الدمار الذي يُحدثه الجيش في شمال القطاع يشير إلى نية الحكومة: نحن هنا لنبقى
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- قبل فتح صناديق الاقتراع في الولايات المتحدة بساعات، تحدث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن هاتفياً مع وزير الدفاع يوآف غالانت. وتم تخصيص جملة واحدة فقط في البيان القصير الذي صدر عن وزارة الخارجية الأميركية بشأن التزام الولايات المتحدة الدفاع عن إسرائيل في مواجهة هجوم تهدد به إيران. جرى تخصيص بقية البيان للمشكلة التي تشغل إدارة بايدن أكثر من أيّ شيء الآن في الشرق الأوسط - عمليات الجيش في شمال قطاع غزة وعرقلة دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
- أرسل بلينكن ووزير الدفاع الأميركي لويد أوستن رسالة حادة إلى غالانت ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، قبل أسابيع، طلبا من إسرائيل فيها القيام بخطوات تحسّن الوضع الإنساني في القطاع. وحذّرا من أنه إذا لم يتم ذلك، فيمكن أن يكون هناك إسقاطات ثقيلة على قضية إرسال السلاح الأميركي إلى إسرائيل. ومنذ ذلك الوقت، وجّه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أوامره إلى الجيش، سراً، بإدخال250 شاحنة مساعدات إلى شمال القطاع في اليوم الواحد، التزاماً بالمطلب الأميركي - وهو عدد لم يصل إليه الجيش.
- وفي الوقت نفسه، مرّر الائتلاف قوانين بشأن إغلاق مكاتب "الأونروا"، على الرغم من أن الإدارة الأميركية، المنتهية ولايتها قريباً، طلبت عدم القيام بذلك. لكن ما يُقلق بلينكن فعلاً هو الوضع الميداني في القطاع، وقال في بيانه إنه طلب من إسرائيل القيام بعمليات لزيادة حجم المساعدات الإنسانية- غذاء وماء، وغيرهما من الأمور الحيوية للمدنيين في كافة مناطق القطاع. أيضاً طلب بلينكن إنهاء الحرب في غزة وتحرير الرهائن وبناء مسار يسمح للمجتمع الفلسطيني في غزة بإعادة بناء حياته من جديد وإعادة إعمار القطاع.
- جاءت المحادثة بين بلينكن وغالانت بعد شهر تقريباً من بدء العملية العسكرية في مخيم جباليا، شمال القطاع. تحدث ضابط كبير مع الصحافيين أمس، وقال إن قواته اقتربت من إخضاع مقاومة "حماس" في المخيم. وبحسبه، قُتل خلال المعارك في المخيم نحو ألف "مخرب" وأُسر 700 مشتبه فيه بالانتماء إلى الفصائل الفلسطينية. وجرى إخراج نحو 55 ألف فلسطيني من المخيم، ولم يبقَ هناك سوى بضع مئات، إلى جانب خلايا صغيرة من مسلحي "حماس". أمّا في البلدات الواقعة شمالي جباليا، مثل بيت حانون وبيت لاهيا، فلم يبقَ سوى آلاف من المدنيين. وقال إن الإخلاء بالقوة جاء من أجل حماية المدنيين.
- ينبع القلق والانتقادات في الولايات المتحدة وأوروبا من عمليات الجيش التي، بحسب المصادر الإعلامية من الميدان، تتضمن قتلاً عشوائياً وكثيفاً للمدنيين (الجيش يدّعي أن حماس تضخم الأرقام)، إلى جانب تدمير البنى التحتية. وفي الوقت نفسه، انتشرت في إسرائيل أنباء عمّا سُمّي "خطة الجنرالات" التي صاغتها مجموعة من الضباط الكبار السابقين، وطالبت بطرد المدنيين بالقوة إلى مناطق جنوب محور نتساريم الذي يسيطر عليه الجيش، وبمنع إدخال المساعدات الإنسانية.
- ينكر الجيش أي علاقة له بخطة الجنرالات التي واجهت انتقادات دولية، لكنه في الحقيقة يعمل على تنفيذ جزء ليس بسيطاً منها. لم يذهب المدنيون إلى جنوب نتساريم، لكن جرى تهجيرهم من الجزء الشمالي للقطاع إلى جنوب جباليا، وحتى مخيم الشاطئ في أقصى الجنوب. يرافق هذه العملية أيضاً دمار كبير جداً للمنازل والبنى التحتية من جباليا شمالاً، إذ يبدو أن جزءاً منه لا يتعلق بالقتال. هذه التغييرات لا يمكن العودة عنها، وسيحتاج الفلسطينيون إلى سنوات لترميمها، إذا استطاعوا أصلاً. هذا ما يمكن ملاحظته بعد زيارة للميدان، صباح أمس.
أهلاً وسهلاً في "إيلي غزة"
- بين كيبوتس "نيرعام" وسديروت، وعلى هامش الطريق، وتحت الجسر الذي يمرّ عليه القطار، يمكن رؤية مجمّع نُصبت فيه خيام. وعلى مدخل الخيمة، رُفعت يافطة كبيرة كُتب عليها "إيلي غزة". حتى إن المنطقة بات لها تعريف في "ويكيبيديا"، وبحسب هذا التعريف،هناك كلام عن "استيطان غير قانوني في مقابل كيبوتس إيرز، أقامه ناشطون من اليمين يريدون بناء مستوطنات في قطاع غزة".
- قبل وقت ليس طويلاً، كانت فكرة العودة إلى الاستيطان في غزة أمراً محصوراً بالمتطرفين في اليمين، البعض من "شبيبة التلال" الذين تركوا المزارع والبؤر في الضفة الغربية، ووصلوا إلى "غلاف غزة" من أجل الاستفزاز والضغط على المستوى السياسي، بهدف العودة إلى بناء المستوطنات التي جرى إخلاؤها في إطار خطة "الانفصال". لكن هذه الفكرة التي كانت محصورة ببعض المتطرفين، تحولت خلال الأشهر الماضية إلى مركز يصل إليه الحاخامون وأعضاء الكنيست من اليمين المتطرف.
- توجد فتحة في الجدار الحدودي على مسافة ليست بعيدة عن الخيمة، تدخل منها قوات الجيش إلى شمال القطاع. وبعد الدخول مئات الأمتار إلى داخل القطاع، يبدو أن الناشطين في الخيمة باتوا أقرب إلى تحقيق رؤيتهم مما يعتقد الجمهور الواسع. لم يتبقّ في العطاطرة وبيت لاهيا منزل واحد يمكن العودة إليه والسكن فيه. تبدو المنطقة كأن كارثة طبيعية أصابتها، ولا يوجد سكان بين الدمار. وكجزء من محاولات الجيش منع السكان من العودة، يطلق النار في المناطق المفتوحة ليلاً، ولا يستطيعون العودة، لأن الجيش يمنع ذلك. وفي الخلاصة، لا يهمّ اسم العملية التي يطلقها الجيش، لقد بدأ فعلاً بـ"تطهير" شمال القطاع وتحضير الميدان لكي يسيطر عليه وقتاً طويلاً.
- وعلى طول الطريق، يمكن ملاحظة معدات هندسية تدمر المباني المقابلة للشوارع. وبدلاً من هذه المباني، يتم توسيع المحاور التي سيستعملها الجيش، وهي مخصصة لكي يتحرك فيها بطريقة أكثر أماناً. قائد لواء "كفير" الذي بات مسؤولاً عن منطقة العطاطرة وبيت لاهيا، الجنرال يانيف بروت، قال إن المهمة الموكلة إليه هي استمرار رصد البنى التحتية "الإرهابية"، وأيضاً رصد ناشطي"حماس". لكن بحسب كلامه، فخلال الحملة الأخيرة، لم يتم إيجاد أيّ بنى تحتية تحت الأرض، أو أدوات قتالية ثقيلة، أو مواقع تصنيع أسلحة. تقوم القوات الآن بتمشيط المنازل في محاولة للبحث عن مسلحين، أو أدوات قتالية.
- يشير الواقع الميداني إلى أن الجيش يقوم، عملياً، بتقسيم القطاع إلى جزأين. في المرحلة الأولى، قسّم الجيش قطاع غزة إلى جزأين من خلال وادي غزة. الآن، يقوم بتقسيم شمال القطاع إلى جزأين. ولا يوجد تصريح للسكان بالعودة، حتى إلى المناطق التي انتهى فيها القتال.
- مؤخراً، جرى تعزيز لواء "كفير" بالكتيبة 71 التي كانت تقاتل على الحدود اللبنانية. حقيقة أن الجيش يحوّل قوات مناورة، وخصوصاً كتيبة دبابات من الشمال، للسيطرة على مناطق في الجنوب، يمكن أن تشير إلى نيات المستوى السياسي بشأن التوصل إلى ترتيبات لإنهاء القتال في الشمال والتجهز للبقاء طويلاً في الجنوب.
المحكمة ومصائب أُخرى
- كقاعدة، تشير خطوات الجيش إلى محاولة فرض حقائق على الأرض وقتاً طويلاً. بالنسبة إلى الجيش، وحسبما هو معروف، لا يوجد شيء ثابت أكثر من الموقت. وإلى جانب التوترات المتصاعدة مع المجتمع الدولي- يمكن أن تتصاعد أكثر في فترة "البطة العرجاء" لإدارة بايدن من دون علاقة بنتيجة الانتخابات، إذ إن استمرار العمليات في شمال القطاع يمكن أن يكون بمثابة ضربة قاضية للصفقة، ويزيد في المخاطر على المخطوفين الإسرائيليين في القطاع، 101 من المدنيين والجنود.
- الآن، لا يعمل الجيش من فراغ، بل استناداً إلى تفاهمات صامتة مع المستوى السياسي. فرضية أن نتنياهو يعمل لمصالح الشركاء من اليمين المتطرف تتعزز. صحيح أنه أعلن قبل بضعة أشهر في مقابلة للقناة 14 أنه لا يدعم إقامة مستوطنات في القطاع، لكن كل ما يهم الصهيونية الدينية و"قوة يهودية" في الحرب الآن هو الاستيطان، حتى لو كان الثمن حياة المخطوفين. حقيقة أنهم لا يفعّلون ضغوطاً مشابهة بشأن استمرار الحرب في لبنان، إذ يقول نتنياهو إنها يمكن أن تنتهي خلال أسابيع، تشير إلى سلّم أولوياتهم الحقيقي.
- خضع نتنياهو لضغوط المستوطنين لأنه يعتقد أنه لا يملك بديلاً. إنه يأمل بمساعدة التحالف على البقاء في الحكم، وفي الوقت نفسه، تأجيل شهاداته في المحكمة، والتي من المفترض أن تبدأ في مطلع الشهر المقبل. ومن أجل ذلك، يجنّد أيضاً تهديد حياته، الذي بات يشدد عليه أكثر منذ أطلق حزب الله مسيّرة انفجرت على شباك غرفة النوم في بيته الخاص في قيساريا في منتصف تشرين الأول/أكتوبر.
- حالياً، يغرق هو وديوانه في أزمات أُخرى. من غير الواضح ما إذا كانت هذه الأزمات تهدد حكمه بشكل مباشر، لكنها طبعاً، تعزز التوترات والتخوف في أوساط مساعديه ومستشاريه. لا يزال أحد المتحدثين باسمه، إيلي فلدشتاين، معتقلاً ويخضع لتحقيقات لدى "الشاباك" بسبب فضيحة تسريب معلومات استخباراتية سرية. يبدو أن مستشارين آخرين سيتم التحقيق معهم مستقبلاً. أمس، نُشر أيضاً أن الشرطة تدير تحقيقاً يتعلق بأحداث من ديوان نتنياهو منذ بداية الحرب، وفي الخلفية، هناك ما نُشر في صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن شكوى للشرطة قدمها سكرتير نتنياهو العسكري في تلك الفترة، الجنرال آفي غيل، ويُشتبه في أنها تدور حول محاولات تغيير البروتوكولات.