إسرائيل انتقلت إلى حرب شاملة في لبنان، لكنها غير مستعجلة حالياً كما يبدو لعملية برية
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- حتى من دون إعلان رسمي حالياً، فقد انتقلت إسرائيل وحزب الله اليوم (الاثنين) عملياً إلى مرحلة الحرب الشاملة بينهما، وهذا الإقرار سيبقى صحيحاً حتى لو لم نر جنوداً إسرائيليين يخترقون الحدود إلى لبنان، وحتى لو لم ينفذ حزب الله تهديده بعد بقصف تل أبيب ووسط البلد. وقد ظهر التحول المركزي في الوضع بوضوح مع موجة القصف الأوسع التي نفذها سلاح الجو منذ ساعات الصباح. وإلى غاية الساعة التاسعة مساءً، أشارت الأنباء من لبنان إلى سقوط 350 قتيلاً، والمئات الكثيرة من المصابين، بالإضافة إلى عدد كبير من مخازن القذائف والصواريخ التابعة لحزب الله التي تم تدميرها في القصف.
- حزب الله لا يستطيع احتواء هذه الأعداد، وخصوصاً أن عدداً كبيراً من القتلى مدنيون، كما أن سلاح الجو قصف بيروت في محاولة لاغتيال مسؤول كبير آخر؛ قائد الجبهة الجنوبية علي كركي. وحتى الآن، رد حزب الله بقصف ريف حيفا، وبعدها المدينة ذاتها، ووادي عارة، ومستوطنات في الضفة. وهناك كثيرون في الجانب الإسرائيلي يتمنون ذلك، ويعتقدون أنها ستكون فرصة لهزيمته. وفي الخلاصة؛ لقد دخلنا المسار السريع للحرب، حتى لو لم يقولوا لنا ذلك رسمياً.
- بموازاة القصف في ساعات الصباح، أعلن المتحدث الرسمي باسم الجيش دانييل هغاري أن سلاح الجو يقصف أهدافاً عسكرية نشرها حزب الله داخل القرى في جنوب لبنان، وطالب السكان الذين يعيشون فيها بالإخلاء. وخلال ساعات الظهر، أرسل هغاري تحذيراً شبيهاً إلى سكان البقاع. إن المستهدف هو مشروع بدأ به حزب الله قبل حرب لبنان الثانية سنة 2006 (وتلقّى ضربة أولى حينها)؛ حين نشر صواريخ متوسطة وبعيدة المدى، وبعضها دقيق، وووضع المخزون الاستراتيجي المهم لدى حزب الله في القرى، وأيضا في ً مناطق من لبنان. وهذه المنصات والصواريخ نُصبت على شرفات وفي مخازن منازل، وتم تجهيزها لإمكان إطلاقها، وقد جمعت الاستخبارات الإسرائيلية معلومات عنها بكثافة، ويبدو أنه منذ ساعات صباح أمس كان يتم استهدافها. وقال وزير الدفاع يوآف غالانت مساء أمس إنه تم تدمير عشرات الآلاف من القذائف والصواريخ الدقيقة.
- كما قامت أصوات الانفجارات وتحذيرات هغاري بدورها؛ فخلال ساعات الظهيرة، كانت هناك حركة نزوح جماعية لسكان من جنوب لبنان والبقاع إلى منطقة بيروت. وفي الطريق الرئيسي من صور إلى بيروت، انتشرت المركبات على المسالك الستة، ومنها المسالك المتجهة جنوباً. وقد جاءت موجة القصف العنيفة التي لم يشهدها لبنان منذ الحرب السابقة قبل 18 عاماً كاستمرارية لأحداث الأسبوع الماضي: ضربة البيجر الذي انفجر، وضربة أجهزة الاتصال، ثم اغتيال المسؤول الكبير في حزب الله إبراهيم عقيل، ومعه 15 من ضباط قوة النخبة رضوان في بيروت.
- إن زيادة الضغط العسكري الإسرائيلي يزيد من معضلة أمين عام حزب الله، حسن نصر الله. وإسرائيل تصرح بأنها تريد فك الارتباط بين الجبهة اللبنانية وما يحدث في قطاع غزة، وتريد دفع نصر الله إلى وقف إطلاق النار من دون أن تكون لهذا علاقة بما يحدث في مواجهتها مع "حماس"، كما أنها معنية بإبعاد رجال حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، وضرب القدرات العسكرية التي راكمها حزب الله خلال الأعوام العشرين الماضية، وعلى رأسها قدرة إطلاق الصواريخ.
- خلال خطابه الأسبوع الماضي، قال نصر الله إنه لا ينوي وقف إطلاق النار على طول الحدود، إلاّ إن الوضع مختلف الآن، ويجب عليه أن يقرر ما إذا كان سيستعمل ترسانة السلاح التي لديه، ويطلق الصواريخ أيضاً على وسط إسرائيل أم لا. وكتب مايكل يانغ، المحلل من مركز كارينغي في بيروت، اليوم أن إسرائيل تريد أن تدفع السكان في جنوب لبنان والبقاع إلى ترك المنطقة، وبحسبه، فإن حزب الله اعتقد بالخطأ أن إطلاق الصواريخ على الكريوت كان خطوة مهددة بصورة كافية من أجل ردع إسرائيل عن الاستمرار في التصعيد، واتضح له خطأ هذه الحركة اليوم.
- كما كتب: "مع كل تصعيد، إسرائيل تصعّد أكثر، وتنشئ معضلة أمام حزب الله. وإذا استعمل الحزب الصواريخ الدقيقة لديه، فسيقود لبنان إلى حرب شاملة ودمار، وسيتم التعامل مع نصر الله على أنه المسؤول عن ذلك. سيكون على حزب الله ومحور المقاومة أن يفكروا مرة أُخرى في استراتيجيا وحدة الساحات الخاصة بهم، وستكون غير صالحة في حال استطاعت إسرائيل التصعيد أكثر في كل مرة." يبدو أن إسرائيل غير مستعجلة حتى الآن لحملة عسكرية في جنوب لبنان، ولم يتم إعلان تجنيد واسع للاحتياط بعد. والجهود الهجومية جوية أساساً؛ فالقوات البرية تقوم بمهمات دفاع إلى جانب الدفاع الجوي، وهذا طبعاً يمكن أن يتغير مستقبلاً.
- إن الصمت الأميركي حتى الآن مثير للاهتمام، ويصل إلى حد اللامبالاة. ففي مساء أمس، أعلن البنتاغون إرسال قوات إضافية إلى الشرق الأوسط بسبب التصعيد مع لبنان، لكن من غير المفهوم لماذا لا تحاول إدارة بايدن طرح مبادرة دبلوماسية عاجلة وأفضل، في الوقت الذي تقف فيه المنطقة برمتها أمام خطر الانفجار. يبدو أن الولايات المتحدة تقول لنفسها إنه طالما لم تدخل إسرائيل برياً، فلا يزال من الممكن السيطرة على مجريات الأمور، وهذا خطأ؛ فالدماء كثيرة جداً إلى درجة أنه سيكون من الصعب جداً السيطرة على حجم النيران، حتى لو لم يدخل الجيش الأراضي اللبنانية.
عجرفة في القيادة
- بصورة استثنائية، هناك إجماع في القيادة السياسية والأمنية الإسرائيلية. حتى قبل أسبوعين، كان رئيس الحكومة يدير نقاشات حادة مع غالانت وقيادة الجيش بشأن سلّم الأولويات بين غزة ولبنان. وعندما أراد غالانت وقيادات الجيش إنهاء الحرب في القطاع والذهاب إلى وقف إطلاق نار، رفض نتنياهو هذا الأمر، كما رفض اقتراحهم بتركيز القتال في لبنان، وعندما غير رأيه، قام بتغيير حاد (والناطقون باسمه ساروا معه). لقد نُسي محور فيلادلفيا، وهو أساس وجودنا (حتى لو لم تخرج القوات منه)، والآن، أراد نتنياهو تصعيداً كبيراً في مقابل حزب الله، وتحفّظ كل من غالانت ورئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي، لكنهما في نهاية المطاف اقتنعا بالسير معه. والآن، ثلاثتهم مستعدون للمخاطرة بحرب شاملة، بعد الخطوات الهجومية التي قامت بها إسرائيل.
- إن الاتفاق في الرأي في القيادة أمر مشروع، لكن الخطِر هنا هو حالة العنجهية، حتى النشوة التي تسيطر على المستوى السياسي الكبير. وبصورة مقلقة، هناك الوضع نفسه في الجيش، وكأن "مذبحة" 7 تشرين الأول/ أكتوبر، والمفاجأة التي خلفتها لم تحدث أبداً؛ فنتنياهو يستمع إلى دائرة صغيرة من المستشارين، وإلى مسؤولين سابقين في الجيش لديهم آراء هجومية، وهذه المجموعة تعتقد أنه عبر استعمال القوة أكثر يمكن فرض النظام على حزب الله. من الأفضل الامتناع من التفكير في أن سلسلة النجاحات غير المسبوقة التي جمعها الجيش ومجتمع الاستخبارات الإسرائيلي في الهجوم يمكن تحقيقها في مجال الدفاع بالضرورة.
- إن الحرب ليست لعبة كرة قدم، ولا توجد انتصارات صفرية. وحزب الله يتواجد اليوم في موقع متراجع، لكن كما كتبت هنا قبل فترة طويلة؛ من الأفضل عدم الاستخفاف بقدرته على ضرب الجبهة الداخلية الإسرائيلية، حتى في نقاط مؤلمة، وأيضاً في مناطق لم نتجهز لها مسبقاً، وهذه الأقوال صالحة أيضاً بشأن قرار القيام بمناورة برية داخل جنوب لبنان، إذا تم اتخاذه.