لا توجد حروب لطيفة، والمدنيون سيدفعون أثماناً باهظة
تاريخ المقال
فصول من كتاب دليل اسرائيل
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- "يالها من حرب رائعة"، عنوان لمسرحية غنائية بريطانية عن الحرب العالمية الأولى، جرى تحويلها في سنة 1969 إلى فيلم مناهض للحرب. تذكرت هذا الأسبوع ذلك الفيلم الساخر والذكي، الذي يسخر من سخافة الحرب، ومن الجنرالات الأغبياء الذين يرسلون جنودهم إلى الموت، بفرح. لقد تذكرت هذا الفيلم عندما سمعت، على مدار الأيام الأخيرة، الصحافيين والمحللين العسكريين والسياسيين في الأستوديوهات، الذين يتوقون إلى القتال في لبنان؛ إذ يشرح هؤلاء، بجدية شديدة، لماذا تحتاج إسرائيل الآن إلى حرب ضد حزب الله في لبنان، ولماذا لا يوجد خيار سوى الانطلاق إلى غزو لبنان مرة أُخرى. وهؤلاء لا يتحدثون عن حرب قصيرة، بل عن حرب صعبة وطويلة. لكن عدداً قليلاً منهم يتجرأ على الحديث عن الثمن الباهظ الذي سيدفعه المدنيون في إسرائيل.
- لقد شاركتُ في عدد من الحوارات، وحضرتُ عدداً من الإيجازات والإحاطات مع ضباط كبار في قيادة الجبهة الداخلية، على مدار العقد ونصف العقد الأخيرَين. أسهب هؤلاء في توصيف سيناريوهات مرعبة لحرب ستُطلق فيها عشرات آلاف الصواريخ من جميع الأنواع نحو الجبهة الداخلية، وبصورة خاصة المدن الكبيرة. سيتشرد مئات الآلاف من منازلهم. ستُدمر آلاف المباني. وتقضي سيناريوهات قيادة الجبهة الداخلية، باستعداد هذه الجبهة لإنشاء مدن خيام في النقب، وتحويل المدارس والمراكز الثقافية إلى مراكز إيواء للنازحين. سيتوقف الطلاب عن دراستهم، وكذلك ستتوقف شركات الطيران الأجنبية عن القدوم إلى إسرائيل. فضلاً عن قصف مطار بن غوريون وإغلاقه. وستنصح دول عديدة مواطنيها بمغادرة البلد. وسيدخل اقتصاد إسرائيل، الذي يعاني أصلاً منذ نحو عامين بسبب محاولة الانقلاب الحكومي والحرب، في حالة سقوط حر. وماذا عن الجيش الإسرائيلي؟ سيتم استهداف منشآته، بما في ذلك المطارات والمواقع الاستراتيجية. مرة أُخرى، سيضطر الجيش إلى استدعاء مئات الآلاف من جنود الاحتياط الذين يشعرون بالإرهاق من الحرب في غزة. وتزداد شكوك كثيرين منهم فيما إذا كان يتعين عليهم ترك عائلاتهم مرة أُخرى، والانطلاق إلى القتال. فإذا جرى تمرير قانون إعفاء المتديّنين من التجنيد، فإن دافع هؤلاء إلى القتال سيتآكل أكثر.
- بلغت تكلفة الحرب في غزة في العام الماضي 250 مليار شيكل [نحو 67 مليار دولار]. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة ملتزمة تقديم مساعدات طارئة لإسرائيل بقيمة 14 مليار دولار، بالإضافة إلى المساعدات العسكرية الاعتيادية البالغة 4.5 مليار دولار، فإنه وفقاً للمعلومات المتاحة لديّ، لم يتم سوى تحويل جزء بسيط فقط من المساعدات الطارئة لإسرائيل، حتى الآن – وهذا ليس من قبيل الصدفة، فالأمر يشير إلى استياء الإدارة الأميركية من نزعة المغامرة لدى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المتمسك بكرسيه، ومن أجل هذا، هو مستعد لمواصلة الحرب بلا نهاية، أو على الأقل، إلى أن يكون واثقاً من فرصه في الفوز في الانتخابات المقبلة.
- هناك حدود لقدرة أنظمة الدفاع الجوي بطبقاتها الست – القبة الحديدية، ومقلاع داود، والسهم [حيتس]، والطائرات في مهماتها الاعتراضية الجوية، وأنظمة تعطيل الـGPS، وحتى إعادة تشغيل "شعاع الضوء" [نظام الاعتراض الصاروخي بواسطة الليزر الذي لا يزال في قيد التجربة]. ستواجه هذه المنظومات صعوبة في التعامل مع سماء مليئة بالصواريخ والقذائف والطائرات المسيّرة، وستكون حماية الجبهة الداخلية أمراً شديد الهامشية في أفضل الحالات. فالحرب ضد حزب الله في لبنان لن تكون مجرد ضربة سريعة وتنتهي، بل ستتطلب وجوداً عسكرياً واسع النطاق هناك، وتعني حرب استنزاف وحرب عصابات من النوع الذي عاشه الجيش الإسرائيلي في الجنوب اللبناني حتى انسحابه في سنة 2000، والذي يعيشه الآن في القطاع. وحتى إذا افترضنا أن الجيش الإسرائيلي والجبهة الداخلية سيصمدان صموداً مكيناً، وسيكونان قادرَين على خوض الحرب على جبهتين، فهل توجد ضمانة أن تقتصر الحرب على هذه الجبهات فقط؟ إن الضفة الغربية تغلي فعلاً، ومع الزيت الذي يُصب على نارها، نتيجة إرهاب المستوطنين، فهي على وشك إطلاق الانتفاضة الثالثة. والجيش الإسرائيلي ينقل أساليب قتاله في غزة، إلى مدن الضفة، بما في ذلك ازدياد استخدام الطائرات.
- تعني الحرب المتعددة الجبهات أن إسرائيل قد تجد نفسها تقاتل في غزة ولبنان والضفة، وتتعرض للقصف الصاروخي من اليمن، وربما مواجهة الميليشيات الشيعية في هضبة الجولان، بدعم من إيران. تُعتبر هذه الحملة على عدة حدود فعلاً حرب وجود، بكل ما تحمله من معنى، على غرار حرب سنة 1948. لقد شهدنا، عشية حرب الأيام الستة وبداية حرب "يوم الغفران"، ماهية الأفكار التي تدور في رؤوس قادة إسرائيل عندما يتعرضون للذعر والاكتئاب، حين يُحشرون في الزاوية. وفقاً لبعض التقارير، كان هناك مَن اقترح استخدام الأسلحة النووية، التي يعتقد العالم بأسره أن إسرائيل تمتلكها. مَن يدري، ربما تعود هذه الأفكار إلى الظهور، إذا اندلعت حرب إقليمية. سيقول البعض إنني أطرح هنا رؤية تشاؤمية، وأن دولة مُحبة للحياة، محاطة بالأعداء وتكافح من أجل بقائها، ستضطر إلى دفع ثمن ما. لكن أولئك الذين يدعون إلى الحرب، يجب أن يكونوا مستعدين لأسوأ السيناريوهات، وأن يدرسوا جيداً كيف ينوون إنهاءها، وما هي فرصهم في تحقيق ذلك.
- ربما يقول البعض إنه ما من خيار أمامنا. أمّا في رأيي، وفي رأي بعض المحللين، من المؤكد وجود خيار. يتمثل هذا الخيار في وقف إطلاق النار في غزة، وإعادة جميع الرهائن، حتى لو كان الثمن إطلاق سراح عدد من "الإرهابيين الخطِرين"، وإدخال عناصر فلسطينية وقوة عربية مشتركة لإدارة القطاع، إلى جانب تدخُّل أمني من إسرائيل، ووقف إطلاق النار في لبنان، والتفاوض بشأن تسوية طويلة الأجل مع حزب الله (مثل الاتفاق الذي صمد مدة 17 عاماً، حتى تشرين الأول/أكتوبر 2023)، وتدخُّل الولايات المتحدة لتهدئة التوتر مع إيران ودعم تطبيع العلاقات مع السعودية ومبادرة سياسية واقتصادية مع السلطة الفلسطينية. على الأقل، يجب التفكير في هذا البديل. ثم تذكروا أنه: لا توجد حروب لطيفة.