا افترضنا أن إسرائيل وراء الهجوم على لبنان، هل نُفّذت العملية التي أُعدت منذ وقت طويل في التوقيت الصحيح؟ وهل تريد إسرائيل ردع حزب الله عن الاستمرار في إطلاق النار على شمال البلد، وفرض تسوية عليه، تتضمن انسحاباً لقواته من الحدود اللبنانية، أو أن الهدف هو جرّ الحزب إلى حرب؟ ما هي طبيعة العلاقات بين المستوى السياسي وبين رؤساء المنظومة الأمنية؟
  • بعد فترة من الإحباط استمرت عاماً تقريباً، لم تنجح إسرائيل في تحقيق الحسم في أيّ جبهة، وازداد الضغط على رؤساء المنظومة الأمنية من أجل تحقيق نتائج، ومعه ازداد الإغراء بانتهاج حلول هجومية، يكون تأثيرها مضموناً. هذا ما جرى عندما اغتيل كلٌّ من الجنرال الإيراني في دمشق، وإسماعيل هنية، وفؤاد شُكر، ولدى قصف مرفأ الحُديدة في اليمن. كل هذه الأحداث حظيت بتأييد نسبي من الجمهور، وتفاخر نتنياهو بها، لكن حتى الآن، لم تؤدّ إلى إحداث تغيير واضح في تطورات الحرب...

لا يوجد حسم في الأفق

  • قبل ساعتين من الهجوم على لبنان، أصدر الشاباك بياناً غير مسبوق، تحدث فيه عن قضية قديمة وتطورات جديدة. في أيلول/سبتمبر من العام الماضي، انفجرت عبوة في حديقة اليركون في تل أبيب، لم تتسبب بإصابات. بعد عملية مطاردة، أُلقيَ القبض على فلسطينيين من الضفة الغربية، هم  الذين شغّلوا العبوة. وأظهر التحقيق أن مَن أرسلهم حزب الله الذي حاول اغتيال مسؤول أمني سابق. وأنه الآن، جرى إحباط محاولة أُخرى لخلية أُخرى من التنظيم نفسه، كانت تُعد عملية بصورة مشابهة لاغتيال شخصية أمنية سابقة.
  • في الأمس، لم تتطرق إسرائيل إلى الهجوم على لبنان رسمياً. وطلب مكتب رئيس الحكومة من الوزراء عدم الإدلاء بتصريحات للإعلام. لكن أحد عباقرة الميديا الجديدة من المحيطين بنتنياهو اختار النقاش مع الصحافي حاييم ليفنسون من "هآرتس"، في موقع X، ولمّح إلى مسؤولية إسرائيل عن الهجوم على لبنان. لكن التغريدة حُذفت بسرعة. ويبدو أنه يجري التعامل مع الخطر بجدية، فسارع مكتب رئيس الحكومة إلى تكذيب المنشور، والقول إن صاحبه ليس من المستشارين المقربين من نتنياهو، على الرغم من أنه من العاملين المقربين منه فعلياً.
  • وقع الهجوم الذي ينسبه حزب الله إلى إسرائيل في ذروة حرب طويلة. حتى الآن، كان من الواضح أن إيران وحزب الله يريدان سفك دماء إسرائيل في الشمال لمساعدة "حماس" في حربها في غزة، وعدم الدخول في حرب مباشرة وشامله معها. إن ضخامة هجوم الأمس والحديث عن إصابة السفير الإيراني في بيروت، يمكن أن يؤثّرا في اعتباراتهما وتغيير سياستهما. إن الإنجاز العملاني المنسوب إلى إسرائيل مثير للإعجاب. لكن في الوقت الذي تعهّد نتنياهو للجمهور منذ وقت قصير أننا على بُعد مسافة قصيرة من النصر المطلق على "حماس"، يبدو الآن أننا قريبون من حرب واسعة النطاق ضد حزب الله. والحسم على كل الجبهات لا يظهر في الأفق.
 

المزيد ضمن العدد