معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- في ختام معركة انتخابية عاصفة وفرز الأصوات، أُعلِن دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. لقد فاز ترامب على هاريس، بعد سباق محموم وموضع خلاف، وبعد أن خاض ترامب معركته الانتخابية، مركّزاً على التهديد الذي تمثله الهجرة على الولايات المتحدة، وترويج مواقفه من موضوعات الاقتصاد والجريمة والسياسة الخارجية. وهذه المعركة الانتخابية الناجحة ساعدته على الحصول على أغلبية للجمهوريين في مجلس الشيوخ، بينما ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان مجلس النواب سيبقى في يد الجمهوريين، أم سينتقل إلى الديمقراطيين...
التداعيات على السياسة الداخلية
- يمثل فوز ترامب مع نائبه جاي دي فانس الصعود الرسمي للجناح الشعبوي القومي في المعسكر الجمهوري. خطاب ترامب التحريضي الذي امتاز بالصبغة العنصرية العنيفة، إلى جانب أسلوبه التسلطي، وتسامُحه مع العداء للسامية وسط أجزاء من قاعدته في الحزب الجمهوري، ووعوده باستخدام صلاحياته ضد خصومه السياسيين، أمور كلها جعلته متهماً بأنه ينوي أن يحكم بطريقة استبدادية. بالإضافة إلى ذلك، تسود الولايات المتحدة حالياً مخاوف من إمكان حدوث اضطرابات داخلية وتحديات قضائية وقانونية غير مسبوقة...
التداعيات على السياسة الخارجية: الأسئلة أكثر من الأجوبة
- ستُصاغ السياسة الأميركية الخارجية وفق وجهة نظر ترامب، كرجل أعمال، ونفوره من الأدوات التقليدية التي يستند إليها النفوذ الأميركي في أنحاء العالم. نهج "أميركا أولاً" الذي يروّجه يتضمن تعهدات بشأن توسيع الاتفاقات التجارية، وتطبيق التعرفات الجمركية الوقائية، بحجة أن التجارة الحرة أضرّت بالعمال الأميركيين، وبالطبقة العاملة. ينطوي هذا التوجه على شكوك بشأن السياسة الأميركية التي تتميز، عموماً، بانخراط عالمي واسع النطاق، وبالدفاع عن النظام العالمي الليبرالي. يشير مؤيدو ترامب إلى أن شعار "أميركا أولاً" لا يعني "أميركا وحدها"، وأن ولاية ترامب الماضية شملت ترسيخاً للعلاقات الأميركية مع المحيطَين الهندي والهادىء، ومع إسرائيل، ومع دول الخليج، ونفوره من بعض المكونات في وجهة النظر العالمية السائدة. وحسبما ادّعى مستشاره السابق للأمن القومي روبرت أوبريان، فإن ما يوجّه ترامب هو "حدسه والمبادىء الأميركية التقليدية العميقة، أكثر من نظرية العولمة في العقود الأخيرة".
- فيما يتعلق بالعلاقة بين ترامب والمنظومة الدولية، فإن عدم وجود مبدأ ناظم يترك أسئلة أكثر من الأجوبة، وخصوصاً في الوقت الحالي، إذ تزداد حدة المنافسة بين القوى العظمى منذ انتهاء الحرب البادرة. والمجال الأكثر تعبيراً عن توجهات ترامب الشعبوية هو منظومة تحالفات الولايات المتحدة، في الأساس، مع حلفائها الأوروبيين ومسألة الحرب في أوكرانيا. لقد سبق أن اشتكى ترامب من "الوصوليين" الذين لا "يدفعون المتوجب عليهم"، وطالب بشدة دول الناتو بالتقيد بالتزاماتها وتخفيض 2% من إنفاقها الدفاعي. وأيضاً هدد في مناسبات كثيرة بانسحاب الولايات المتحدة من الناتو، ويمكن أن تخلق ولايته الثانية كثيراً من التوترات بين صفوف الناتو. فيما يتعلق بأوكرانيا، تحدّث ترامب عن رغبته في إنهاء الحرب، وانتقد الدعم المالي الأميركي الكبير المقدم لكييف. في ضوء ذلك، من المعقول أن يقترح ترامب تقليص المساعدات الأميركية لأوكرانيا بصورة كبيرة، وأن يؤيد تقديم تنازلات أوكرانية كبيرة لروسيا.
- ومن المنتظر أن تشكل الصين مصدراً للقلق الكبير لترامب. وإذا جرى انتخاب المؤيدين لفكرة وضع آسيا على جدول أعمال واشنطن في مناصب أساسية في الإدارة، فمن المحتمل أن يتراجع الاهتمام بالشرق الأوسط، وأن يتوجه إلى شرق آسيا، والمنافسة المباشرة مع الصين. وبالعكس، إذا جرى تعيين أشخاص في مناصب أساسية من الذين يعتبرون أن تحدّي الصين له علاقة بصراعات أُخرى، بينها قضية إيران، حينها، ستبقى إسرائيل والشرق الأوسط ساحة مركزية تستقطب الاهتمام والموارد الأميركية.
إسرائيل والشرق الأوسط
- امتازت الولاية الأولى لترامب بعلاقاتها الوثيقة مع إسرائيل ودول الخليج، وخصوصاً السعودية والإمارات، ووصلت إلى ذروتها مع "اتفاقات أبراهام". وشمل تأييد ترامب لإسرائيل الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، واغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني. على هذه الخلفية، ليس من المستغرب أن تُظهر الاستطلاعات التي أُجريت قبل الانتخابات تفضيل أغلبية الإسرائيليين ترامب على هاريس.
- في موضوع إيران، من المتوقع أن يصعّد ترامب خطاب البيت الأبيض حيال طهران، وأن يعيد فرض عقوبات اقتصادية كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يأمر باستخدام القوة العسكرية الأميركية ضد شخصيات إيرانية متورطة في عمليات "إرهابية" في شتى أنحاء الشرق الأوسط. مع ذلك، ستمتنع إدارة ترامب من العمل عسكرياً ضد القدرات النووية الإيرانية، خوفاً من تورُّط أميركي في حرب جديدة في الشرق الأوسط. كما أن تأييد ترامب في الأشهر الأخيرة لعملية عسكرية إسرائيلية ضد طهران، لن يكون صالحاً خلال ولايته، لأن تداعيات هذه العملية يمكن أن تشكل تحدياً للولايات المتحدة. وفي ظل تضاؤل احتمالات شن عملية عسكرية أميركية مباشرة ضد المشروع النووي الإيراني، سيكون لدى ترامب وسيلتان لمواجهة التطلعات النووية لطهران: عقوبات اقتصادية، التي تُعتبر فائدتها محدودة في كبح المشروع النووي، ومفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق جديد. بناءً على ذلك، وعلى الرغم من استخفاف ترامب العلني الكبير بالنظام الإيراني، فإنه من المحتمل أن يبدأ بالتفاوض مع طهران، الأمر الذي عبّر في الماضي عن تأييد علني له، بحجة أنه قادر على التوصل إلى اتفاق مع إيران أفضل من الاتفاق الذي توصلت إليه إدارة أوباما في سنة 2015. إن مزاجية ترامب وعلاقاته مع الزعامة الإسرائيلية الحالية يمكن أن تجعلا من الصعب على الحكومة الحالية أن تعارض مثل هذه المفاوضات، علناً، مثلما حاولت منع الاتفاق النووي الأصلي مع إيران.
- بالنسبة إلى إسرائيل، إن تقلُّب ترامب يثير في هذا السياق تساؤلات كثيرة. المشكلة الأكثر إلحاحاً هي الحرب المستمرة ضد محور المقاومة، بقيادة إيران، في لبنان وقطاع غزة. لقد أعرب ترامب عن رغبته في إنهاء الحرب في غزة، قبل استلامه منصبه في 20 كانون الثاني/يناير، لكنه لم يفصّل، علناً، رؤيته لليوم الآخر. وإذا كان الماضي يدلنا على نياته، فثمة شك في أن يفرض ترامب قيوداً على المساعدات العسكرية لإسرائيل من أجل لجمها. لكن إذا أخذنا في الاعتبار دعمه "اتفاقات أبراهام" و"صفقة القرن" مع الفلسطينيين (2020)، ثمة احتمال لدعم إدارته صيغة ما لحل الدولتين (ربما تلك التي تشمل ضمّ مناطق واسعة من الضفة الغربية). إذا وافقت السعودية على ذلك، فمن المحتمل بلورة تأييد سعودي عربي واسع النطاق من أجل إعادة إعمار قطاع غزة، والإصلاحات في السلطة الفلسطينية، وتوقيع اتفاق دفاعي بين الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية.
- من جهة أُخرى، وفي ضوء أن عدداً من مستشاري ترامب، وأيضاً الحكومة الإسرائيلية نفسها، لا يعتبرون أن حلّ النزاع الإسرائيلي –الفلسطيني هو مفتاح الاستقرار الإقليمي، فإن ترامب سيمتنع من الربط بين التقدم نحو حلّ الدولتين وبين توسيع "اتفاقات أبراهام". في المقابل، ونظراً إلى أن السعودية تصرّ على أن تتضمن عملية التطبيع مع إسرائيل التزاماً إسرائيلياً بشأن تقديم أفق سياسي للفلسطينيين، فإن رفض إسرائيل لذلك يمكن أن يعرقل المساعي للدفع نحو اتفاق إقليمي جديد. في النهاية، على ما يبدو، سيضغط ترامب على حلفائه لمنع أيّ تحقيق دولي ضد زعماء وجنود إسرائيليين في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي..
- موضوعان أساسيان على جدول الأعمال الإسرائيلي سيتأثران بدخول ترامب إلى البيت الأبيض: العلاقة الأميركية بالسياسة الإسرائيلية الداخلية، والمساعدات الأميركية لإسرائيل. فيما يتعلق بالسياسة الداخلية، فإن معارضة إدارة بايدن للانقلاب الدستوري كان من العوامل التي كبحت مساعي الحكومة الإسرائيلية لإعادة صوغ الدستور في البلد. في المقابل، من المتوقع أن يكون ترامب أكثر تأييداً من بايدن للخطوات التي تريد الحكومة الإسرائيلية القيام بها في هذا الإطار. أمّا فيما يتعلق بالمساعدات الأميركية لإسرائيل، فإن هذا لا يعني بالضرورة مساعدة مادية. ترامب يعارض بشدة تقديم مساعدات أميركية في العام، ويتمسك بتقديم قروض، يجب على الدول إعادة دفعها. بالنسبة إلى إسرائيل، يمكن أن يشكل هذا الموقف تحدياً كبيراً في هذه الفترة من الإنفاق الأمني الذي يمكن أن يزداد مستقبلاً بصورة كبيرة، وبالتالي سيزداد الاعتماد على المساعدات العسكرية الأميركية.
...