رفع مستوى الإيذاء ومهاجمة هدف مهم: الاعتبارات الإسرائيلية قبل الرد
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- كان الهجوم بالصواريخ الباليستية الإيرانية أمس (الثلاثاء) بمثابة الصعود درجةً من ناحية الاستهدافات، مع معرفة إيران الأكيدة أن الصواريخ ليست دقيقة، ومن شبه المؤكد أنها ستصيب مدنيين. وكانت هناك محاولة لمهاجمة ديمونا، وبحسب الادعاءات الإيرانية، مهاجمة المطار، وهذا مع عِلم الإيرانيين أن الصواريخ ليست دقيقة. وقد فشل الهجوم الإيراني؛ إذ سقط عدد من الجرحى خلال هَرَعِ المواطنين نحو الأماكن المحصنة، أو جرّاء إصابتهم بشظايا الصواريخ الاعتراضية، كما قُتل فلسطيني في أريحا، ومن غير الواضح إذا ما كان جرّاء سقوط صاورخ أو شظايا اعتراضية. لكن عدد المصابين في القصف محدود جداً، وأغلب الصواريخ التي وصلت إلى إسرائيل جرى اعتراضها.
- وكان هناك تعاون ممتاز مرة أُخرى بين منظومة الدفاع الجوي وسلاح الجو في الجيش الإسرائيلي، وبين منظومات الكشف والدفاع الجوي لسلاح الجو في السانتكوم (قيادة المنطقة الوسطى الأميركية). وعملت منظومة الدفاع الإقليمية على مواجهة التهديدات بصورة ممتازة، والنتائج تدل على ذلك.
- لكن إسرائيل هذه المرة يجب أن ترفع درجة الإيذاء في ردها، ليس فقط لأن الهجوم الإيراني كان بصواريخ باليستية بعيدة المدى تحمل رؤوساً حربية تزن قرابة 700 كيلوغرام من المواد الناسفة، ولا بسبب المحاولة الواسعة لضرب أهداف استراتيجية، بل أيضاً لأن هذه المرة كانت هناك محاولة واضحة لتحدي إسرائيل واستفزازها عبر مهاجمة مواقع لم تُستهدف من قبل. وكانت هناك محاولة أيضاً واسعة النطاق بحسب الإيرانيين لضرب قواعد سلاح الجو، وإعماء دولة إسرائيل بصورة غير مسبوقة، وما لا يقل أهمية أن هذه هي المرة الثانية التي تتواجه فيها إيران مباشرة معنا، وليس فقط عبر وكلائها، أي أن إيران أصبحت بالنسبة إلينا ساحة قتال أساسية كلبنان، وكغزة والضفة الغربية. ويجب أن نفحص إذا كانت هناك علاقة بين الهجوم في تل أبيب الذي نفذه "مخربون" من الخليل، الذين هم على علاقة بـ"حماس" والذي أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وبين الهجوم الصاروخي الإيراني. وللإيرانيين علاقة بممثلي "حماس" في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في بيروت وصيدا وصور، وعناصر "حماس" هناك هم الذين يشغلون الهجمات في الضفة الغربية، ومن الممكن أنهم سعوا لتنسيق توقيت الهجوم مع الهجوم الصاروخي، وهذا يجب التحقق منه.
- في كل حال، من المعقول افتراض أن إيران افترضت أن إسرائيل سترد، فآيات الله أشخاص يدرسون الأمور بروية ولا يخاطرون عبثاً من دون التفكير مسبقاً. والإيرانيون هاجموا أمس بواسطة صواريخ الحرس الثوري الإيراني، لأنه من دون ذلك، فهُم يخاطرون بخسارة نفوذهم في المنطقة، وخصوصاً وسط شبكة علاقاتهم مع وكلائهم؛ فقد ألحق كل من اغتيال إسماعيل هنية في طهران، ونصر الله في بيروت، وقائد الحرس الثوري في لبنان، ضرراً كبيراً بمكانة طهران وسط وكلائها...
- كما أن الهجوم على مرفأ الحديدة يمكن أن يلمح إلى أسلوب الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني بحسب التقرير الذي نشرته "الوول ستريت جورنال". وبحسب التقرير، فقد بعثت إسرائيل برسالة إلى طهران أنها ستضرب المنشآت النووية الإيرانية أو منشآت النفط، والمعلوم أن اقتصاد إيران يعتمد على تصدير النفط والغاز، وهناك أهداف كثيرة يمكن مهاجمتها بواسطة الطائرات، والرد الإسرائيلي على الهجوم الصاروخي الإيراني في نيسان/أبريل كان محدوداً جداً، وجعل الإيرانيين يتساءلون: ماذا أصابت بطاريات الصواريخ الاعتراضية S-300 الجديدة الروسية الصنع، التي تدافع عن مطار أصفهان ومنشآت نتانز لتخصيب اليورانيوم الموجودة في المنطقة؟
- وعلى الرغم من المصلحة الإسرائيلية في تعزيز الردع الذي حققته في لبنان وفي المواجهة السابقة مع إيران، فإنها في حاجة إلى أن تأخذ في الاعتبار عدداً من القيود الأساسية، بينها الطلب الأميركي ألاّ يؤدي الرد الإسرائيلي إلى إشعال حرب إقليمية؛ فإذا هاجمت إسرائيل، وفق ما جاء في تقرير "الوول ستريت جورنال"، المنشآت النووية في إيران، فمن الممكن أنها ستحقق نتائج تتعارض مع مصالحها ومع المصلحة الأميركية. ومن الممكن أن يؤدي الهجوم على المنشآت النووية إلى تسريع عمليات تطوير السلاح النووي في إيران، وأن يؤدي أيضاً هذا إلى حرب شاملة تتورط إيران فيها، وهو ما يسمى بالحرب الإقليمية. لذلك، حتى لو كان لدى إسرائيل كل الأسباب لتوجيه ضربة مؤلمة جداً ضد المنشآت النووية، أو أهداف أُخرى، يمكن افتراض أنها ستختار هدفاً إيرانياً تعتبره واشنطن هدفاً مناسباً ومشروعاً ومدروساً من جانب إسرائيل.
- من مصلحة إسرائيل الآن إغلاق الجبهة الإيرانية كي تستطيع التركيز على الجبهات الأُخرى التي تعمل فيها، وخصوصاً لبنان. إن الهجوم على المنشآت النووية أو القيام بهجوم قوي ضد صناعة الوقود الإيرانية، كما تحدّث عنه تقرير "الوول ستريت جورنال"، يمكن أن يؤدي إلى رد إيراني سيرتد علينا وعلى واشنطن، ولا مصلحة لنا في الانشغال بهذه الجبهة التي تبعد أكثر من 2000 كيلومتر عن إسرائيل، وتتطلب موارد، وتخطيطاً كبيراً جداً.